أخبار السودان

حين تجف قنوات الحياة… مزارعو الجزيرة بين الحرب والجوع!

موسم الفقد.. مشروع الجزيرة يئن

 

ألقت الحرب في السودان بظلالها السالبة على مشروع الجزيرة، الذي يُعد أكبر مساحة زراعية مروية في البلاد، مما أدى إلى ارتدادات اقتصادية خطيرة أثرت سلبًا على الإنتاج والاقتصاد القومي.

وتشير التقديرات إلى أن نحو 80% من القوة العاملة في السودان تنشط في قطاعي الزراعة والرعي، اللذين يسهمان بنسبة 32.7% من الناتج المحلي الإجمالي.

وخلال الموسم الصيفي الحالي، من المتوقع أن تخرج آلاف الأفدنة من دائرة الإنتاج في مشروع الجزيرة، نتيجة لعدم تحضير الأراضي وعدم تنظيف قنوات الري.

وصرّح وزير الزراعة والغابات، أبو بكر عمر البشرى، أن عمليات حصر الخسائر في المشروع ما تزال مستمرة نظرًا لضخامتها. وأوضح، في تصريحات إعلامية تابعتها “أفق جديد”، أن 55% من مساحة المشروع خرجت عن دائرة الإنتاج خلال الموسم الزراعي السابق بسبب احتلال قوات الدعم السريع للمنطقة.

ووفقًا للخبير الاقتصادي هيثم محمد فتحي، فإن الاقتصاد السوداني يعتمد بنسبة 46% على قطاع الخدمات، و33% على القطاع الزراعي، و21% على القطاع الصناعي.

وقال فتحي لـ”أفق جديد”: “القطاع الزراعي، الذي يعمل فيه 80% من القوى العاملة، تعرض لتدمير يقدر بنحو 65%، وقد نزح المزارعون، وتعطلت سلاسل الإمداد، وتراجعت المدخلات من الوقود والبذور والأسمدة، ما أدى إلى فقدان البلاد موسمين زراعيين، فيما يواجه الموسم المقبل تحديات كبيرة”.

وأضاف: “خرجت ولايات ومناطق شاسعة من دائرة الاقتصاد والإنتاج، خاصة تلك التي تضم موارد إستراتيجية كالبترول، وصادرات الماشية، واللحوم، والفول السوداني، والصمغ العربي، والذهب، وكانت هذه المنتجات تدر دخلًا كبيرًا تعتمد عليه الدولة”.

يقول المزارع عبد الباسط يوسف (مكتب 66 الهشابة) إن قنوات الري مغطاة بالحشائش والطمي بسبب الإهمال الطويل، مما يهدد بفشل الموسم الصيفي.

وأوضح لـ”أفق جديد” أن المزارعين لا يستطيعون تنظيف قنوات الري الكبيرة والصغيرة بسبب نقص المال، مضيفًا: “رغم غلاء الوقود، يمكننا تحضير أراضينا، لكن تنظيف قنوات الري الكبيرة مسؤولية الحكومة”.

من جانبه، أشار المزارع عبد الفتاح التهامي (مكتب معتوق) إلى أن الحرب أثرت سلبًا على المشروع، مؤكدًا أن الوضع متدهور ويحتاج إلى تدخل حكومي عاجل لإنقاذ الموسم الزراعي.

أما المزارع عبد الكريم يوسف (مكتب النصيح – امتداد المناقل) فقال إن الحرب أثرت بعمق على القطاع الزراعي.

  وأضاف في حديثه لـ”أفق جديد” أن “مليشيا الدعم السريع” اعتدت على المدخلات الزراعية في مخازن المشاريع، من تقاوى ووقود وأسمدة ومبيدات، كما نهبت الآليات الزراعية والجرارات من المزارعين.

وذكر محافظ مشروع الجزيرة، إبراهيم مصطفى، أن المشروع يواجه مشكلات حادة في الري بسبب الحشائش والطمي.

 وقال في تصريحات إعلامية تابعتها “أفق جديد” إن قنوات الري تحتاج إلى صيانة عاجلة، مؤكدًا أن إدارة المشروع تعمل بالتنسيق مع وزارة الري لتوفير الإمكانيات اللازمة لإصلاح منظومة الري.

وقدرت وزارة الزراعة والغابات السودانية خسائر القطاع الزراعي خلال عامي الحرب، التي اندلعت في أبريل 2023، بأكثر من 10 مليارات دولار، مشيرة إلى النهب والتدمير الواسع للأصول والبُنى التحتية الزراعية ومحطات البحوث.

وأوردت الوزارة في تقرير مفصل أن الحرب أدت إلى تدمير ونهب المعدات الميكانيكية والحركية، وتخريب كامل لمحطات البحوث الزراعية الحيوية.

 وأشارت إلى أن المساحات المزروعة هذا العام ارتفعت إلى 40 مليون فدان، وهو ما يقلل من احتمالات المجاعة، بحسب تقارير دولية، لكنها لم تتطرق إلى التحديات التي واجهها المزارعون هذا الموسم.

وكان السودان قد علق عضويته في نظام المرصد العالمي للجوع قبل صدور تقرير أشار إلى تفشي المجاعة في البلاد، حيث رصد خمس مناطق جديدة في دارفور وجنوب كردفان، إلى جانب 17 منطقة أخرى مهددة، بما فيها مناطق في الجزيرة والخرطوم.

وكشف التقرير عن تدمير وحدة الموارد الوراثية التابعة لهيئة البحوث بمدني، التي تضم بنك الجينات الرئيسي الذي يحتوي على أكثر من 17 ألف مورد وراثي، إضافة إلى المعامل البحثية، كما شمل التدمير القطاعين الغابي والبستاني، والبُنى التحتية مثل المخازن والصوامع والمصانع.

وأشار التقرير إلى نهب معظم الآليات الزراعية ونقلها إلى دول الجوار، وفقدان المنتجين في مناطق الحرب لمحاصيلهم ومعداتهم الزراعية بالكامل، مما أدى إلى ارتفاع نسبة الفقر في تلك المناطق التي يعتمد معظم سكانها على الزراعة والرعي.

وأكد التقرير أن القطاع الزراعي فقد مقوماته الأساسية لدعم الاقتصاد السوداني، وقدرت قيمة الخسائر الإجمالية بأكثر من 10 مليارات دولار. وشملت المشاريع المتضررة: مشروع الجزيرة، وهيئة السوكي الزراعية، وهيئة الرهد، ومؤسسة حلفا الزراعية.

وقال الخبير الاقتصادي هيثم فتحي إن السودان، حكومة وشعبًا، بحاجة إلى دعم مادي طارئ لتلبية جزء من الاحتياجات الأساسية المتزايدة، إضافة إلى تطوير القطاع الزراعي وتحفيز الإنتاج المحلي.

 وأضاف، أن الحرب مثّلت عبئًا هائلًا على الاقتصاد، حيث دمرت البنية التحتية، ورفعت معدلات البطالة، وفاقمت أزمة الأمن الغذائي.

وذكر أن الضرر الكبير الذي لحق بالقطاع الزراعي أثر على إنتاج المحاصيل الأساسية كـالذرة والقمح، والصادرات مثل الحبوب الزيتية، والقطن، والصمغ العربي، والثروة الحيوانية.

ولفت إلى أن الحرب دمرت الأراضي الزراعية في مناطق واسعة من الخرطوم وولايات دارفور وسنار والجزيرة وكردفان والنيلين الأزرق والأبيض، وأعاقت البنية التحتية للري في مشروع الجزيرة وغيره، فضلًا عن نزوح المزارعين من المناطق المتأثرة بالنزاع، مما أدى إلى انخفاض حاد في الإنتاج.

وختم فتحي بقوله إن “استعادة النمو الاقتصادي، وعودة القطاع الزراعي خاصة، تتطلب جهودًا كبيرة لإعادة الإعمار، وتعزيز الاستثمارات، ودعم المزارعين”.

لقد دمرت الحرب سبل عيش الملايين من السودانيين، وعلى رأسهم العاملون في الزراعة والرعي، مما أسهم في اتساع رقعة الفقر والمجاعة. وتتصاعد الدعوات الأممية والدولية لوقف الحرب، في محاولة لتفادي كارثة إنسانية بدأت فعليًا تحصد أرواح الأبرياء بسبب الجوع ونقص الغذاء.

 

أفق جديد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..