مآسي النازحين على حدود السودان تكشف المستور

عبد الله عبد الكريم .أكاديمي .
رحلة نزوح شاقة امتدت لثمانية أيام عبر الصحراء القاحلة قطعتها أسرة سودانية مكونة من أب وأم وستة أطفال بينهم ثلاثة من ذوي الإعاقة إلى أن وصلوا إلى ليبيا، حيث اضطرت العائلة للسير مسافات طويلة وعلى ظهور الدواب حتى وصلت في قصة مؤثرة روتها مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
مأساة هذه العائلة هي نسخة مكررة لملايين واجهوا أوضاعًا مشابهة خلال رحلات نزوحهم بين ولايات السودان المختلفة، وازدادت صعوبتها مع أكثر من 3.8 مليون آخرين فروا إلى دول الجوار، مع دخول النزاع المسلح عامه الثالث دون بوادر لحل قريب.
هذه الأرقام تحدث عنها صراحة المسؤول الإقليمي للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، عبدالرؤوف غنون كوندي، عقب زيارة أجراها إلى السودان في مايو الماضي، موضحًا أن «عدد المهجرين داخليًا يبلغ حوالي 8.6 مليون شخص» – فيما تشير أرقام الأمم المتحدة انهم بلغوا 12 مليونا – مشيرًا إلى أن النساء والأطفال يمثلون نحو 88% من إجمالي النازحين، ما يزيد من التحديات الإنسانية والاجتماعية التي تواجهها المفوضية وشركاؤها في تقديم الدعم اللازم للمتضررين.
انسحاب الجيش
الجيش السوداني تجاوز كل الدعم الذي قدمته دول الجوار وتحديدا ليبيا للاجئين السودانيين ليخرج ببيان يتهم فيه القوات الليبية بتقديم إسناد مباشر لقوات الدعم السريع في هجوم استهدف أمس مواقعه الحدودية ليزيد من عزلته الإقليمية وصدامه الذي لا يتوقف مع دول الجوار، محاولا بذلك تبرير فشله وسقوطه العسكري.
وهذا هو أول اتهام رسمي من نوعه يطلقه الجيش السوداني في حق ليبيا الشقيقة منذ بدء الحرب في السودان خلال أبريل 2023. يشار هنا إلى تأكيدات غرفة الطوارئ في مدينة الكفرة الليبية، يناير الماضي، عن أن أعداد النازحين السودانيين في ليبيا تجاوز الـ 500 ألف نازح خلال العام 2024.
صدام علني من الجيش السوداني ظهرت ملامحه في أحدث بياناته تحت مزاعم تدخل كتيبة السلفية بدعم ليبي في الأزمة السودانية، زاعمًا أن هذا التدخل يُعد تطورًا خطيرًا يعكس امتداد «مؤامرة إقليمية ودولية» على السودان.
قوات الدعم السريع بدورها أعلنت أنها سيطرت على المثلث الحدودي بين السودان ومصر وليبيا، الأربعاء، مشيرة إلى أنها تمكنت من «تحرير منطقة المثلث الاستراتيجية، التي تُشكل نقطة التقاء محورية بين السودان وليبيا ومصر، في خطوة نوعية».
وأكدت قوات الدعم أن سيطرتها على المثلث ستكون لها تأثيرات على عدة محاور قتالية لا سيما في الصحراء الشمالية، وتساهم في مكافحة الهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر على الحدود السودانية، منبهة إلى أنها استولت على عشرات المركبات القتالية بعد تقهقر قوات الجيش وفراره جنوبا بعد تكبده خسائر فادحة في الأرواح والعتاد.
منطقة لوجستية
الناشط السوداني بشير ساكن يعيد التذكير بأن «كل من مر على المثلث الحدودي في طريقه إلى ليبيا يعرف المعاملة القاسية التي يتعرض لها المواطنون في سفرهم».
ويضيف ساكن في منشور على منصة «إكس»، أن أصحاب التجربة ممن مروا بهذه الطريق المهم يدركون ويستوعبون الاستقبال الذي وجدته قوات تحالف تأسيس عند دخولها للمثلث وكأنما يقولون بلاء وجرى جلاءه في إشارة إلى استخبارات الجيش وكتائب الإسلاميين المتطرفين وهو ما فعلته قوات تأسيس بأن ردت التحية بأحسن منها.
ويشير إلى أن منطقة المثلث الحدودي تحظى بأهمية استراتيجية بالذات في موضوع الهجرة والتجارة والتعدين وأيضًا منطقة حدودية حساسة ولوجستية، والأهم أنها قطعت طريق ومهدت لطريق آخر يفهمه كثيرون.
نهج البشير
يقول المحلل الليبي محمد الجراح إن قائد الجيش السوداني عبدالفتاح البرهان يحاول خلط الأوراق وتزييف التاريخ باتهاماته الأخيرة للجيش الليبي، معبرًا عن دعمه وامتنانه للقوات المسلحة في الدفاع عن حدود ليبيا الجنوبية.
وينبه الجراح في منشور على حسابه بمنصة «إكس» إلى أنه بين عامي 2013 و2017، قدم نظام عمر البشير في السودان دعمًا ماديًا وسياسيًا، وربما استخباراتيًا، للجماعات الإسلامية في ليبيا، وخاصة تلك الموجودة في طرابلس ومصراتة والمرتبطة بتحالف فجر ليبيا، وأيضا للمجموعات المتطرفة في كل من بنغازي ودرنة والجنوب الشرقي، موضحًا أن أهم الأدلة حينها هو اعتراض طائرة محملة بالأسلحة وإرغامها على الهبوط في مطار الكفرة في شهر سبتمبر سنة 2014.
وتابع: «كان دعم نظام البشير المخلوع منسجمًا حينها مع التوجه الإقليمي الأوسع للنظام السوداني المؤيد للإسلاميين. وتتمثل أبرز الأدلة الملموسة على هذا الدعم في شحنات الأسلحة، وفضائح الملحقين العسكريين، وانخراط النظام السوداني آنذاك في التعاون السياسي والعسكري مع سلطات ليبية غير معترف بها دوليًا أو ما تعرف بحكومة الإنقاذ الوطني».
ويحذر من أن هذا النهج يعود اليوم تحت قيادة زميل وصديق عمر البشير «عبدالفتاح البرهان»، عبر محاولة استهداف الأراضي الليبية ومواقع القوات المسلحة العربية الليبية في الجنوب الغربي.
البرهان: نهج تصدير الأزمات يُشعل الحدود ويهدد مستقبل السودان
بينما يغرق السودان في أتون أزمة إنسانية واقتصادية طاحنة، يتجلى نهج خطير في قيادة الجيش السوداني، يقوده عبد الفتاح البرهان ويتمثل في تصدير الأزمات الداخلية إلى الخارج.
هذا التكتيك، الذي بات سمة مميزة لإدارة البرهان للصراع، يهدف إلى صرف الأنظار عن الفشل الذريع الذي يواجهه هو وقادته في التعامل مع صراع أجنحة السلطة وتداعيات الحرب الكارثية.
لم تعد تهديدات مساعد البرهان ياسر عطا لدول وكينيا وجنوب السودان، بدأ الجيش السوداني مؤخرا بمناوشات جنونية على الحدود الليبية، متهمًا الجيش الليبي بالتدخل في شؤون السودان الداخلية.
هذا النهج العدائي لم يقتصر تأثيره على إشعال التوترات الإقليمية فحسب، بل أدى إلى تخريب علاقات السودان بدول الجوار والعالم بأسره. هذا التدهور في العلاقات الدولية له تداعيات وخيمة، لا سيما على المهاجرين والنازحين السودانيين الذين يعتمدون بشكل كبير على