هل يستطيع رئيس الوزراء الجديد في السودان فك شفرة الأمنيات الثلاث؟

زهير عثمان حمد
خطاب في لحظة كسر العظم
رئيس الوزراء المرتقب لا يأتي في لحظة طبيعية من الانتقال أو الاستقرار، بل في لحظة كسور وطنية متداخلة : دولة تتشظى، مجتمع يتفكك، ونظام سياسي وعسكري لم يعد قابلاً للإصلاح بالأدوات التقليدية. وسط هذا الخراب، يظهر الخطاب الأول لرئيس الوزراء
بوصفه ميثاق أمل مؤقت، لا كبرنامج حكم شامل. وفي ظل ذلك، تتحول “الأمنيات الثلاث” – وقف الحرب، إيصال المساعدات، والانتقال المدني – إلى اختبارات فورية للشرعية، لا مجرد شعارات.
أولاً : وقف الحرب – شعار بلا رافعة أم استراتيجية ممكنة؟
جوهر الصراع : دولة بلا مركز
الخطاب الواقعي لرئيس الوزراء يجب أن يُقر بأن الحرب لم تعد بين جيش وميليشيا فقط، بل باتت تعبيراً عن تفكك “الدولة المركزية”، وتحول الخرطوم من مركز للقرار إلى رمز لفشل النخبة. الحرب تعبّر عن انهيار العقد السياسي السوداني القديم، وليست مجرد
سوء تفاهم عسكري.
خطاب رئيس الوزراء المتوقع- لا يمكنه التعهد بوقف فوري للحرب، لكن يمكنه أن يعد بـ”معالجة جذور الحرب” من خلال مشروع سياسي جديد، وليس فقط وقف إطلاق نار تقني. الخطاب الذي يتحدث بلغة الاعتراف بالفشل البنيوي سيكون أقرب للواقع من خطاب
وعود جوفاء.
منطق التحرك -الدفع نحو مفاوضات جزئية تبدأ من المناطق المنكوبة كالفاشر والجنينة، لا التفاوض من قمة الهرم.
استدعاء “نداء من الشعب”، لا باعتباره تفويضاً، بل كسلاح أخلاقي وسياسي لتحجيم استئساد الأطراف المسلحة.
استخدام خطاب “الضمانات مقابل التهدئة”: أي تقديم ضمانات دولية وإغاثية لبعض المناطق مقابل هدنة موضعية، مما يربط السياسي بالإنساني.
ثانياً : المساعدات الإنسانية – من الحق الأخلاقي إلى رافعة سياسية
الوضع الراهن -المساعدات الإنسانية لم تعد شأناً تقنياً بل أداة حرب، تستخدمها الأطراف المسلحة لإخضاع السكان، وتوظفها بعض الدول لتقوية وكلائها المحليين.
خطاب رئيس الوزراء – يجب أن يتجاوز لغة “استدرار الشفقة الدولية” إلى طرح سيادي–أخلاقي:
“توصيل الغذاء ليس إحساناً دولياً، بل واجب سياسي ووطني مشترك”.
يمكن للخطاب أن يستند إلى “عقد إغاثي مؤقت”، يضم المجتمع المدني، والقوى المحلية، والمجتمع الدولي، بعيداً عن العسكر، لضمان توصيل المساعدات.
منطق التحرك – تفعيل خطة استجابة طارئة خارج سيطرة القوات المتحاربة، بآلية يشرف عليها مكتب رئيس الوزراء بشكل مباشر.
تقنين المساعدات من خلال وثيقة تعهد تُوقّعها الأطراف المحلية، وتكون مرهونة بالتقدم في ملف وقف النار.
الاستفادة من الجاليات والمنظمات السودانية بالخارج كقنوات ضغط ومساهمة لوجستية، في ظل تضييق العمل المحلي.
ثالثاً : الانتقال المدني – من خطاب المرحلة إلى هندسة الممكن
الواقع السياسي –
الانتقال لم يعد “حلماً مؤجلاً” بل تحول إلى ساحة تنازع بين قوى ثورية فقدت التماسك، وعسكر يعيدون إنتاج أنفسهم كضرورة أمنية، ومجتمع دولي متردد بين الواقعية والانكفاء.
خطاب رئيس الوزراء – يجب أن يوضح أن “المدنية” ليست سلطة فوقية تُمنح، بل عملية بناء من القاع، تبدأ بتوحيد جبهة مدنية قاعدية أولاً. كل حديث عن انتخابات أو “ترتيبات انتقالية” لا معنى له في ظل غياب شرط الحد الأدنى من الدولة.
منطق التحرك – إعلان مبادرة لـ”تجمُّع القوى المدنية الجديدة”، لا ترتهن للتاريخ القديم للتحالفات، بل تركز على قوى الداخل والمقاومة المجتمعية.
إعادة تعريف مفهوم “الانتقال” : ليس فقط انتقالاً من عسكر إلى مدنيين، بل من الفوضى إلى بنية سياسية عقلانية. هذا يتطلب دمج عناصر الحكم المحلي، والإدارة الأهلية، ومنظمات الشباب.
مواجهة سؤال الشرعية مباشرة: هل هو مجرد ممثل للعسكر؟ الخطاب يجب أن يتعمد فك الاشتباك الرمزي مع العسكر، ولو جزئياً.
ما بعد الخطاب – الطريق الضيق نحو الممكن
رئيس الوزراء الجديد لا يحتاج إلى برنامج “100 يوم”، بل إلى خطة 3 مسارات متداخلة – الهدنة الإنسانية الكاملة – بوصفها بوابة لإنقاذ الأرواح، وليس مجرد هدنة سياسية.
منصة مدنية موحدة – كرافعة تفاوضية مستقبلية، ومنعاً لانفراط العقد الشعبي.
خطاب سيادي متزن – يعيد تعريف الوطنية السودانية كعقد اجتماعي جديد، لا كانتماء قهري لعسكر أو إثنيات.
نجاح رئيس الوزراء لن يُقاس فقط بقدرته على “الحل”، بل بقدرته على تثبيت خطاب عقلاني، سيادي، ومتصالح مع الناس. فالسودان لا يحتاج زعيماً مخلصاً بل صانع مسار طويل المدى، يبدأ من وسط هذا الركام الفوضي والتجيش الاحمق لاهل السودان.