صحفيون سودانيون يحذرون من إجراءات حكومية لمراقبة الصحف الإلكترونية

حذر صحفيون سودانيون من عواقب الإجراءات التي تقوم بها السلطات السودانية لتعديل قانون الصحافة والمطبوعات ومراقبة الصحف الالكترونية، مشيرين إلى أن ذلك قد يؤدي إلى “مزيد من التضييق على حرية الصحافة”.
وكانت ورشة عمل نظمتها وزارة الثقافة والإعلام السودانية، بمدينة بورتسودان الأسبوع الماضي، أوصت بمنح السلطات صلاحيات موسعة لمراقبة الصحف والمواقع الإلكترونية، إضافة إلى إنشاء مؤسسة تنسيقية تضم ممثلين من “القوات النظامية، وزارة الإعلام، المجلس القومي للصحافة والمطبوعات، اتحاد الصحفيين، والجهات العدلية”.
وجاءت هذه التوصيات ضمن فعاليات الورشة لمناقشة وتعديل قانون الصحافة والمطبوعات الصحفية لسنة 2009، بمشاركة من صحفيين، وأجهزة أمنية وعدلية، إضافة إلى ممثلين من مجلس السيادة.
وقوبلت هذه التحركات بانتقادات حادة من نقابة الصحفيين السودانيين، التي لم تُدعَ للمشاركة في الورشة رغم أنها أول نقابة مهنية منتخبة بعد سقوط نظام الرئيس السابق عمر البشير.
وعبّر طارق عثمان، سكرتير العون القانوني بالنقابة، في تصريح لـ”دارفور24″ عن رفضه لهذه الخطوة، واصفًا توقيتها بأنه غير ملائم في ظل “الفراغ الدستوري والتشريعي وغياب أجهزة تنفيذية وتشريعية فعالة، وسيادة قانون الحرب”، مما يجعل أي تعديل قانوني، فاقدًا للسند السياسي والقانوني، وفق قوله.
واعتبر عثمان أن ما جرى في مدينة بورتسودان يعكس حالة من “الفوضى”، محذرًا من أن هذه التحركات قد تؤدي إلى “مزيد من التضييق على حرية الصحافة”.
واتهم جهات لم يسمها بالسعي لاستغلال الوضع الراهن لتمرير قانون “مشوه” يخدم مصالحها، مشيرًا إلى أن غالبية المشاركين في الورشة ينتمون للنظام السابق، الذين يسعون للعودة إلى مفاصل وزارة الإعلام ومجلس الصحافة – حسب قوله.
وأكد أن نقابة الصحفيين غير معنية بمخرجات هذه الورش، وأن أولوياتها تتركز حاليًا على دعم الصحفيين المتضررين من الحرب، وتدريب الكوادر الإعلامية، والدفاع عن حرية التعبير.
وكانت توصيات الورشة التي عقدت في بورتسودان أوصت بإنشاء منظومة إدارية لتسجيل وسائط النشر الإلكتروني والعاملين فيها، إلى جانب آلية تنسيقية تضم جهات حكومية وفنية، منها أجهزة القوات النظامية، هيئة الاتصالات والبريد، المركز القومي للمعلومات، شركات الاتصالات، والمجلس القومي للصحافة، بهدف تعزيز التنسيق وتبادل الخبرات في مجال النشر، وفق التوصية.
تضييق الخناق
وأعتبر الصحفي المستقل ومؤسس صحيفة “دروب” الإلكترونية، مرتضى أحمد، محاولة السلطات في بورتسودان تعديل قانون الصحافة والمطبوعات لعام 2009 بأنها تهدف إلى تضييق الخناق على حرية الصحافة والحريات الإعلامية، معتبرًا أن مثل هذه الخطوات تعكس سلوك الأنظمة الديكتاتورية التي تخشى من كشف الانتهاكات وتوعية المواطنين، من خلال النشر الإلكتروني.
وأوضح أحمد أن القانون الحالي وُضع في وقت لم يكن فيه النشر الإلكتروني منتشرًا كما هو الحال اليوم، حيث شهدت السنوات الأخيرة تحولًا كبيرًا نحو المنصات الرقمية، التي توفر مساحة أوسع من الحريات وتمكن الصحفيين من إيصال رسالتهم خارج سيطرة السلطة.
وأضاف أن تصاعد تأثير المنصات الرقمية وتهديدها لمركز السلطة دفع السلطات إلى السعي لفرض قيود جديدة على الفضاء المفتوح، في محاولة للحد من هذا التأثير المتنامي.
وأشار إلى أن هذه القيود قد لا تطال بشكل مباشر المنصات العاملة خارج السودان، لكنها ستمثل تهديدًا حقيقيًا للمنصات المحلية التي تملك مقرات داخل البلاد، فضلًا عن الضغط على الصحفيين الميدانيين عبر تشريعات مقيدة وملاحقات قانونية تستند إلى دعاوى كيدية.
وأكد أحمد أن هذه الإجراءات تمثل خطرًا حقيقيًا على مستقبل الصحافة الإلكترونية، وتستهدف المراسلين والصحفيين على الأرض في وقت تعجز فيه السلطات عن السيطرة على المحتوى المنشور عبر الإنترنت.
واختتم بدعوته للكيانات الصحفية ومؤسسات الدفاع عن الحريات الإعلامية إلى التحرك العاجل لمواجهة هذه السياسات، محذرًا من أن تمرير مثل هذا التعديل سيُشكّل سابقة قانونية تهدد الجميع.
كذلك شملت توصيات الورشة الحكومية “توسيع اختصاصات المجلس القومي للصحافة لتشمل الإعلام الرقمي، في إطار تنفيذ الاستراتيجية الوطنية للإعلام، التي تركز على تطوير السياسات والتشريعات ومراقبة المحتوى، بما يضمن المهنية والجودة”.
وأكدت الورشة أهمية تحقيق توازن بين حرية الإعلام والأمن القومي، مع حماية الخصوصية، مشيرة إلى الحاجة إلى تشريعات حديثة تنظم النشر الرقمي، ومراجعة الإطار القانوني الحاكم للفضاء الإعلامي، وفي مقدمته قانون الصحافة.
وشددت التوصيات على ضرورة إعادة تعريف الصحافة لتشمل الصحف المطبوعة، الصحافة الإلكترونية، المواقع الإخبارية، ومواقع تجميع الأخبار، مع الدعوة لتدريب الصحفيين على مفاهيم الأمن القومي وابتكار آليات مهنية للتحقق من مصداقية الأخبار المتداولة.
دارفور 24