مقالات وآراء

“من زقاق الستة تشي” إلى منظمة دولية: الحكمة الصينية ترسم طريقاً للعالم من براثن الصراع

 

عبدالوهاب جمعه

قدمت الصين رؤية عالمية لانهاء المنازعات بين الدول عبر “الوساطة”، قادت الصين جهود على مدى (3) سنوات كانت نتيجتها توقيع اتفاقية “المنظمة الدولية للوساطة” والتي اختير مقرها ليكون في هونغ كونغ.

الشراع الصيني: حكمة تهدي العالم
الصين لم تقدم جهود تكوين المنظمة فقط وانما قدمت الحكمة الصينية في حل المنازعات وكيف يمكن للحكمة الصينية ان تكون قارب نجاة للعالم من امواج النزاعات والحمائية، وكيف يمكن للحكمة الصينية ان “شراع أمل ” لمعالجة الخلافات بروح التفاهم والتصالح.
يمكن أن نرى ذلك في كلمة وزير الخارجية وانغ يي في حفل توقيع اتفاقية “المنظمة الدولية للوساطة” عندما قال :”نجتمع هنا لهدف مشترك، ألا وهو الدفع بحل النزاعات سلميا وتعزيز التعاون الودي بين الدول”.
واضاف وانغ :”وفي يومنا هذا بعد 80 عاما، في وجه التطور المتسارع للتغيرات التي لم يشهدها العالم منذ مائة سنة، أشار الرئيس شي جينبينغ بوضوح إلى أن وجود الخلافات بين دول العالم شيء طبيعي، غير أنه يجب تسويتها بشكل ملائم عبر الحوار والتشاور”.

ستة تشي.. حل متناغم
اكد وانغ أن الجانب الصيني يدعو دائما ومنذ زمن طويل إلى معالجة الخلافات بروح التفاهم والتصالح، وبلورة التوافق عبر الحوار والتشاور، وتعزيز التنمية بموقف يراعي التعاون والكسب المشترك، وحل المشاكل بالنظرة المستقبلية، ويعمل على استكشاف طرق ذات خصائص صينية لتسوية القضايا الساخنة، ويقدم الحكمة الصينية للدول لحل النزاعات والخلافات.
وانغ يي ربط بين فكرة وفلسفة تكوين”المنظمة الدولية للوساطة” بذكر لقصة كلاسيكة من الحكمة الصينية في فض المنازعات بين جيران الحي الواحد، حيث أشار وانغ يي الى “زقاق ليوتشي”، التي تروي تسوية الخلافات فيما بين الجارين المتنازعين عن الخط الفاصل بين المنزلين من خلال الوساطة ثم تراجع كل منهما ثلاثة تشي (وحدة الطول الصينية) من الخط إضافة إلى تشكيل زقاق جديد عرضه ستة تشي يسهل مرور الجميع.
وخلص وانغ يي من سرد تلك القصة بالقول:” إن مستقبل البشرية في يومنا هذا من العولمة مترابط ترابطا وثيقا”.

“الانسجام في ظل التنوع”
اذن الحكمة الصينية كانت ملهمة لتكوين “المنظمة الدولية للوساطة”، وهي تظهر اهمية الحكمة في حل المنازعات، وهو نفس المسار الذي تحدث عنه جون لي الرئيس التنفيذaي لمنطقة هونغ كونغ الإدارية الخاصة الصينية.
حيث قال أن المنظمة ستوفر مساراً للدول بغض النظر عن الثقافة أو اللغة أو النظام القانوني لتسوية النزاعات الدولية على أساس الاحترام والتفاهم المتبادل.
واكد جون لي على أن هذا الامر تزداد أهميته وسط تصاعد التوترات الجيوسياسية. واضاف :” عندما يهدد الحمائية بزعزعة النظام التجاري الدولي، وعندما يلوح الأحادية في أفق سلاسل التوريد العالمية، يكون الحوار وليس الانقسام هو ما يعيد التوازن”.
ويشير جون لي الى حقيقة مهمة تتعلق بالحكمة الصينية في حل المنازعات عندما قال :” لطالما دافعت الصين عن الإنصاف والوحدة.” مشيرا الى القيمة الصينية “和而不同” (هو إر بو تونغ) التي تعني “الانسجام في ظل التنوع” التي ظلت متأصلة بعمق في مجتمعنا.ويرى جون لي أن قيمة الاحترام المتبادل رغم الاختلافات هي أيضاً جوهر الوساطة، والمنظمة الدولية للوساطة، وعالم يسعى إلى التعاون بدلاً من الصراع.

هونغ كونغ ..جسر السلام في عالم ممزق
ويخلص جون لي الى امر مهم وهو :” رغم الاضطرابات الجيوسياسية، تبني هونغ كونغ الجسور لا الجدران. تحت مبدأنا الفريد “دولة واحدة ونظامان”، مشيرا الى أن هونغ كونغ تعد المدينة العالمية الوحيدة التي تتمتع بميزة الصين والميزة العالمية معاً. واضاف:” بدعم من الخطة الخمسية الوطنية الرابعة عشرة، أصبحت هونغ كونغ مركزاً دولياً للخدمات القانونية وتسوية المنازعات في منطقة آسيا والمحيط الهادئ”.
ما قاله وزير الخارجية الصيني والرئيس التنفيذي لهونغ كونغ جون لي يشير الى أن الوساطة وحل المنازعات بالحوار متجذر في الثقافة الصينية ويعكس قيما اجتماعية وفلسفية صينية تعود الى آلاف السنين.
في عالم مضطرب فان الحكمة الصينية في حل المنازعات تشير الى اهمية أخذ العالم بتلك الحكمة والتي كانت ابرز نتائجها هي تكوين المنظمة الدولية الدولية ومن قبل ذلك روعة الدبلوماسية الصينية الحكيمة

“مصير البشرية المترابط للابد”
وهكذا لا تمثل “المنظمة الدولية للوساطة” في هونغ كونغ مجرد إطار مؤسسي جديد فحسب، بل هي تتويج عملي لرؤية صينية أصيلة للعلاقات الدولية. رؤية تستند إلى آلاف السنين من الحكمة المتمثلة في “الانسجام في ظل التنوع” وقوة “الحوار والتشاور”، كما تجسدها قصة “زقاق ليوتشي” الخالدة.
في عالم تتلاطمه أمواج الحمائية والانقسامات الجيوسياسية، تقدم الصين، من خلال هذه المنظمة ومن هونغ كونغ – جسرها الحيوي بين الشرق والغرب – شراع أمل. إنها دعوة صادقة للعالم لاستبدال لغة الصراع بلغة التفاهم، وبناء الجسور بدلاً من الجدران، والسير معاً على طريق السلام والكسب المشترك، لأن مصير البشرية، كما أكد الوزير وانغ يي، مترابطٌ أكثر من أي وقت مضى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..