الشعر

قراءة في قصيدة بعنوان الوطن للشاعر علي السماني ابو الحسن

ظِلَال القمــــــر

عبدالرحمن محمـــد فضــل

 

القصيدة التي نحن بصددها هي بعنوان “الوطن” كلمات الاستاذ الشاعر علي السماني ابو الحسن وقبل طرح القصيدة استهل المقال بنبذة مختصرة عن شاعر القصيدة فهو استاذ جامعي وله عدة كتب في العقيدة والفقه الاسلامي وهو مفكر واديب وشاعر ورسام وخطاط وهو رئيس جمعية الخطاطين السودانيين ومهتم ونشط في مجال الدعوة وقام بالتدريس في عدد من الجامعات داخل وخارج السودان وله مؤلفات وديوان شعري ولنفتتح هذا المقال بكلمات القصيدة التي يقول فيها الشاعر علي السماني ابو الحسن

نكذب حين نقول :

يتوطن فينا الوطن

إذن خبروني لماذا ..

يلعن بعضنا بعضا

ويحسد بعضنا بعضا

ويشتم بعضنا بعضا

ويصفع بعضنا بعضا

ويسرق بعضنا بعضا

ويقتل بعضنا بعضا

       * * *

يأكل أحدنا لحم اخيه

ويخطف اللقمة من فيه

ويعصى أمر أمه وأبيه

وعلى هذا العار

يشرب نخب الانتصار

       * * *

 نبصق في وجوه أمهاتنا

ليل نهار

ونجلب لآبائنا دنس العار

ومنهم نضجر من لحظة حوار

حتى إذا غاب ضوء النهار

نشرب نخب الانتصار

         * * *

نأكل أموال الضعفاء اليتامى

 والورثة المساكين العدامى

وأطفال الشوارع المشردين

وذوي العاهات المحرومين

ونجمع الألوف والميئين

فقد أصابنا الشبق والسعار

أيضا .. و في وضح النهار

نشرب نخب الانتصار

 

          * * *

نمدح ونرقص ثم ندعي

أننا أكثر شعب يحب النبي

ونحن شعب لا يشبه النبي

 ضرب من الشقاق والنفاق

وسوء الأدب وبؤس الأخلاق

يغشك البائع في ربطة جرجير

وست الشاي في شروى نقير

و يسرق الوزير

ويرتشي المدير

ويكذب الخفير

ويخدعك المقاول والأجير

ثم يدعوك المرء إلى داره

وما داره ؟

داره حيث ضيق على جاره

 أن يغرس خشبة في جداره

فيكرمك بما سرق ، من عرق

       * * *

ياصديقي ..

هذا التزييف الغبي

 أمر لا يحبه النبي

ويا أيها الكريم التقي

 بل ياأيها الدعي الشقي

قل لي متى وكيف ترتوي

ومتى تتوب يوما وترعوي ؟

      * * *

لقد تناولت القصيدة الموضوع بأسلوب أدبي فيه تقريع شديد اللهجة للمجتمع وفي هذا المقال سوف احاول ان اقدمها بشكل تحليلي يمهد للقصيدة ويبرز أهميتها وما حملته من معاني ورموز، فحين يتجلى الوطن في مرآة الضمير في قصيدة “الوطن” لعلي السماني أبو الحسن، في زمن تتكسر فيه المفردات على صخور الواقع، وتغدو الوطنية شعارًا يُرفع أكثر مما يُمارس، تأتي قصيدة “الوطن” للشاعر والمفكر الأستاذ علي السماني أبو الحسن كصفعة واعية على وجه الزيف الجماعي، وكأنها مرآة صافية عُلّقت على جدار الضمير لتجبرنا على مواجهة أنفسنا دون أقنعة، وتقول لنا ليس “الوطن” قصيدة عاطفية تُغنّى في الاحتفالات، ولا نشيدًا يُتلى على المنابر الرسمية، فإن هذه القصيده هي نداء فاضح لكل مواطن ادّعى حب الوطن بينما خان أبسط معانيه في سلوكه اليومي وقد صاغها بلغة حادة، صادمة، وأحيانًا جارحة لكنها صادقة حيث يقف الشاعر في مواجهة جريئة مع مظاهر الانهيار الأخلاقي والاجتماعي، ليقول بوضوح نحن نكذب حين نقول إن الوطن يسكننا، بينما نسرق ونشتم ونكذب ونغدر ببعضنا البعض القصيدة ليست مجرد تقريع أو خطاب عتاب، بل هي عمل فكري وشعري مركّب، يُلامس التناقض بين ادّعاء الفضيلة وممارسة الرذيلة، بين تمجيد النبي في الادعاء الاجوف و الخطب ، وتجسيد كل ما لا يشبهه في الحياة هي دعوة للتوبة، لا من ذنب فردي، بل من حالة جماعية من الانفصال عن القيم التي ندّعيها في قصيدة “الوطن”، لا يقدّم علي السماني الوطن كأرض وحدود، بل كمسؤولية أخلاقية وإنسانية عميقة، تبدأ من احترام الأم والأب، ولا تنتهي عند نزاهة الوزير والبائع والمقاول والعامل إنها قصيدة تُحرّضنا لا على حب الوطن بالكلام، بل على الانتماء إليه بالفعل، وتُحاكمنا أمام مرآة لا تعرف المجاملة، هذه القصيدة ليست مجرد نص أدبي إنها وثيقة اتهام، وجرس إنذار، وربما فرصة أخيرة لنراجع علاقتنا الحقيقية بما نسميه “وطنًا”، واذا حاولنا النظر والقراءة من ناحية أدبية وفكرية في قصيدة “الوطن” لعلي السماني أبو الحسن .

فنجد القصيدة بين الشعر والخطاب الفكري فإن قصيدة “الوطن” لا تكتفي بلعب دور النص الأدبي، بل تتعداه لتصبح خطابًا فكريًا ناقدًا، ينطلق من قلب الأزمة الأخلاقية والاجتماعية التي يعيشها المجتمع النص يمزج بين الشعر الحر واللغة القريبة من النثر، ليؤسس لمساحة تعبيرية واسعة تسمح بالتصريح دون تعقيد، وبالنفاذ دون تزييف كما نجد مايمكنني ان اطلق عليه ” الصدق الصادم” لان القصيدة تتسلح بـ”الصدق الصادم” كأداة فنية ووجدانية، الشاعر لا يداهن ولا يزين الواقع، بل يكشفه كما هو، بلغة قاسية لكنها ضرورية، كما في قوله:

“نكذب حين نقول : يتوطن فينا الوطن

إذن خبروني لماذا .. يلعن بعضنا بعضا … ويقتل بعضنا بعضا”

حيث، يستدعي هنا الشاعر المتلقي إلى محاكمة الذات الجمعية لا الفردية، ويطرح سؤالًا جوهريًا هل من حقنا ادعاء الوطنية ونحن نمتهن أخلاقياتها يوميًا؟ وكذلك يشير الشاعرال تناقض السلوك مع الادعاء الكاذب للمثل والقيم، ومن أبرز ثمات القصيدة هو التناقض بين ظاهر الخطاب وباطن السلوك:

“نمدح ونرقص ثم ندّعي أننا أكثر شعب يحب النبي

ونحن شعب لا يشبه النبي”

هذا المقطع يكشف عن عمق أزمة القيم، حيث يُرفع اسم النبي تكريمًا، بينما تُداس قيمه بأفعالنا، المفارقة هنا ليست ساخرة فقط، بل تحمل طابعًا تراجيديًا مريرًا، وايضا توظيف الرموز اليومية لفضح الخلل الشاعر

علي السماني لا يتحدث بلغة نظرية، بل يستخدم صورًا واقعية محسوسة: مثل قوله

“غشك البائع في ربطة جرجير

وست الشاي في شروى نقير

ويسرق الوزير ويرتشي المدير” فإن

هذه الأمثلة تُقرّب القصيدة من حياة القارئ اليومية، وتجعله يدرك أن خراب الوطن لا يبدأ من قمة الهرم فقط، بل من تفاصيل الحياة العادية التي نقبل بها أو نمارسها، وكذلك نلمس في القصيدة البنية التكرارية وتراكم الاتهام حيث اعتمد الشاعر على التكرار بشكل مقصود (“نشرب نخب الانتصار”)، ليخلق شعورًا بالتكرار السلوكي السلبي، والاحتفاء الكاذب بالخراب، هذا التكرار يكشف عن خلل في الوعي الجمعي، حيث نمارس الخطأ ثم نحتفل بانتصارات وهمية، وكذلك لفت نظري في هذه القصيدة البعد الدعوي والتساؤل الختامي حيث انتهت القصيدة بنداء يشبه الدعاء أو المحاسبة.

[email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..