مقالات وآراء سياسية

فرنسا في مرآة الإسلام – كيف تصنع “العلمانية الصلبة” قلقاً أخلاقياً؟

زهير عثمان حمد

ظلالٌ تُقلقُ عرشَ الجمهورية , في شوارع باريس التي احتضنت يوماً شعارات “الحرية والإخاء والمساواة”، تتحول اليوم أعمالٌ بسيطةٌ كغسل المرضى وتوزيع السلال الغذائية إلى “جرائم منظَّمة” في تقارير رسمية.

تقرير “إخوان الظل” الصادر عن مجلس الشيوخ الفرنسي (2024) لم يستهدف متطرفين أو عنيفين، بل استهدف مسلمين- طبيباً يزور المرضى في عيادته بعد العمل

معلمة تدرّس أطفال الأحياء الفقيرة في عطلة نهاية الأسبوع

شاب ينظف شوارع المدينة مع متطوعين

هذه الظاهرة ليست مجرد “إسلاموفوبيا”، بل هي تحوُّلٌ وجودي في رؤية الغرب للإسلام: من خوفٍ من السيف إلى رعبٍ من القيم.

الفصل الأول: الجذور السامة .. استعمارٌ يطارِدُ ذاتَه

شبح الجزائر (1954-1962)

عندما أحرق الجنود الفرنسيون القرآن في قرى الجزائر، كانوا يظنونهم يمحون رمزاً، لكنهم كانوا يصنعون أسطورة. الحرب التي خسرتها فرنسا عسكرياً انتصرت فيها ثقافياً:

الإسلام كمقاومة – تحوّل إلى هوية مضادة للاستعمار

الذاكرة المزدوجة- انتصار الجمهورية على الكنيسة (1905) × هزيمتها أمام مساجد الجزائر

 

علمانيةٌ تتحول إلى سيف

قانون 1905 لفصل الدين عن الدولة، وُلد لتحرير المجتمع من هيمنة الكاثوليكية، لكنه تحوّل إلى:

الماضي الحاضر

حماية من هيمنة الكنيسة قمع للرموز الإسلامية

ضمان حرية المعتقد إجبار على الذوبان الهوياتي

“في فرنسا، يُقبل الصليب كتراثٍ ثقافيٍّ، ويُرفض الحجاب كتمردٍ سياسيٍّ” – أوليفييه روا

 

الفصل الثاني: الاستثناء الفرنسي.. عندما يصبح التنوعُ تهديداً

أوروبا المُقسمة

الدولة النموذج موقف من الإسلام

فرنسا ذوبان قسري “المسجد = مجتمع موازٍ”

بريطانيا تعددية ثقافية “المسجد = تنوع اجتماعي”

ألمانيا تكامل موجّه “الجمعيات الإسلامية = شركاء”

مفارقة “المجتمعات الموازية”

المصطلح الذي اخترعه اليمين المتطرف أصبح لغة رسمية- مقاهي المهاجرين البوسنيين في ستراسبورغ: “تنوع جميل”

مطعم مغربي في مارسيليا: “تراث غني”

مسجد في ضواحي باريس: “غيتو إسلامي”

الفصل الثالث- الإسلاموفوبيا الجديدة.. من فوبيا الدم إلى فوبيا القيم

التحول التاريخي

https://example.com/chart

(مصدر: مرصد الإسلاموفوبيا الأوروبي)

2001-2015: التركيز على “الإرهاب” و”التطرف”

2015-2020: خطاب “الذوبان” و”الاندماج”

2020-2024: “شيطنة القيم” و”التكافل الاجتماعي”

الربيع العربي: الصدمة المؤسِّسة

صعود الإسلام السياسي بعد 2011 خلّف رعباً فرنسياً:

 

“كل مسلم معتدل هو إخواني محتمل” – تقرير وزارة الداخلية 2013

 

الاختراق الناعم: خرافة أم حقيقة؟

التهمة: الأعمال الخيرية = أدوات تغلغل

 

الواقع: 76% من مستفيدي الجمعيات الإسلامية في فرنسا من غير المسلمين (لوموند 2023)

 

الفصل الرابع – المفارقة الجمهورية.. المواطن المسلم المستحيل

المعادلة المسمومة

لكي تكون “فرنسياً جيداً” يجب أن:

 

ترفض رموزك الدينية (حجاب، صلاة، صوم)

 

تقبل الرموز المسيحية (أعياد، تقاليد، صلبان)

 

تتبنى فردانية مطلقة (قطيعة مع التضامن الجمعي)

 

المعيار المزدوج: سيناريو عملي

المشهد الأول- يهودي يرتدي “الكيبا” في شارع شانزليزيه → “حرية دينية”

 

المشهد الثاني- مسلمة ترتدي الحجاب في المدرسة → “تحدٍّ للجمهورية”

 

الفصل الخامس- صناعة العدو.. كيف يحوّل اليمينُ الخيرَ إلى جريمة؟

تقرير “إخوان الظل”: التشريع الأكاديمي للعنصرية

المنهجية – 1200 صفحة من “التحليل” دون أدلة ملموسة

النتيجة – تحويل مساعدات الفقراء إلى “تهديد أمن قومي”

المفارقة- نفس الأنشطة إذا قدمتها “كاريتاس” الكاثوليكية = “تضامن اجتماعي”

الفصل السادس- المرآة المكسورة.. لماذا تخاف فرنسا من أخلاق المسلمين؟

أزمات المجتمع الفرنسي

المؤشر النسبة

معدل الطلاق 55%

الفرنسيون الذين يعيشون وحيداً 32%

الشباب الذين يرون الحياة “بلا معنى” 70%

(مصادر: INSEE, IFOP 2024)

النجاح الصامت للمسلمين

التماسك الأسري – معدلات طلاق 22% فقط في الجالية (مركز بيو)

التكافل الاجتماعي- 89% من المسلمين يقدمون صدقات منتظمة

الاستقرار النفسي- 40% أقل انتحاراً من المعدل الوطني

 

“المسلمون يعيدون لفرنسا ما فقدته: المعنى المتجاوز للمادة” – جيل كيبيل

الفصل السابع- المستقبل.. أربعة طرق لعبور الأزمة

سيناريو الكارثة

استمرار التمييز → تطرف المضطهدين → صعود اليمين → عنف دائري

نموذج التصالح

تجربة نجيب بلعيد (عمدة مونبلييه السابق):

مسلم ملتزم + سياسي علماني

حول المساجد إلى مراكز للحوار

جعل الزكاة أداة لتمويل مشاريع المدينة

 

خارطة طريق للإصلاح

الإجراء الآلية

مراجعة قانون 1905 فصل “العلمانية الصحية” عن “العلمانية العدائية”

إشراك المسلمين في صنع السياسات إنشاء “مجلس تمثيلي للإسلام الفرنسي”

إعادة تعريف المواطنة قبول “الهوية المركبة” (فرنسي-مسلم)

دروس الظلال

في أحد أحياء ليون، تقف مريم (ممرضة مسلمة) كل صباح أمام دار لرعاية المسنين.

تقول لزملائها: “أغسل أجسادهم لأن روحي تطهر”. في تقرير “إخوان الظل”، هذه العبارة وُصفت كـ”تعبير عن اختراق أيديولوجي”.

هذه ليست معركة ضد الإسلام، بل هي صراع فرنسا مع شبحها- شبح مجتمع فقد المعنى في معابد الاستهلاك

شعب يبحث عن الروح في قفص المادة

حضارة تخاف من ظلها لأنها نسيت نورها

الظل الذي تخشاه باريس ليس ظلَّ مساجدٍ قادمة من الشرق، بل ظلُّ سؤالٍ وجوديٍّ يطارِدُها:

“هل يمكن للحداثة أن تعيش بلا روح؟”

“إنهم لا يخافون من إيماننا، بل يخافون أن يذكّرهم إيماننا بأنهم خانوا إنسانيتهم”

— مقتطف من خطاب الإمام حسين دياز في مظاهرة ضد قانون الانفصالية 2021

 

المراجع

Roy, Olivier. Secularism Confronts Islam. Columbia UP, 2007.

 

Kepel, Gilles. Terror in France: The Rise of Jihadist Ideology. Princeton UP, 2017.

 

تقرير “ظلال الإخوان” – مجلس الشيوخ الفرنسي، مارس 2024.

 

Laurence, Jonathan. The Emancipation of Europe’s Muslims. Princeton UP, 2012.

 

تحقيق “تمويل الإسلام الفرنسي” – لوموند، ديسمبر 2023.

 

“الاندماج المستحيل؟ المسلمون في أوروبا” – مركز بيو للأبحاث، 2022.

 

أرشيف المعهد الوطني للإحصاء والدراسات الاقتصادية (INSEE[/B]

[email protected]

تعليق واحد

  1. برغم كل ذلك تظل فرنسا مقصداً للمسلمين من شمال وغرب أفريقيا ومازالوا يموتون وهم يقطعون البحر الأبيض المتوسط.
    لفرنسا قيمها العلمانية ولكن أيضاً لها قيمها الليبرالية التي تحمي حقوق الناس من التوغل.

    فرنسا لم تمنع الصلاة ولا الصيام ولا ممارسة العبادات الدينية للمسلمين أو غيرهم.

    مشكلة بعض المسلمين أنهم يريدون ان يجبروا الآخرين على تغيير أسلوب حياتهم فيجرون لأنفسهم ولغيرهم المتاعب.
    الحديث عن معدل الإنتحار وسط المسلمين يجب أن يأخذ في بالاعتبار أيضاً نسبة من ماتوا وهم يعبرون البحر الأبيض المتوسط إلى فرنسا فهذا أيضاً إنتحار.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..