مقالات وآراء

حول قرار رسوم النيابة العامة

طارق وداعة

أشتعل الجدل بكتابات قانونية، صحفية وشعبية تباينت فيها الآراء حول قرار معني بفرض رسوم باهظة على الكثير من أعمال وإجراءات النيابة العامة؛ القرار المصدر بتوصية النائب العام أو رئيس النيابة العامة للشؤون المالية والإدارية – حسب مصادر – وموافق عليه من قبل وكيل وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي.

وصف البعض القرار بأنه يمس صميم حقوق المواطنين المتقاضين بالإجراءات اليومية التي تُمارس في إطار التحقيق والعدالة الجنائية، وذهبت معظم الكتابات لحجج مغلوطة بعدم صحة ودستورية القرار للمطالبة بإلغاءه وتأكيد عدم تسليع العدالة.

في سبيل مقابلة ذلك القرار القاضي بهذه الرسوم يجب التعرض لكيفية صدوره ومدى إلتزام مصدريه الإجراء السليم وسلطتهم بالموضوع والوقوف على القانون وصولا لإستنباط الدفوع الناجعة لإبطاله.

لا شك في أن القرار إداري صادر عن سلطة عامة، والمعلوم أنه قابلا للطعن عليه في القانون السوداني بتوافر شروط منها؛ أن يكون القرار غير مشروع لأنه غير متوافق مع أحكام القانون وغير مبني على أساس قانوني صحيح، أو صادر عن جهة ليست ذات صفة وإختصاص، وأن يكون له تأثير مباشر على حقوق أو مصالح صاحب الشأن.

يتم الطعن على القرار الإداري عن طريق رفع دعوى إلغاء أمام القضاء الإداري ، يسبقها تقديم تظلم إداري إلى الجهة التي أصدرت القرار، وذلك قبل اللجوء إلى القضاء بقيود زمنية معينة يحددها القانون حسب نوع القرار والجهة التي أصدرته وهو أمر خارج الإختصاص الدستوري بنظر بالقرار الذي يختص فيه القضاء الإداري، بينما تختص الدوائر الدستورية بنظر القوانين لا القرارات.

الجدير ذكره أيضا أن القرار موضع الجدل بالجدول المنشور حديثا، والنافذ وجاري العمل به الآن لم يفرض رسوما على فتح الدعوى الجنائية ومباشرة إجراءاتها في التحقيق وما إليه حتى وصولها للمحاكمة.

فغير المعقول والمنطقي أن تقوم جهة حكومية بدفع رسوم لمباشرة سلطة الدولة في إنفاذ القانون بما يجعل باب الشك مشرعا بأن الرسوم تتعلق بإجراءات خارجة عن القرض الأساسي لإنفاذ القانون نموذج استعجال وما شابه.

تتوافر العديد من الخروقات التي من شأنها إبطال القرار إياه بالطعن لدى القضاء الإداري وفق ما ذكر عاليه من إعتبار وظروف اصدار ولكن سنقف عند السؤال بهل القرار مصدر من غير ذي إختصاص كما ذهب الكثيرين في مدوناتهم من أنه وزارة المالية ليست ذات صفة و ولاية على النيابة العامة وهي شخصية ذات استقلالية عن السلطة التنفيذية.

الواضح أنهم إستندوا في ذلك على المادة الثالثة بالفصل الثاني لقانون النيابة للعامة لسنة 2015 بفقرتها الثانية التى تنص على (تكون النيابة العامة مستقلة في أداء وظائفها وممارسة سلطاتها ولا سلطان عليها في ذلك لغير القانون).

يكون الرد بتكذيب ذلك الإدعاء بتأكيد التبعية للسلطة التنفيذية و ولاية وزارة المالية على النيابة العامة بما هو مشروع عبر إختصاصها بالأموال العامة والموازنات وما إليه، وعبر ما هو موضع خلاف بالمشروعية وأجازه نفس القانون سابق الذكر بمنحها الحق بالمادة 50 الفقرة الثانية إذ تنص المادة على ( تتكون الموارد المالية للنيابة العامة من :ــ ) أ( ما تخصصه لها الدولة من اعتمادات ماليه)، )ب( الرسوم التي يحددها المجلس بموافقة وزير الماليه والتخطيط الاقتصادي ). هنا يتضح أن وزارة المالية لها سلطة الموافقة على ما يحدده المجلس من رسوم .

عليه أرى أن القرار لاحق للقانون الذي ترك السلطة لفرض رسوم بتلك الالية دونما حتى تحديد لماهية الرسوم ذاتها بوجه دقيق ومعلوم، فقد تجد أن هنالك إجراءات لا ضير في إشتراطها بالرسوم كالمتعلق بالمطالبة المدنية كما ذهب لذلك الفقه والتشريع البريطاني سابقا بعهد الاستعمار البريطاني، والرسوم المتعلقة بمسائل خدمية أيضا تقدمها النيابة ولا تدخل ضمن المطالبة الجنائية نموذج شهادة الفقد والصحيفة الجنائية (الفيش) على سبيل المثال.

الجدير ذكره أيضا أن القرار بالجدول المنشور حديثا موضع النقاش والجاري العمل به الآن، لم يفرض رسوما على فتح الدعوى الجنائية ومباشرة إجراءاتها في التحقيق وما إليه وحتى وصولها للمحاكمة ولا أعتقد أن الجهات الحكومية المعنية ستقوم بدفع الرسوم لمباشرة سلطة الدولة في إنفاذ القانون، بما يفتح باب الشك بأن الرسوم تتعلق بإجراءات خارجة عن القرض الأساسي بإنفاذ القانون نموذج استعجال وما إليه .

بالرجوع للمجلس المذكور صاحب سلطة فرض الرسوم الموافق عليها من وزارة المالية فهو المجلس المنشأ بموجب نفس القانون – قانون النيابة العامة لسنة 2015 – بفصله الثالث المادة 14 بالنص: (ينشأ مجلس يسمى ” المجلس األعلى للنيابة العامة ” ، يتكون من :ـ أ/النائب العام رئيساً ب/ نائب رئيس القضاء عضوا ًج/وكيل وزارة العدل عضوا ً د/المدعي العام عضوا ًهـ/وكيل وزارة المالية والتخطيط االقتصادي عضوا ً و/مدير عام الشرطة عضوا ًز/رئيس لجنة التشريع والعدل بالمجلس الوطني عضوا ح/ مساعدي النائب العام أعضاء ً ط/نقيب المحامين عضوا).

نجد أن هذا المجلس محشوا تماما بالسلطة التفيذية ممثلة في وكيل وزارة العدل،مدير عام قوات الشرطة و وكيل وزارة المالية الذي سيشارك في اصدار القرار مع المجلس ويوافق عليه بوزارة المالية.

لكن درج الكثيرون على تقليل وإغفال كل ذلك التلاعب والتخبط بتسميته تداخل الممارسة والتداخل العملى وما إلى ذلك في تعنت ومحاباة للسلطة.

المؤسف ذكره أن لهذا المجلس المذكور إختصاصات تتعدى الشأن المالي وتعصف أمر إستقلالية النيابة العامة تماما، نظمت هذه الإختصاصات المادة 15 من نفس القانون بالنص: (أ/إجازة السياسة العامة للنيابة العامة، ب/إجازة موازنة النيابة العامة، ج/التوصية لرئيس الجمهورية بتعيين النائب العام، د/التوصية لرئيس الجمهورية بتعيين وكلاء النيابة، هـ/التوصية لرئيس الجمهورية لتأييد قرار فصل وكلاء النيابة وفقاً ألحكام القانون، و/التوصية بترقية وكلاء النيابة وفقاً ألحكام القانون، ز/إجازة الهيكل الوظيفي للعاملين ح/اصدار اللوائح الداخلية اللازمة لتنظيم أعماله ).

اضف لذلك التداخل الممارس بين النيابة العامة وقوات الشرطة كجهاز تنفيذي توكل له مهام الادعاء في الحق العام وفق التفويض بنقل المهام قانونا بمباشرة الإدعاء في محاكمات كثيرا ما يتم فيها شطب الدعوى والارجاع بعد تقديمها من أفراد الشرطة أمام المحاكم لعيوب واخطاء إجرائية وموضوعية سبب القصور الفني. مسببة بذلك إضاعة للحقوق العامة والخاصة لا تسلم من شبهة الفساد والاستغلال للسلطة وفي غياب تام للنيابة. فالمؤكد حتما تضرر العدالة من ذلك، وهو تداخل سافر أيضا في رأيي.

الكارثي أنه وخلال التقصي والتتبع المباشر للمجلس المختص إتضح بأن المجلس غير منعقد من الأساس وإنما تمت مباشرة سلطته من قبل جهات أو بعض مكوناته منفردة بإتخاذ القرارات ممثلة في النائب العام أو رئيس النيابة للشؤون الإدارية والمالية، وغير مستبعد وجود تدخل آخر خفي بظل هذا الراهن الفوضوي.

فعليه يستحيل إطلاق تصريحات تجزم بأن النيابة العامة ذات استقلالية وإنكار ولاية وزارة المالية عليها وتداخلها مع السلطة التنفيذية بصورة مطلقة، كما يعاب التشريع الذي أنتج كل هذه الثغرات والتناقضات.

بما سبق ذكره يتضح أن القرار الجائر والقانون المسند إليه ليسا إلا محصلات ونتائج لأخطاء وتجاوزات سابقة متراكمة؛ بقوانين تنظم المسائل العدلية وهي سارية ومعمول بها دونما مشروعية وتوافق مع المعاهدات والأعراف والمبادئ القانونية حتى.

فالواجب علينا مقاومتها،دحضها والدفع بها للإصلاح والمراجعة في مسار سليم للإصلاح التشريعي وعدم الاستعجال بإثارة هذه المسائل المطلوب فيها الاجتهاد والبحث الحقيقي تجنبا للتغبيش وقفل المجال أمام التظلم الكسول والهتاف شاكلة الرقم الوطني واجب المجانية حقا في المواطنه والسلام .

[email protected]

‫3 تعليقات

  1. وإضافة لما قلته تبرز تساؤلات جوهرية:
    هل يجوز قانونا تحميل المواطنين كلفة الوصول إلى العدالة؟ وهل العدالة أصبحت سلعة تُشترى وتُباع؟

    في السياق القانوني السوداني، فإن الدستور يقر بحق التقاضي والمساواة أمام القانون دون تمييز. والبلاغات الجنائية، خاصة تلك المتعلقة بجرائم تمس الأمن والنفس والمال، تُعد من صميم وظيفة الدولة، وليست خدمة اختيارية يدفع المواطن مقابلها. وعليه، فإن فرض رسوم على من يسعى للعدالة، ولو قُدر أن بلاغه يُحفظ لاحقا، يُعتبر انتقاصا من هذا الحق الجوهري.
    أما من منظور المقارنة القانونية، فإن معظم دول العالم لا تفرض رسومًا على فتح البلاغات الجنائية. النيابة العامة تتحرك تلقائيا بمجرد العلم بالجريمة، ويعتبر التقاضي الجنائي مجانيا بالكامل. بل إن العديد من الأنظمة توفر محامين “مجانا” لغير القادرين، إيمانا بأن العدالة الجنائية ليست خدمة، بل وظيفة سيادية لحماية المجتمع وضمان الأمن وسيادة القانون.
    في هذا السياق، فإن فرض رسوم على بلاغات المواطنين في السودان لا يُعد إجراءاً منطقيا ولا مقبولًا، لا من حيث القانون، ولا من حيث المقارنة، ولا من حيث الأخلاق العامة. خصوصًا في ظل الأوضاع الاقتصادية المتدهورة وانهيار الخدمات، فإن تحميل الضحية تكلفة طلب العدالة لا يُنتج إلا مزيدا من الإحباط وفقدان الثقة في الدولة والقضاء.
    العدالة ليست مشروعا ربحيا، ولا يُفترض أن تكون وسيلة للجباية. بل هي أساس العقد الاجتماعي بين المواطن والدولة، وضمانتها الأولى ضد الانفلات والفوضى. وكل مساس بها، تحت أي ذريعة، هو تمهيد لانهيار ما تبقى من هيبة القانون.

  2. معليش معليش ماعندنا ديش … معليش ماعليش ماعندنا قضاء ولا عندنا من ينوب عنا .!!!!!
    الله يلعن الكيزان اولاد وبنات زني النكاح محل ماحلو في الدنيا والآخره .!!!

  3. راجعوا كل تعليقاتي وقت الثورة وقبل الثورة وانا تمنيت لو لجنة ازالة التمكين تركت كل شيء واشتغلت في وزارة الداخلية وهي وزارة مدنية تتبع لمجلس الوزراء مباشر افراد الشرطة وضباط نسبة 75 % غير صالحين للعمل وكلاء النيابة قمة الانحطاط والسفالة القضاء اس الفساد وقبل الثورة نسمع القانونيين جمعوا معلومات وانا قرات يوجد مئات الملفات بالاسامي وكل حيثيات الجرم بعد الثورة اين ذهبوا تبخرت وين ملفاتهم مصيبة السودان في وزارة الداخلية بكل تخصصاتها هؤلاء يضربون يقتلون يسرقون يظلمون حكومة حمدوك عن جهل عن قصد وعمد ذهبت تحارب في الجيش بالالفاظ وهذا مما يؤكد بان هنالك تواطؤا لتغيير بواسطة الامارات وضح بعد مرور والزيارات المتكررة لابوظبي هل مفكري حاضنة الدعم اتت من فراغ ولا عمل معد بالاساس ومرتب .. حمدوك وجد قبول شعبي لا نظير له لان الثورة كانت ثورة صادقة لكن لم يعمل بقومية ولا بفهم قومي اختار حاضنته الاجتماعية وفي احدى خطاباته ذكر لديه تواصل معهم في عدة دول

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..