مقالات وآراء سياسية

دراويش الوعي السوداني – تشريح خطاب النخبة بين القداسة الزائفة والضمير الميت

زهير عثمان حمد

 

“ما ظهر على الشاشة الجزيرة الفضائية لم يكن سوى طقوساً جنائزية للعقل السوداني، حيث يُدفن الوطن تحت ركام الخطابات، ويُحنَّط المثقفون في أردية بلاغتهم البليدة، بينما جثث الحقيقة تُترك للنسور الصعاليك في فضاء الدنيا”.

بهذا المشهد الكثيف نبدأ. لأن ما بُثّ عبر شاشة “الجزيرة مباشر” مؤخراً، في حوار بين بعض المثقفين السودانيين، لم يكن نقاشاً فكرياً بل انكشافاً عارياً لانحطاط النخبة. كان عرضاً مجانياً لسقوط الوعي في فخاخ الذات المتورمة، حيث لا فكرة تُقال، بل فصاحةٌ تَقتل.

حيث لا تساؤلٌ يُطرح، بل تهجمٌ يُزيَّن بالألفاظ.

الدرويشية الثقافية : عندما يتحوّل الضريح إلى منصة فكر

من هنا تأتي استعارتنا لـ”الدرويش”، لا بوصفه ناسكاً زاهداً، بل مثقفاً تماهى مع ذاته لدرجة القداسة. إنه الدرويش الذي لم يعد يرى في خطابه إلا الحقيقة المطلقة، فيحيل كل من يخالفه إلى الكفر الثقافي أو الخيانة الوطنية. صار المثقف عندنا ضريحاً متحركاً، يطوف الناس حوله طلبًا لوهم الخلاص، بينما هو ينهار من الداخل.

هذا الانهيار ليس أدبياً فقط، بل أخلاقي بالدرجة الأولى. نحن أمام فصاحة التهجُّم لا من أجل إعلاء الفكرة، بل من أجل إشباع نرجسية الذات، وتحصين موقع رمزي أو مصلحة ظرفية. اللغة هنا لا تُبنى، بل تُطلق كصواريخ صوتية لتدمير الخصم لا لإقناعه.

فالمعركة ليست فكرية، بل شكل من العنف الرمزي المتخفي في ثوب البلاغة.

الهوية الممزقة وعنف الرداءة

ما يغذّي هذا العنف أكثر من أي شيء هو التمزق الوجودي للمثقف السوداني : هل هو عربي؟ أفريقي؟ مسلم؟ محلي؟ هذا السؤال، بدلاً من أن يولد حواراً عميقاً، ينتج ردة فعل هستيرية، كأن كل واحد يحرس “هويته” كآخر معاقل النجاة من الذوبان.

ولذلك، فإن أي نقد يُترجم كتهديد للذات، ويُردّ عليه بعنف مضاعف.

الإرث الرعوي والعقل الهرمي

لا يمكن فهم هذه الأزمة دون ربطها بـ عقلية الرعوية الاجتماعية التي تتسلل إلى الخطاب النخبوي : عقلية تقوم على التراتبية، الإقصاء، والمباهاة بالمركز. فالقبيلة حاضرة كظلال في الخطاب، عبر تحالفات خفية، أو اختيار رموز معينة، أو ترميز الخصم الجهوي.

إنها ذهنية تستبطن التسلط، وتُحيل الثقافة إلى أداة إقصاء لا أفق حوار.

ثغرات الصمت القاتل : ما لم يُقل بعد

الرأسمال الرمزي والتمويل السياسي :

من يدفع؟ ومن يُلمِّع؟ كثير من هذه السجالات لا تجري في الفراغ، بل خلفها تحالفات مالية وإعلامية وأكاديمية. بعض النخب ممولة من جهات خارجية تسعى لاختراق المشهد. المناصب تُباع، المنابر تُوزَّع، والبلاغة تصير سلعة تخدم مشروعًا لا فكرة.

الذكورية الخطابية :

رغم ارتفاع صوت النسويات، لا تزال الذكورية تسكن جملة النخبة السودانية. نراها في تهميش صوت المثقفات، وفي استخدام “الأنثوية” كشتيمة ضمنية، وفي حصر القضايا الجندرية على هامش النقاش. العنف هنا طبقي وجندري في آن.

التمرد الجيلي المزيَّف = الأجيال الجديدة دخلت الحلبة، لكنها ورثت نفس أدوات العنف الرمزي. لا تزال تعاني من غياب المشروع، ومن الانسحاق أمام رموز “الجيل المؤسس”. التمرد ظل لغوياً لا هيكلياً. ولذلك فإن الطقس يتكرر : صوت جديد، بأسلحة قديمة.

المثقف العضوي للسلطة -بعض الدراويش ليسوا غافلين بل فاعلين بوعي. هم جنود للسلطة، سواء كانت دينية أو عسكرية أو نيوليبرالية. مهمتهم تشتيت الوعي، وتحويل كل نقاش إلى حفلة سبّ، حتى لا يرتفع صوتٌ عن الفقر، أو العنصرية، أو التهجير.

اللغة كسجن استعماري -نخبتنا تدافع عن “الفصحى المعيارية” — اللغة التي فصلها الاستعمار عن الجسد الشعبي — لكنها تستعملها كأداة هيمنة طبقية. تُقصي اللهجات، وتتهم العامية بالجهل، بينما هي تتغنى بـ”التحامها مع الناس”!

مفارقة تكشف كذب المشروع الثقافي ذاته.

تماثيل على رماد

“الدراويش لا يرقصون على أطلس المدن المحترقة فحسب، بل ينفخون في رمادها ليُطفئوا الشرر الأخير الذي قد يضيء طريق الخلاص”.

 

ما نشهده ليس صراعاً فكرياً، بل صراع على البقاء الرمزي في مشهد منهار. ليس جدلاً حول الحقيقة، بل معركة على احتكار تمثيلها. والعنف اللفظي ليس عرضاً هامشيًا، بل أداة سياسية لطمس أي بديل، ولمراكمة الشرعية عبر الاستعراض الخطابي.

 

إن أردنا الخروج من هذا الكهف، فعلينا أولاً أن نخلع أزياء التقديس عن المثقف، أن نكسر تماثيل النخبة التي لم تُنتج سوى الضجيج. فالشفاء لا يبدأ بمزيد من النقاش، بل بفضح البنية التي تجعل من المثقف كاهناً، ومن اللغة خنجراً، ومن الفكرة تميمةً للحظ لا مشروعًا للتحرر.

 

[email protected]

تعليق واحد

  1. من الاخر سبب دمار النخب هي الاحزاب قول كيف وافصل ليك بالتفصيل خاصة اكبر حزبين عجوز احتكروا النخب السودانية او اقصائها عن كرهه او رغبة من النخب الابتعاد بدل المهزلة والنفاق والكذب ولازم تعريف للنخب كلمة نخب كلمة فضفاضة انا استعملها ولا انتمي لهؤلاء زول بسيط حسب تقديري لزول يطلق عليه نخبه وانت تستعملها وزول بتقرا وقرات وهاجرت وسفارت وترحلت بعدت اقطار وشعوب شاهدت الحضارة التنمية الخ…..عليك ان تراجعوا وتحددوا لينا مسمى جديد زول او زولة صعلوك يشكل راي عام عبر تلفون والنخب تتضارى الى متى زمان كان يوجد عذر بحجة القنوات يتحكم فيها النظام المحيط ولا توجد قناة تعمل لله الا زول مغفل واي زول بهذا الزمان يصل لاي قناة اعرف ليس من شطارته ولا من علمه ومعرفته شخص مجند بالداخل او الخارج ما هو المبرر للكوادر السودانية تتضارى وتترك الوطن للجهله ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ نرجع للاحزاب العمل العام من لوزامه المال للاسف بدل الفكر والفهم الناس بقت تقيم بالجيوب والكيزان وحميدتي مثال حي لما حصل وحاصل خونه كل الاطراف اخر همهم الوطن والمواطن … هل الاحزاب احزاب تمثل مصالح الوطن ولا مصالح اسرية صداقات تزاوج ومصاهرات شللية تتحكم في عصب الدولة اليوم ما هو تاريخ ابراهيم الميرغني ولا حتى ابوهوا زاتوا عشان يكون يحارب في الكيزان وانا اعلم وتحدي اذهب راجع شركات الختمية تعمل بحقول البترول ومحمد عثمان رافع بندقية مع التجمع وناطق رسمي للتجمع كيف تنتصر كيف ياتي التغيير هل لديهم وزن اجتماعي سياسي داخل السودان لا وزن لهم لكن مفروضين فرض ياخي وين الميرغني الميرغني لمن كان رئيس التجمع انا كنت في سن المراهقة لجنة ازالة التميكن لمن بدات عمل هل يوجد حزب غير مشارك في الفساد المالي الا الحزب الشيوعي هذه شهادة الا زول مكابر لكن الكل بلع الطعم بواسطة شراكات غير معلنة لكن الورق الارباح ملفات الدولة تفضحهم ابراهيم الشيخ دا كيف من موظف يعمل ثروة ويقرض الدولة دفع ملايين الدولارات للقومة للوطن من وين واين ذهبت ومع العلم الكل هرب وشرد من السودان بسبب الاحوال والضغوطات لاي شخص نظيف لا يمكنتعمل بزنس والا تلمه بالحرام وتشارك الحرام هذه الاحزاب هي من احتكرت وقررت ان تعمل شكل ما يسمون نخب عجينه والله ان لمن اشاهد زول يقول ليك بروف وعضو فاعل في حزب اسرة غير وطني بحزن لامه وابوهوا الذين تعبوا درس وتعلم حتى المعلم الذي درسه استغفر الله يوجد نخب مناطقية تجمعت بالخارج لاحتكار السلطة بحجة الشريط النيلي وحمدوك واحد منهم ولمح في خطاب لمقابلته لاشخاص بالخارج بدل يخططوا لمشروع قومي كامل خططوا لمشروع مناطقي يستلموا السلطة باعتبار محتكرنها ناس الوسط ياخي الجامعات اغلب ناس الوسط شرد وهاجر وترك البلد لان النظام الفاسد انصاع لرغبات صعاليك منح فرص ومجان لمواطنين واخرين كل شيء بالقروش وداخلية سكن بالقروش والله في اجازتي الفات خالي قال لي تعرف انا الوحيد الفضلت وهو زول متوسط العمر ابنائه هاجروا يعملون بالخارج عدد احفاد جدي من امي فقط اكثر من 300 شخص خارج السودان توفي خالنا بدولة خليجية ابنائه والله هذه حقيقه واحد بلندن اثنين بالخليج واحد باستراليا واحد بامركا اما اخونه كل زول في بلد انا بتحدث معاك على مستوى عائلة من طرف واحد ولا جاب سيرة خوال وعمامه الخ… ابوهوا مباشر هو جدي يجي واحد محرض مشحون غل وحقد يقول ليك الوسط الشريط النيلي اذا هم بهذا النعيم كما يروج له ليه اول من هاجر هم اول من ترك الوطن هم اول من غنى للغربة هم واغلب هؤلاء انا تحدى متى دفع ضريبة للدولة نختلف نتفق فيها لكن متى ساهمت في مدرسة مستشفى ضريبة للدولة للمجتمع التعليم منو الابوهوا جده طاف السودان استاذ منو الجدو استقر في الجزيرة حتى المعاش والله لا يملك حواشة يرجع اهله كما هو

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..