عروس الرمال بين لَهِيبَيْنِ… وزاد العيد تأكله الحرب

الزين عثمان
العيد هو “الزمان” الذي لا نضطر فيه للاختباء تحت “الأسِرَّة”، خوفًا من أن تنالنا قاذفات الموت.
هرمنا ونحن ننتظر أن نذهب إلى المساجد لأداء الصلوات ترافقنا الطمأنينة، هكذا يصف موسى عبد الله، المقيم بمدينة الأبيض، حاله في حديثه لـ”أفق جديد”، وكأنه يرسم مشهد الحياة في كامل المدينة الأكبر في إقليم كردفان، وعاصمة ولاية شمال كردفان.
في أول أيام عيد الأضحى، تعرضت الأبيض لقصف مدفعي من قبل قوات الدعم السريع، التي تحاصرها من ثلاث جهات. بعدها خرج والي الولاية، عبد الخالق عبد اللطيف، ليطمئن السكان، معلنًا وجود قوات كافية قادرة على حماية المدينة، مستبعدًا فرضية سقوطها بيد الدعم السريع.
وصف الحديث عن اجتياح المدينة بالشائعات، مؤكدًا أن الجيش الموجود فيها “يسد عين الشمس”، وطالب الأهالي بالبقاء في متاجرهم وأعمالهم دون قلق. لكن ما تقوله تصريحات الوالي تكذبه الوقائع على الأرض، فالقصف المدفعي لا يكاد يتوقف، ويخلف الضحايا بشكل يومي.
ولا يقتصر الاستهداف على الأرواح، بل تمتد نيران الحرب لتطال المنشآت المدنية، كما حدث مع مستشفى الضمان، أحد أكبر مستشفيات المدينة، مما دفع إدارته لمنح العاملين عطلة عن العمل، في مؤشر واضح على عجزه عن تقديم الخدمات، ما يشكل عبئًا إضافيًا على المدنيين المحاصرين.
وفي السياق ذاته، طالبت حكومة الولاية الاتحاد الدولي لكرة القدم “فيفا”، بإدانة استهداف قوات الدعم السريع لإستاد الأبيض، بطائرة مسيرة أثناء استضافة مباراة، في انتهاك واضح للقانون الدولي الإنساني، واستهداف متعمد للمنشآت المدنية، الأمر الذي حرم السكان حتى من ممارسة أنشطتهم الرياضية.
وبحسب بيان صادر عن القوات المسلحة، مساء الأربعاء الخامس من يونيو 2025، تسبب قصف مدفعي بالطائرات المسيّرة في مقتل خمسة مدنيين.
ومع تراجع الجيش، وخسارته لمناطق الدبيبات والخوي والحمادي في إقليم كردفان، عادت مدفعية الدعم السريع لتهديد مدينة الأبيض، في سياق تصاعد المواجهات بالإقليم، ووسط تحركات عسكرية تشمل “متحرك الصياد”.
غير أن الخطر الذي يؤرق آلاف المدنيين في الأبيض، لا يقتصر على القصف الخارجي، بل يتعمق مع تمدد الخوف من داخل المدينة نفسها، حيث تنتشر قوات غير منضبطة، تتبع لـ”القوات المشتركة”، وقد تحولت إلى مصدر للذعر من خلال عمليات نهب مسلح في الأحياء الطرفية، وسط شكاوى متزايدة من سيولة أمنية وتفلتات عسكرية.
الأبيض، التي اختارها الجيش كنقطة محورية لانفتاحه في كردفان ودارفور، تحتضن حاليًا أكثر من خمسة تشكيلات عسكرية، وفي الأيام الماضية، تداول ناشطون مقطع فيديو يوثق اقتحام مسلحين لصيدلية وسط المدينة، ما يعزز فرضية انهيار الأمن حتى في أكثر الأماكن حيوية.
يعود الناس إلى منازلهم باكرًا، فلا مكان لليالي الأُنس في مدينة استوطنتها الحرب وسكنها الخوف.
وبحسب الدكتورة أمل خليل، المديرة العامة لمستشفى الضمان، الذي خرج عن الخدمة بعد استهدافه، فإن الحادثة تفاقم من أزمة الرعاية الصحية.
وأضافت أن المستشفى لم يعد قادرًا على تقديم الخدمات، رغم دخول شحنات دواء في الفترة الماضية، إلا أن الفجوة لا تزال كبيرة، تُقدّر بنحو 70% من الحاجة الفعلية.
في هذه المدينة ذات الموقع الإستراتيجي، وجد آلاف المدنيين أنفسهم “ضحايا” لحرب لا يبدو أنها شارفت على النهاية، رغم التصريحات الرسمية من بورتسودان التي تبشر بانتهائها.
ولا يدرك مطلقو هذه التصريحات أن أهل الأبيض “عالقون” في الوجع، محاصرون بخوف من مدافع لا يعلمون من أين تأتي، ومن حملة بنادق في وسطهم لا يعرفون إن كانوا معهم أم ضدهم.
مئات الآلاف من سكان المدينة والوافدين إليها هربًا من مناطق أخرى، يعيشون أوضاعاً إنسانية بالغة التعقيد والخطورة.
تحمل أخبار القصف معها صور البيوت المنهارة على رؤوس ساكنيها، والمدافع تحصد الأرواح بلا تمييز “أطفال، شيوخ، ونساء”، وحركة النعوش نحو المدافن لا تتوقف.
يقول أحد سكان المدينة لـ”أفق جديد”: “نرغب أن نواصل حياتنا العادية، نذهب إلى الأسواق فنجد السلع متوفرة وفي متناول أيدينا، نريد لأطفالنا أن يذهبوا إلى مدارسهم دون أن يرافقنا الخوف من أنهم قد لا يعودون.
وأردف: “لا نرغب في أن يطرق أبوابنا من يحمل السلاح، نرغب في أن نمضي إلى المستشفيات فنجد فيها المباني والأطباء والعلاج”.
وتابع قائلًا: “نريد مغادرة هذا الخوف، ومعه مغادرة الظلام في مدينة بلا كهرباء، ولا مياه صالحة للشرب، يمكننا أن نصبر على كل هذا، فقط لو أخبرونا من أين يأتينا خطر الموت، لنتجنبه”
أفق جديد
الله يحفظ الابيض واهلها الميامين من شر ام كعوكات المجرمين اللصوص وكل سنة وكل اهلنا في الابيض بخير والف عافية