إعلام الكيزان الذي يصنع من الفسيخ شربات

د. أحمد التيجاني سيد أحمد
كتب المدعو عادل صديق الصاوي، الذي قدّم نفسه باعتباره “باحثًا في التاريخ وعلم الاجتماع السياسي”، مقالًا أقل ما يُقال عنه إنه استعراض عبثي لأسباب حرب 15 أبريل 2023. فقد عدّد فيه أحد عشر “هدفًا” لا تخفى غرابتها وسذاجتها على أي قارئ يمتلك الحد الأدنى من المنطق والتحليل.
يقدّم الكاتب نظريته حول ما سمّاه “أكبر مؤامرة في تاريخ الإنسانية”، مدعيًا أن هذه الحرب كانت نتيجة مؤامرة كبرى خططت لها قوى دولية وإقليمية. وقد جاءت “أهداف المؤامرة” وفقًا لطرح الصاوي على النحو التالي:
1. السيطرة الإماراتية على مفاصل الدولة السودانية دون مقابل، على غرار تجربة الإمارات في مصر.
2. تنفيذ تغيير ديموغرافي جذري باستبدال سكان السودان الحاليين بمهاجرين من عرب النيجر وتشاد والكاميرون وبوركينا فاسو ونيجيريا.
3. توطين الفلسطينيين في شمال السودان وطرد سكانه الأصليين لإقامة مشروع اقتصادي يضم رجال أعمال من فلسطين واليمن وإسرائيل.
4. الهيمنة على ساحل البحر الأحمر بإنشاء موانئ بديلة عن موانئ دبي المهددة بالتراجع.
5. الاستيلاء على أراضي الفشقة ومشروع الجزيرة ضمن مشروع إماراتي–إسرائيلي ضخم.
6. إغراء مصر بالموافقة على تهجير سكانها إلى شمال السودان لإنشاء مشروعات توطين للفلسطينيين وعرب الشتات.
7. إقامة قواعد أمريكية في كردفان ودارفور بعد “إبادة سكانها الأصليين” لتوطين عرب الشتات.
8. تنفيذ إبادة جماعية في دارفور، بتسهيل إعلامي غربي مهّد لقبولها.
9. تحويل السودان إلى “سلة نفايات بشرية” تستقبل كل المهجّرين من مناطق النزاع في الشرق الأوسط، خدمة لأمن إسرائيل.
10. تفكيك الجيش السوداني وإنهاء “أسطورته” كما حدث في العراق وسوريا.
11. إقامة إسرائيل الجديدة على أرض السودان، والسيطرة على ثرواته وبناء أكبر منطقة صناعية وزراعية تُحكم من تل أبيب.
وفي “خلاصة” ما طرحه، اعتبر الكاتب أن الإمارات ليست إلا “كلب صيد” يعمل لصالح أمريكا وإسرائيل، اللتين لم تخسرا رصاصة واحدة، بينما خسرت الإمارات 179 مليار دولار في دعم الجنجويد بالسلاح والعتاد. ثم أضاف أن مصر أفشلت هذا المخطط من خلال دعمها للجيش السوداني، ما أثار غضب الإمارات التي وضعت “خطًا أحمر” ضد القاهرة.
أما ذروة العبث، فكانت في خاتمة مقاله، حين دعا كل سوداني وسودانية للفخر بالجيش الذي – حسب زعمه – هزم سبعة عشر دولة دفعة واحدة، بينها أمريكا، إسرائيل، والاتحاد الأوروبي! وكأننا لسنا أمام مأساة حقيقية بل في قلب ملحمة خيالية على غرار أفلام مارفل!
ما انتهي اليه بكل غباء يوحي لمراقبي هذه المهزلة الإعلامية بان صرف مليارات الدولارت على الإعلام يمكن أن يصنع المعجزات، كما فعل إعلام “البل “! بل ذهب أبعد من ذلك، إلى عصر إعلام “سمك لبن تمر هندي” الذي يخلط كل شيء بكل شيء: فلسطينيين، عرب الشتات، دواعش، هوامش… فقط ليعود الكيزان بوجه أكثر وقاحة ولسان أطول عمرًا… ولسان حالهم يقول:سنحكمكم ستماءة سنة قادمة!
هذا هو إعلام الشربات الذي يصنع من الفسيخ: إعلام يُروّج الأكاذيب ويقدّم الفشل كإنجاز، إعلام لا يبحث عن الحقيقة بل يصنعها حسب الطلب، فيصهر المتناقضات ليصوغ سردية تُعيد تمكين نظام ساقط، يريد أن يعود من نوافذ الوهم بعدما خرج من أبواب التاريخ.
اتخموا، واتلموا.
د. أحمد التيجاني سيد أحمد
١٠ يونيو ٢٠٢٥ روما نيروبي