مقالات سياسية

أَيَنجَحُ كَامِل إِدرِيس فِي رِئَاسَةِ الوُزَرَاءِ لِفَترَةٍ انتِقَالِيَّةٍ؟!

حَسَن عَبد الرَّضِي الشَّيخ

منذُ أن طُرِحَ اسمُ الدُّكتور كَامِل إِدرِيس كَمُرَشَّحٍ مُحتَمَلٍ لِرِئَاسَةِ الوُزَرَاءِ فِي السُّودَان، انقَسَمَتِ الآرَاءُ بَينَ مَن يَرَونَهُ مُنقِذًا مُرتَقَبًا – لَا سِيَّمَا مِن أَنصَارِ النِّظَامِ البَائِدِ الَّذِينَ يَسعَونَ لِتَفَادِي سُقُوطِهِمُ الحَتمِيِّ – وَبَينَ مَن يُشَكِّكُونَ فِي قُدرَتِهِ عَلَى قِيَادَةِ مَرحَلَةٍ انتِقَالِيَّةٍ بَالِغَةِ التَّعقِيدِ، تَتَقَاطَعُ فِيهَا الأَزَمَاتُ السِّيَاسِيَّةُ وَالإِنسَانِيَّةُ وَالأَمنِيَّةُ. بَينَمَا يَرَى آخَرُونَ أَنَّ تَرشِيحَهُ لَا يَعدُو كَونَهُ مُحَاوَلَةً لِتَلمِيعِ صُورَةِ عَبدِ الفَتَّاحِ البُرهَانِ وَالحَرَكَةِ الإِسلَامِيَّةِ أَمَامَ المُجتَمَعِ الدُّوَلِيِّ وَالاتِّحَادِ الإِفْرِيقِيِّ، فِي مَسعًى يَائِسٍ لِفَكِّ تَجمِيدِ عُضوِيَّةِ السُّودَانِ وَمَنحِ البُرهَانِ فُرصَةَ تَحقِيقِ “حُلمٍ” عَجَزَ عَن تَحقِيقِهِ عَبرَ القُوَّةِ.
فَهَل يُمكِنُ حَقًّا أَن يَنجَحَ كَامِل إِدرِيس فِي هَذِهِ المُهِمَّةِ الشَّائِكَةِ؟

كَامِل إِدرِيس شَخصِيَّةٌ مُثِيرَةٌ لِلجَدلِ، عُرِفَ بِسَعيِهِ الحَثِيثِ نَحوَ المَنَاصِبِ، خَاصَّةً أَنَّهُ ظَلَّ عَلَى تَوَاصُلٍ دَائِمٍ مَعَ النِّظَامِ السَّابِقِ، الَّذِي وَعَدَهُ مِرَارًا بِمَوَاقِعَ قِيَادِيَّةٍ. وَقَد شَارَكَهُم لَاحِقًا فِي انتِخَابَاتٍ “خَج” تَفتَقِرُ لِأَيِّ شَرعِيَّةٍ، مُؤَدِّيًا دَورَ “المُحَلِّلِ” لِتَوفِيرِ غِطَاءٍ زَائِفٍ مِنَ القَبُولِ لِتِلكَ العَملِيَّةِ.

أَمَّا سِجِلُّهُ فِي المُنَظَّمَةِ العَالَمِيَّةِ لِلمِلكِيَّةِ الفِكرِيَّةِ، الَّتِي شَغَلَ فِيهَا مَنصِبَ المُدِيرِ العَامِّ، فَلَم يَكُن خَالِيًا مِنَ الشُّبُهَاتِ، إِذ ثَبَتَ قِيَامُهُ بِتَزْوِيرِ تَارِيخِ مِيلَادِهِ لِلاِستِفَادَةِ مِنِ امتِيَازَاتِ التَّقَاعُدِ، وَهِي وَاقِعَةٌ تُثِيرُ تَسَاؤُلَاتٍ أَخلَاقِيَّةً جَوهَرِيَّةً حَولَ سُلُوكِهِ العَامِّ.

وَأَبرَزُ مَا يُمَيِّزُهُ هُوَ غِيَابُ الجُذُورِ السِّيَاسِيَّةِ وَالفِكرِيَّةِ لَهُ. إِذ لَا يُعرَفُ لِلرَّجُلِ، دَاخِلِيًّا، أَيُّ ارتِبَاطٍ جَادٍّ أَو فِعلِيٍّ بِالمُجتَمَعِ السِّيَاسِيِّ أَو المَدَنِيِّ السُّودَانِيِّ. لَم يُقَدِّم مَشرُوعًا فِكرِيًّا أَو رُؤيَةً سِيَاسِيَّةً وَاضِحَةً، مَعَ إِشَاعَةٍ أَنَّهُ قَد أَلَّفَ كِتَابًا لَم يَسمَع بِهِ السُّودَانِيُّونَ إِلَّا بَعدَ تَعيِينِهِ، وَظَلَّ بَعِيدًا عَنِ الحِرَاكِ الوَطَنِيِّ، مَا جَعَلَهُ مَرفُوضًا عَلَى نِطَاقٍ وَاسِعٍ. كَمَا لَم يُعرَف عَنهُ خِطَابٌ عَقلَانِيٌّ مَدَنِيٌّ يُلهِمُ الثِّقَةَ أَو يُطمئِنُ الجَمَاهِيرَ. فَهَل تَكفِيهِ الخَلفِيَّةُ الأَكَادِيمِيَّةُ لِقِيَادَةِ بَلدٍ مَنكُوبٍ؟ خَاصَّةً وَأَنَّ السُّودَانَ اليَومَ يَمُرُّ بِمَرحَلَةٍ حَرِجَةٍ مِنَ الاِنهِيَارِ المُؤَسَّسِيِّ وَالاِقتتالِ المُسَلَّحِ، فَهَل تَكفِي الخَلفِيَّةُ الأَكَادِيمِيَّةُ المُجرَّدَةُ لِقِيَادَةِ مَرحَلَةٍ انتِقَالِيَّةٍ بِهَذِهِ التَّعقِيدَاتِ؟
الإِجَابَةُ، بِكُلِّ وُضُوحٍ: لَا.

إِنَّ مَعَايِيرَ النَّجَاحِ لِأَيِّ رَئِيسِ وَزَرَاءَ انتِقَالِيٍّ تَتَمَثَّلُ فِي الشَّرعِيَّةِ السِّيَاسِيَّةِ وَالشَّعبِيَّةِ، حَيثُ لَا يَحظَى كَامِل إِدرِيس بِأَيِّ دَعمٍ شَعبِيٍّ يُذكَرُ، وَلَا يَمتَلِكُ قَاعِدَةً سِيَاسِيَّةً حَقِيقِيَّةً دَاخِلَ السُّودَانِ. إِنَّمَا يَستَنِدُ إِلَى وثيقة غير شرعية مزقها البرهان مرة وعدلها مرات لكنها تظل غير شرعية لغياب أحد اطرافها. فلم يتبق لرئيس الوزراء دَعمٍ مِن بَعضِ مَرَاكِزِ القُوَى العَسكَرِيَّةِ، وَجَمَاعَةِ الإِخوَانِ المُسلِمِين المُعزُولَةِ، إِضَافَةً إِلَى إِعلَامِيِّي النِّظَامِ السَّابِقِ وَمَجمُوعَاتِ “البِلَابْسَة” الَّتِي تَفتَقِرُ لِأَيِّ قُبُولٍ جَمَاهِيرِيٍّ. فِي المُقَابِلِ، أَعلَنَت قُوَى الثَّورَةِ وَالمُجتَمَعِ المَدَنِيِّ، وَعَلَى رَأسِهَا لِجَانِ المُقَاوَمَةِ، رَفضَهَا القَاطِعَ لِتَرشِيحِهِ. وَتَتَطَلَّبُ القُدرَةُ عَلَى إِدَارَةِ التَّوَازُنَاتِ المُعَقَّدَةِ، وَالسُّودَانُ يُعَانِي مِن حَالَةِ تَفَكُّكٍ سِيَاسِيٍّ وَاجتِمَاعِيٍّ غَيرِ مَسبُوقَةٍ: قُوَى مَدَنِيَّةٌ مُفَكَّكَةٌ، مِيلِيشِيَاتٌ تَسِيْطِرُ عَلَى الأَرضِ، وَجَيشٌ مُنقَسِمٌ. إِدرِيس لَم يَسبِق لَهُ أَن لَعِبَ دَورًا فِي إِدَارَةِ الأَزمَاتِ أَوِ التَّفَاوُضِ أَوِ التَّعَامُلِ مَعَ الصِّرَاعَاتِ الدَّاخِلِيَّةِ. وَمَعَ اندِلَاعِ الحَربِ العَبثيَّةِ الحَالِيَّةِ الَّتِي تُمَزِّقُ البِلَادَ، فَإِنَّ افتِقَادَهُ لِأَيِّ تَجرِبَةٍ سِيَاسِيَّةٍ عَملِيَّةٍ يُضْعِفُ فُرَصَ نَجَاحِهِ تَمَامًا. وَمِن مَطلُوبَاتِهَا الاِستِقلَالُ عَنِ المُؤَسَّسَةِ العَسكَرِيَّةِ، إِذ يُعَدُّ ذَلِكَ أَحَدَ أَهمِّ شُرُوطِ النَّجَاحِ فِي رِئَاسَةِ الوُزَرَاءِ الانتِقَالِيَّةِ هُوَ الاِستِقلَالُ الوَاضِحُ عَنِ القُوَّاتِ المُسَلَّحَةِ. لَكِن إِدرِيس جَاءَ تَرشِيحُهُ بِدَعمٍ مُبَاشِرٍ مِنَ الجَيشِ وَمَن يُوَالُونَهُ، وَلَم يُبدِ أَيَّ مَوقِفٍ صَرِيحٍ تُجَاهَ تَصنِيفِ المِيلِيشِيَاتِ أَوِ الاِنتِمَاءِ لِلمَدَنِيِّينَ، مَا يُعَزِّزُ الشُّكُوكَ حَولَ حِيَادِهِ وَاستِقلَالِهِ. كَمَا أَنَّ المَوقِفَ مِنَ العَدَالَةِ الانتِقَالِيَّةِ فَرضٌ وَاجِبٌ، إِذ إِنَّ العَدَالَةَ الانتِقَالِيَّةَ، وَمُحَاسَبَةَ مُرتَكِبِي الجَرَائِمِ بَعدَ الثَّورَةِ، وَعَلَى رَأسِهَا جَرِيمَةُ فَضِّ اعتِصَامِ القِيَادَةِ العَامَّةِ، تُعَدُّ خُطُوطًا حَمرَاءَ لَدَى الثُّوَّارِ. غَيرَ أَنَّ كَامِل إِدرِيس لَم يُفصِح عَن مَوقِفٍ دَاعِمٍ لِهَذِهِ القَضَايَا، بَل يُنظَرُ إِلَيهِ كَمُحَامٍ غَيرِ مُعلَنٍ عَنِ العَسكَرِ وَالإِسلَامِيِّينَ، مَا يُجَرِّدُهُ مِن أَيِّ مَشرُوعِيَّةٍ أَخلَاقِيَّةٍ.

إِنَّ هُنَالِكَ تَحَدِّيَاتٍ مَوضُوعِيَّةً تَنتَظِرُ كَامِل، أَبرَزُهَا اِنْهِيَارٌ أَمنِيٌّ شَامِلٌ وَغِيَابُ مُؤَسَّسَاتِ دَولَةٍ فَاعِلَةٍ. وَاقتِصَادٌ مُنهَارٌ بِالكَامِلِ. وَرَفضٌ شَعبِيٌّ وَاسِعٌ لِتَرشِيحِ “دُمِيَّةٍ سِيَاسِيَّةٍ”. وَبِدَايَةُ عُقُوبَاتٍ أَمرِيكِيَّةٍ. إِضَافَةً إِلَى تَصَاعُدِ العُزلَةِ الدُّوَلِيَّةِ ضِدَّ التَّحَالُفِ العَسكَرِيِّ-الإِسلَامِيِّ الَّذِي يَعوِّلُ عَلَيهِ إِدرِيس.

فِي ظِلِّ هَذِهِ المُعطَيَاتِ، تَبدُو مُهِمَّةُ أَيِّ رَئِيسِ وُزَرَاءَ – حَتَّى وَإِن كَانَ يَتَمَتَّعُ بِالكَفَاءَةِ – شِبهَ مُستَحِيلَةٍ. فَكَيفَ بِمَن يَفتَقِرُ لِلشَّرعِيَّةِ، وَالدَّعمِ الشَّعبِيِّ، وَالخِبرَةِ السِّيَاسِيَّةِ، وَالرُّؤيَةِ الوَاضِحَةِ؟

كَامِل إِدرِيس لَا يَملِكُ رَصِيدًا شَعبِيًّا أَو سِيَاسِيًّا يُعتَدُّ بِهِ، وَلَا مَوقِفًا وَاضِحًا مِنَ القَضَايَا المَحْوَرِيَّةِ، كَالعَلَاقَةِ مَعَ المُؤَسَّسَةِ العَسكَرِيَّةِ، وَالعَدَالَةِ الانتِقَالِيَّةِ، وَإِعَادَةِ هَيكَلَةِ الدَّولَةِ.
وَرَغمَ امتِلَاكِهِ لِمَهَارَاتٍ خِطَابِيَّةٍ، فَإِنَّ افتِقَادَهُ لِخُطَّةِ إِصْلَاحٍ حَقِيقِيَّةٍ، وَارْتِبَاطَهُ الصَّرِيحَ بِمَرَاكِزِ القُوَى العَسكَرِيَّةِ وَالإِسلَامِيَّةِ، يَجعَلُهُ مُرَشَّحًا مَرفُوضًا مِن قِبَلِ الشَّارِعِ السُّودَانِيِّ.
فَشَلُهُ سَيَكُونُ شِبهَ مُؤَكَّدٍ، وَسَيُعِيدُ إِنتَاجَ نَمُوذَجِ البُرهَانِ وَ”الكِيزَانِ” بَعدَ إِنقِلَابِ ٢٥ أُكتُوبَر ٢٠٢١، وَرُبَّمَا فِي ظُرُوفٍ أَشَدِّ دَمَوِيَّةً وَتَعقِيدًا.

[email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..