“السودان بين أنياب المحاور – هل تُعيد الرباعية إنتاج الفوضى الإقليمية؟”

زهير عثمان حمد
انضمام مصر إلى الرباعية المعنية بالملف السوداني (الولايات المتحدة، السعودية، الإمارات) لا يمثل مجرّد توسعة في الطاولة الدبلوماسية، بل هو تحوّل نوعي في مقاربة الأزمة، يخرجها من دائرة “الضغط الدولي” إلى ميدان “إعادة تشكيل الخرائط الإقليمية”.
هذا التحوّل يكشف عن صراع ثلاثي المستويات-
صراع محاور إقليمية (القاهرة – أبوظبي).
أزمة الشرعية في النظام الدولي (انكفاء الغرب وصعود النموذج الأمني).
معركة الهوية السياسية في السودان (الدولة الوطنية مقابل نموذج ما بعد الدولة).
أولاً: الرباعية من أداة ضغط إلى منصة صراع
في الفترة من 2021 إلى 2023، مثّلت الرباعية منصة ضغط غربية لتطويع الجيش السوداني ودفعه نحو التسوية المدنية. دخول مصر قلب هذا التوازن، وأعاد تعريف الرباعية كـ “منصة تفاوض إقليمي”، تُشرعن بقاء الجيش كلاعب سياسي مركزي.
الغياب المصري سابقاً لم يكن ضعفاً، بل جزءاً من استراتيجية واشنطن لتقليص نفوذ القاهرة، باعتبارها الحاضنة التقليدية للمؤسسة العسكرية السودانية. أما عودتها اليوم، فهو إقرار ضمني بفشل نموذج “الدبلوماسية الناعمة” أمام واقع التفكك الهيكلي للدولة السودانية.
ثانياً: المشروع المصري – استعادة النظام القديم
ما بين سطور التحرك المصري تقبع ثلاث رهانات-
مواجهة أبوظبي: تدعم مصر الجيش كحائط صد أمام المشروع الإماراتي الذي يسعى لإعادة هندسة القرن الإفريقي عبر وكلاء غير تقليديين كالدعم السريع وفاغنر.
الجيوبوليتيكا المائية: ترى القاهرة في السودان بوابة لعزل إثيوبيا بعد تعثر مفاوضات سد النهضة.
عقيدة الأمن القومي: تنظر مصر إلى السودان كخط دفاع أمامي ضد أي ارتداد محتمل لموجات الربيع العربي.
ثالثاً: أبوظبي والقاهرة – صراع وجودي لا خلاف تكتيكي
يتجاوز الخلاف بين الإمارات ومصر تباين المقاربات، ليصل إلى صراع رؤى حول شكل الدولة والنظام الإقليمي-
المحور الإماراتي المحور المصري
إعادة الهيكلة عبر ميليشيات ذكية دعم المؤسسة العسكرية كضامن للاستقرار
تفكيك الجيوش الوطنية إعادة إنتاج الدولة المركزية
نفوذ غير مرئي: تمويل، إعلام، شبكات نفوذ جغرافي: حدود، عمق استراتيجي
بهذا المعنى، لم تعد الرباعية وساطة دولية، بل تحوّلت إلى ساحة لتصفية الحسابات الإقليمية.
رابعاً: تعريب الأزمة ونهاية الهيمنة الغربية
مع تراجع المبادرات الغربية، تتجه الرباعية لتصبح مجلس إدارة إقليمي – خليجي – مصري، بغطاء أمريكي شكلي. آليتا عمل هذا المجلس المحتمل:
تسليع الصراع: تحويل السودان إلى ورقة تفاوض إقليمية (مقايضات مع اليمن وليبيا).
الدور السعودي: تلعب الرياض دور “صمام أمان”، لكنها تدفع باتجاه حل أمني يخدم مصالحها الاستثمارية.
الضحايا المتوقعون -القوى المدنية السودانية، التي يجري تجاوزها لصالح تسوية عسكرية.
المشروع الأوروبي، خصوصاً البريطاني والفرنسي، بعد تآكل نفوذهما في الإقليم.
خامساً: أي سودان سيولد من رحم هذه الرباعية؟
المأزق البنيوي أن الرباعية تعالج أعراض الأزمة (حدود، لاجئين)، وتتجاهل جذورها-
تفكيك الدولة لصالح اقتصاد الحرب.
تحوّل السودان إلى أرخبيل من الميليشيات.
السيناريوهات-
التقسيم الناعم: شمال وخرطوم ضمن نفوذ مصري، وشرق ودارفور ضمن نفوذ إماراتي.
حل ليبي: حكومتان متوازيتان (جيش – دعم سريع) وتصاعد التدخلات الخارجية.
السودان كمختبر جديد لنظام إقليمي مأزوم
لم يعد السودان أزمة محلية. انضمام مصر للرباعية يعكس خللاً أعمق- صعود تحالفات ما بعد الدولة (المليشيات، الشبكات، الرأسمال غير الرسمي).
موت نموذج “حل الدولتين” داخلياً، وتحول الصراع إلى تنازع بين نماذج إقليمية متضادة.
المفارقة القاسية: قد لا تنهي الرباعية الحرب، بل تكرّسها، عبر تحويل السودان إلى ساحة تجريب لمشاريع الهيمنة الجديدة.
فقرة تأملية أخيرة ,”السودان لم يعد مجرد شأن وطني. لقد صار بطاقة ضغط في لعبة مشروع إعادة ترسيم الشرق الأوسط، حيث تسعى الأنظمة المأزومة لما بعد الربيع العربي إلى تصدير أزماتها، بدلاً من حلّها.”