مقالات وآراء

المواطنين غير المرئيين (2 -2) ماساة العشوائيات والترحيل القسري داخل الخرطوم

 

محمد علي مهلة

” في تقرير لجامعة ماسشوتس للتكنولوجيا حول العشوائيات في الخرطوم صدر عام 2003، صنفت المساكن أو الأحياء الفقيرة او slums في الخرطوم في شكل مرتبط بواقع العملية المتعلقة بالتوسع الي الخارج والازاحة الدائمة للمنع من الاقتراب من المركز. حيث أن التصنيف وصف ثلاث انواع من الأحياء الفقيرة العشوائية علي حسب قربها من مركز الخرطوم، أولها في داخل المدينة، بعضها تم إعادة تخطيط المدينة من حوله والبعض تم ترحيل أصحابه مثل كرتون فلاتة. هناك نوع آخر من الأحياء الفقيرة التي هي عبارة عن مساكن الخطط السكنية التي توزعها الحكومة كتعويضات للمرحلين من الاحياء القريبة من مركز الخرطوم أو للذين لا يمتلكون أراضي سكنية. وأخيرا فإن هناك المساكن العشوائية التي هي متفرقة حول الخرطوم وبشكل كبير هي التي تحتوي الأعداد الأكبر من السكان. حيث انه في الخريطة رقم 3 ادناه نري أن معظم مناطق الدرجة الثالثة تمثل مناطق الأحياء الفقيرة القريبة من مركز الخرطوم inner slums، بينما المناطق المعاد تحطيطها تمثل الأحياء الفقيرة الخارجية أو outer slums ،بينما المناطق العشوائية هي في اطراف الخرطوم.
“اول المستوطنات العشوائية ظهرت في شمال الخرطوم في بحرى في عام 1921 وهي الآن تعتبر منطقة درجة ثالثة، وكانت حول المنطقة الصناعية وقد تمت إزالتها الان. حيث أن الحكومات الوطنية ظلت توزع قطع الأراضي كدرجة أولي وثانية وانتشرت الي حيث كانت بعض من الأحياء الفقيرة والعشوائية سابقا مثل مناطق العمارات والرياض والصافية والمهندسين. ” حيث أن أي عملية توسع في الخرطوم كانت تقوم علي حساب نوع الأراضي من سكان العشوائيات أو ترحيلهم الي إماكن ابعد من مراكز المدينة التي تم توزيعها كدرجة أولي وثانية. وقد كانت عمليات النزوح المنظم للخرطوم بدأت في السبعينات ولكنها تسارعت في منتصف الثمانينات بعد أن اشتعلت الحرب في الجنوب. حيث يقدر انه حتي قبل الانفصال كان هناك ما لايقل عن 2مليون من الجنوب وجبال النوبة حسب إحصائيات رسمية يعيشون في هذه العشوائيات حول الخرطوم بينما تقديرات باحثين ومنظمات اخري تضع الأرقام الي حد يصل الي 3.5مليون. فيما بعد الانفصال تظل التقديرات تصل الي أن السكان في العشوائيات أو مناطق الحزام الأسود ربما لا تقل عن 1.7 الي 2 مليون نسمة. بينما لا يقل سكان المناطق سكان الدرجة الثالثة أو outer slums حسب تقرير جامعة مايشوتس عن 1.3 مليون.

في الفترة بين 1989 وحتي 2002 وقت صدور التقرير المشار إليه أعلاه تم إزالة أكثر من 12 مستوطنة أو حي سكني عشوائي حول الخرطوم تم إعادة توطين سكانها في مناطق في حافة او أطراف الخرطوم الكبرى كما وصفها التقرير. بينما هناك مخطط الي إزالة أكثر من 5 عشوائيات اخري في تاريخ صدور التقرير، حيث يقدر عدد السكان المخطط نزع أرضهم وترحليهم من هذه العشوائيات الخمسة أكثر من ربع مليون نسمة. يصف التقرير التركيبة السكانية للأحياء الفقرة والعشوائية في الخرطوم علي مستوي التوزيع السكاني حسب المناطق الأصلية من السودان قائلا :” البنية القبلية للمناطق العشوائية في الخرطوم وبقية الأحياء الفقيرة تظهر أن الغالبية هي من القبائل الجنوبية ممثل النوير والدينكا والشلك إضافة إلي القادمين من غرب السودان من الفور والزغاوة والمسيرية والبقارة والبرنو والنوبة. أما سكان الأحياء الفقيرة في الدرجة الثالثة الأقرب الموجودة داخل العاصمة فهم بشكل غالب من وسط وشمال السودان.” ( بورتز، 2012) ومن هنا يتضح أن توزيع السكن والأراضي في الخرطوم يتبع نفس النمط الذي تتبعه الدولة السودانية في عملية التوزيع للثروة والسلطة علي أسس اثنية، بحيث ان السكن حتي داخل الخرطوم هو مقسم علي أسس اثنية بشكل لا يقبل الشك. إذ تتم عملية إزاحة مستمرة للسكان في هذه العشوائيات القادمين من مناطق الهامش والأطراف في السودان الكبير لكي يعيشون في الهامش والأطراف داخل الخرطوم أيضا. تقول كريستين بوتزر كاتبة كتاب مواطنين من الدرجة الثانية في السودان عن أطراف الخرطوم والتطور الذي يجرى دون أن يؤثر علي سكان هذه الأطراف :” ان الأطراف يمكن اعتبارها مستعمرات داخلية، حيث أن التطور الصناعي له فوائد حصرية للمجموعات السكانية في المركز الذين يسعون الي استقرار النظام system لكي يحافظوا على امتيازاتهم.” واي تطور تنموي في الخرطوم هو يتخذ هذه الآلية في الفرز الاجتماعي بما في ذلك عملية توزيع السكن في الخرطوم.

تصف كريستينا الحواجز الاثنية والاجتماعية التي تحد من فرص الترقي الاجتماعي في الخرطوم كمدينة، وإمكانيات الحراك الي اعلي علي المستوي الاقتصادى او حتي مستويات التعليم لمن هم قادمين من لأطراف بقولها :” حيث انه في الخرطوم الوصول الي الفرص والموارد يعتمد بشكل عالي على العلاقات الاجتماعية… حيث أن النجاح الاقتصادي أو التعليمي يجب وضعه في إطار انه مسألة عائلية واثنية ،إذا كان يمكن الحصول عليه اصلا.” هذه الحواجز تبرز من خلال عملية الا لدى الي أطراف العاصمة سواء من خلال خطط سكنية بديلة لعشوائيات أو اضطرار سكان العشوائيات بعد إزالتها الي الابتعاد إطار اسعد حيث تنعدم الخدمات الرئيسية مثل المياه والمواصلات والكهرباء. ويعاني الطلاب من صعوبة الوصول الي المدارس وخاصة لوليك الذين يدرسون في مدارس عليا لا توجد الا في مأزق أقرب إلي مركز العاصمة وأيضا طلبة الجامعات الذين جميعا يعانون من التكاليف الباهظة والمرهقة لأهل أسرهم مما يضرهم الي ترك الدراسة ويقلل من فرص التحصيل العلمي نسبة لطول المسافات وبعد منازلهم وانعدام الكهرباء فيها للدراسة ليلا، حيث انهم غالبا يصلون منازلهم بعد مغيب السمي نسبة للرحلات التي تستغرق ساعات ذهابا وإيابا من الجامعات والمدارس الي تلك المناطق العشوائية البعيدة في أطراف العاصمة. ولذلك تتشكل دائرة معلقة من الجهل الفقر والاستغلال والتمييز ضد هؤلاء السكان، يشكل فيها عامل السكن والتمييز فيه والازاحة المستمرة للسكان الي خارج مركز الخرطوم والخدمات جزءا رئيسيا من هذه الأزمة. حيث تستخدم قوانين الأراضي لفرض إزالة العشوائيات بالقوة ولكي تتولد مزيد من المآسي والتمييز والاضطهاد لسكان الهامش في داخل الخرطوم.

ان العشوائيات فى اطراف المدن التى نشات منذ منتصف القرن الماضى فى كل مدن السودان واجهت اشكال منظمة من الترحيل القسرى والابعاد باستخدام العنف المفرط. حيث كانت عمليات التخطيط فى المدن و فى الخرطوم مثلا تقوم على اساس اثنى بامتياز. فكلما قام المهمشون فى العاصمة والنازحين بتعمير منطقة طرفية, يتم طردهم بالقوة لاماكن اكثر بعدا من مراكز الخدمات الاساسية. حيث ان التاريخ حافل بمشاهد الترحيل القسرى المؤلمة لسكان تلك المناطق العشوائية او مدن الكرتون , المقابل السودانى لمدن الصفيح. حيث تتم عملية ازاحة مستمرة للسكان من الهامش فى الوسط ودفعهم للبقاء فيما يبدو ان النظم الحاكمة فى المركز تعتقد انه مكانهم الطبيعى , اى ان يكونوا دوما فى الاطراف وفى الهامش, حتى فى داخل مركز البلاد وعاصمتها.”

من كتاب : المواطنة المؤقتة في السودان – ملكية الأرض كآلية إستغلال وإضطهاد – للكاتب عثمان نواي هبيلا 2018

‫2 تعليقات

  1. بلاش عواطف سازجة هؤلاء يجب أن يرحلوا خارج العاصمة دعك من الاطراف هل هم يمتلكون شهادة بحث للأراضي التي يبنون علبها منازلهم؟ أغلبيتهم غير سودانيين قادمين من غرب افريقيا وهذه حقيقة لا تقبل الجدال اقول الغالبية وليس كلهم ثم هل هناك ما يمنع هؤلاء من التقديم للخطة الاسكانية مثلهم ومثل الآخرين؟ هل تقصد أن يترك هؤلاء يبنون ويشيدون مدن صغيرة و عشوائية في أطراف المدن من غير أن يسألهم احد؟ هؤلاء شاركوا في زيادة الام الشعب السوداني بالمشاركة في نهب البيوت والمصانع في هذه الحرب اللعينة….. المختصر المفيد عندك شهادة بحث من حقك أن تبني منزل اما غير ذلك يجب أن ترحل خارج الخرطوم …انتهي

  2. سؤال هذا البلد أصلا لم يكن بلدا واحدا ولن يكون هذا النازح الذي أطلت في الشفقة عليه لم يكن ولن يكون من تراب النهر الخالد او الوسط فهو قدم لحثا عن العمل في بلد غير بلده بعد ان يقسم السودان الحالي ويعاد الي سودان ١٩١٧ سيرحل كل تلك الأجسام ليذهبوا لبلادهم ويبنوا دولة المساواة كما تزعم تأسيس.زمن سار في فلكها الداكن
    مثلث حمدي هو مرتاح الحل
    دكتور حياة عبد الملك الصوت الواعي
    لا لدارزفت والغرابة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..