مقالات سياسية

غياب الوعي وإطالة أمد الصراع في السودان

أحمد المهدي

‏يقول ‎الاديب والفيلسوف الفرنسي ألبير كامو: “كل شيء يبدأ بالوعي، ولا قيمة لشيء من دونه”
فالوعي ليس مجرد إدراك بسيط لما حولنا، بل هو تلك الشرارة الأولى التي تمنح المعاني وتُشكل القيم.

ومن خلال استمرارية هذه الحرب اتضح جليا نتائج وسياسات الأنظمة السابقة في تغيب وتجهيل الشعب السوداني بجعله مثل القطيع وبتحويله إلى شعب مغيب تماما ومنفصل عن الواقع، رأيناه في كثير من المواقف يلوي عنق الحقيقة مع تصديق الأكاذيب وإنكار الحقائق بإصرار . وانعدام أي منطق لتقييم المخاطر والعواقب الحقيقة لاستمرار هذه الحرب.

فالامر ليس سهلا كما يظن البعض
لان الخسائر حقيقية وأثار الحرب الكارثية أيضا حقيقة لافكاك منها وحجم الخسائر في هذه الحرب كبير جدا ويفوق أي تصور ولايمكن معالجتها بالعنترية والاماني والثقة الزائدة ولا بالتهرب عن حقيقية واقعها.
وعوضا عن تناول الأوضاع بموضوعية اختار الكثير من الناس الانجراف وراء السقوط الاخلاقي المتفشي بين فلول النظام السابق بدعم الحرب والاقتتال رغم المآسي الماثلة ، وأذا لم يتم معالجة هذه الاختلالات الخطيرة بموضوعية بعودة الناس لمنطق الحق فلا امل مطلقا في الإصلاح وتقييم الامور بشكل حقيقي.

الحرب مصيبة وكارثة مؤلمة و الكثير ممن ذاقوا ويلاتها ما زالوا يتألمون منذ إنطلاقتها ولا يزال الكثيرون يزرفون الدمع دما ومعاناتهم والآمهم مستمرة وليس هناك دلائل او شواهد بتحسن الاوضاع قريبا بسبب الاصطفاف الغبي ، وبتصديق أكاذيب واوهام الانتصار المطلق .واستمراريتها تزيد من معاناة الناس في كل يوم و كلفتها عالية جدآ ونتائجها الكارثية من موت وجوع وتشرد وأمراض واوبئة ماثلة للعيان، ولم تنجح طرق مدارتها وتغطيتها مهما حاولوا طمسها بالكذب والنفاق وبالترهيب واللامبالاة .

مسلسل الحروب ستستمر في السودان لطالما تكثر فيه هذه العقليات التي تشجع على الحروب والاقتتال من دون وعي منها ولم تدرك ابعادها واثارها قبل فوات الأوان بعدم تعلمها من اثار الحروب والتجارب السابقة ، والانجرار خلف دعاوي تحريض الفلول بدافع الانانية الفظّة ، وسيأتي اليوم الذي يدفع فيه الجميع ثمن هذا اللامبالاة وساعتها سيندمون على مواقفهم هذا في يوم لا ينفع الندم .

مشكلة السودان تكمن في غياب الوعي قبل جذور الازمة نفسها، وإذا ما أردنا فعلا لبلادنا أن يتعافي فلابد من تشريح المرض ومعالجته بصورة نهائية عبر الاسهام في رفع وعي الناس أولا ومن ثم التوجه إلى حلحلة المواضيع الاخرى .

فعندما يرتفع الوعي يصبح الفرد قادراً على تجاوز القوالب الجاهزة، وأكثر انفتاحاً على التفكير النقدي، وتقبل التباين، وفهم الدوافع المختلفة للآخرين. فتقل قابلية الانجراف وراء الأفكار المتطرفة أو التحيزات غير المبررة، ما يُعزز التسامح ويُشجع على الحوار البناء.

وبمعنى آخر، كلما زاد الوعي، تقلصت مساحة التعصب، لأنَّ الوعي ينير العقل ويزيل غشاوة الجهل والخوف التي تُغذي التطرف.
[email protected]

‫3 تعليقات

  1. حاربنا الجنوبيين لعدة عقود ولم نشهد عداوة بين شعب الشمال وشعب الجنوب الى ان تم الانفصال فى سلام ومحبة ونسينا جراح الحرب وٱثارها . لم يدخل الجنوبيون غرف نومنا ولم يحتلوا بيوتنا ولم ينهبوا اموالنا ولم يغتصبوا كما فعل ابناء الرزيقات والمسيرية ولذلك حرب اليوم لا سابقة لها ولا شبيه . لو تم تدمير القصر الجمهورى فالحكومة ممكن ان تقيم عشرة ٱخرين بدلا عنه ولو نهب منزل احد الكيزان او عربته فلديه بديل فى دبى وانقره والقاهرة وماليزيا. ولكن ظلم المواطن البرئ لن يغفر ولن ينسى فالعداوة بلغت منتهاها والثأر مرفوع على اسنة الرماح من كل الشعب ضد مجرمى الرزيقات الذين لم تتقدم قياداتهم حتى اليوم لادانة مجرميها .. ولن يسلم الشرف الرفيع من الاذى حتى يراق على جوانبه الدم .

  2. مقال جميل جدا…لكن صدقني هذه الاجيال التي تعيش حاليا لا يرجي منها وغير قابلين للإصلاح حتي ولو تم منحهم كبسولات وعي عن طريق الفم…خلال متابعتي في هذه الحرب اقتنعت تماما ان هذه الامة نخرت فيها سوس الغباء،والجهل،والعاطفة السازجة فهم في وادي وعقولهم في وادي فصاحب حلقوم كبير من علي منبر او قناة تلفزيونية يمكن أن يقودهم مثل القطيع….

  3. ده كلام جميل جدا وكما ذكرت الوعي هو نقيض التفكير العاطفي ومعرفة قوية بالحقوق والواجبات ولكن للأسف الشديد آلية تنفيذه تلعب الدولة الدور الرئيسي فيها لا يمكن لفرد او مجموعة او حتي حزب ان يتعاطي بشكل كامل ومؤثر لرفع مستوى الوعي بالإضافة لتداخل بعض العوامل الاجتماعية التي قد تلعب دورا ثانويا ويظل للدولة نصيب الأسد في إمكانية خلق الوعي وللأسف لم تتوفر مثل هذه الدولة في السودان ولن يكون لها وجود في حالة السودان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..