مقالات سياسية

لا تجعلوا الدعاء سلاحًا في يد الظالم؟

حسن عبد الرضي الشيخ

في كل صباح ومساء، تتصاعد أدعية بعضهم لا لنجدة المظلوم، بل لتثبيت آلة الحرب، وتمكين من أوغلوا في دماء الأبرياء، والدعاء بهلاك كل من ينادي بوقف القتال وحقن الدماء.
يفتتحون بالأية: (إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ)

ثم يمضون في دعائهم كمن يوزّع صكوك الجنة والنار، يصفون خصومهم بالعمالة والخيانة، فقط لأنهم لم يصفقوا للحرب، ولأنهم طالبوا بوقفها.
ويختتمون أدعيتهم بـ”إبادة جماعية لفظية” تطال كل من توهموه خصمًا للعسكر أو حليفًا لعدوهم – من قبائل، جماعات، أفراد، أو حتى دول – ثم يرددون خلف ذلك “آمين” وكأنما يرفعونها إلى السماء عن يقين لا يداخلهم فيه شك.

لكن، أين العدل في هذا الدعاء؟
وهل ينصر الله الظالم، ولو رفع راية الوطن، ونافق بآيات القرآن؟
هل صارت معايير الحق والباطل تُفصّل بحسب الولاء السياسي والانحياز العسكري، لا بمقياس العدل الإنساني والميزان الشرعي؟

من يلعن دعاة السلام، ويصفهم بأعداء الوطن، يخلط خلطًا شنيعًا بين الجلاد والضحية، بين من يسكب الدماء، ومن يصرخ مطالبًا بوقف السيل الأحمر.
أولئك الذين يُرمى بهم في خانة “العدو”، هم من نادوا – ولا يزالون – بـ: “العسكر للثكنات والجنجويد ينحل”

وهو شعار ليس فوضويًا، بل دعوة صريحة إلى عودة الدولة المدنية، دولة القانون والمؤسسات.
أما الشعار الشهير: “معليش، معليش.. ما عندنا جيش” فليس خيانة، بل صرخة وجع ممن خبروا الجيوش حين تحولت من درع للوطن إلى سوط على ظهره، ومن حامية للشعب إلى جلادة له.

والأدهى من ذلك، أن من يطلق هذه الأدعية يعلم علم اليقين – كما يعلم جوع بطنه – أن الخصمين اليوم وجهان لعملة واحدة، وأن من يدعو له بالنصر هو “الطرّة”، وأن “الكتابة” التي تحاربه خرجت من نفس الرحم، ورضعت من ذات الثدي.
فـ”الدعم” لم ينبت من العدم، بل خرج من رحم مؤسسة عمرها مئة عام، وصُنع بتوقيعها، وشُحِن بعقيدتها، ومارس القمع معها جنبًا إلى جنب لعقود.
وحين افترقت المصالح، انفرط العقد، فسال الدم.

فأي دعاء هذا يُستعمل لتلميع طرف دموي على حساب طرف دموي آخر؟
وهل الدعاء عبادة أم أداة تعبئة نفسية؟
هل يُستخدم التضرع إلى الله لتبرير الكراهية، وتجييش الأرواح في معارك سياسية مشبوهة؟

إن الله لا ينصر الظالمين.
قال تعالى: “إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ”
“وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ”

وقال النبي ﷺ: “اتق دعوة المظلوم، فإنها ليس بينها وبين الله حجاب”

والدعاء بنصرة الظالم – مهما لبس من عباءات الوطنية أو تزين بشعارات الدين – هو عدوان في الدعاء، والله تعالى يقول: “ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ”

والاعتداء في الدعاء ليس مجرد تجاوز في القول، بل أن تجعل من الدعاء وسيلة لتزيين الباطل، أو سلاحًا مسلطًا على المصلحين.

من أراد أن يُستجاب له، فليدعُ بصدق لوقف الحرب، لحماية المدنيين، لمحاسبة كل مجرم – أيًّا كان زيه أو ولاؤه – ولقيام دولة عادلة، لا يختلط فيها دم بالسياسة، ولا الدين بالتحريض.

أما أن يتحول الدعاء إلى جبهة قتال أخرى، يوجَّه فيها الحق إلى نصرة طرف دون الآخر وفق أهواء البشر، فذلك عبث لا يعرفه الشرع، ولا يقره الضمير.

إن الدعاء عبادة، لا منشور تعبئة.
والمؤمن لا يكذب في دعائه، ولا يتوسل إلى ربه بظلم.
فإياكم أن تجعلوا من الدعاء وقودًا للفتنة، فإن دعوة واحدة تخرج من قلب مظلوم قد تطيح بعدل قائم، إن لم تكن في موضعها.

وما ربك بظلام للعبيد.

[email protected]

‫2 تعليقات

  1. ذكرتنى حكاية معروفة… الكنيسة فى نيويورك كانت تدعو بالخراب على صاحب الحانة المجاورة فى صلواتها . وفى يوم مطير تسببت صاعقة فى حريق الحانة بأكملها . فرفع صاحب الحانة دعوى تعويض ضد الكنيسة .. كان دفاع الكنيسة ان دعواتهم لا تؤثر ولا علاقة لها بالحريق . فاحتار القاضى وقال نحن امام معضلة صاحب البار يؤمن بتأثير الدعاء واثره والكنيسة لا تؤمن بذلك . انا ما جبت سيرة عبدالحى .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..