الإسلاميون وتأجيج الحرب في السودان: تحالفات خفية وأساليب دموية

إعداد: ميرغني جبريل
تحليل سياسي – يونيو 2025
منذ اندلاع الحرب في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع في أبريل 2023، اتّضح أن الصراع المسلح لا يدور فقط على الأرض، بل تغذيه أيضًا قوى سياسية وتنظيمية كانت إلى وقت قريب خارج المشهد، أبرزها التيار الإسلامي الذي أطاحت به ثورة ديسمبر المجيدة عام 2019. غير أن هذا التيار، الذي حُرم من السلطة بعد ثلاثة عقود من الحكم الشمولي، لم يغادر المشهد تمامًا، بل أعاد تنظيم صفوفه داخل عمق الصراع، ليضطلع بدور تخريبي مقلق يعمّق الأزمة، ويقوّض فرص الحل السلمي.
الإسلاميون والحرب: مشروع العودة على أنقاض الدولة
مع بداية المعارك بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، سارع الإسلاميون، خاصة المنتمين لحزب المؤتمر الوطني المحلول، إلى التمترس داخل المؤسسة العسكرية، ومحاولة إعادة إنتاج سلطتهم عبر دعم الخيار العسكري وتغذية النزاع بخطاب تعبوي ديني. لم يظهروا أي نية لدعم جهود السلام، بل عملوا على اختطاف الصراع وتوجيهه ليكون “معركة عقائدية”، تصور الحرب بوصفها جهادًا مقدسًا لاستعادة المشروع الإسلامي الذي سقط مع سقوط البشير.
خطاباتهم، التي ملأت وسائل الإعلام الموالية لهم وصفحات التواصل الاجتماعي، اتسمت بالتحريض الصريح، وتحويل المعركة إلى صراع بين “الإيمان والكفر”، في لغة لا تختلف كثيرًا عن أدبيات الجماعات الجهادية العابرة للحدود.
تحالفات مشبوهة ووجود في الميدان
اللافت أن عددًا من الإسلاميين الذين لطالما ناصبوا العداء لقوات الدعم السريع، وجدوا أنفسهم لاحقًا في خندق واحد مع هذه القوات، في تحالف غير معلن هدفه الأوحد: إفشال مسار التحول الديمقراطي. تقارير ميدانية وشهادات محلية تشير إلى وجود كوادر محسوبة على النظام السابق تعمل كمستشارين داخل قوات الدعم السريع، أو تقدم الدعم الإعلامي والسياسي لها، مما يعكس تبادلًا للمصالح بين الجانبين.
أساليب داعشية: من بقر البطون إلى الذبح على الهوية
الأخطر من ذلك أن بعض الجرائم المروعة التي ارتُكبت خلال هذا النزاع، خصوصًا في دارفور والخرطوم، تحمل طابعًا يُذكّر بأساليب تنظيم “داعش”. هناك تقارير موثقة عن عمليات ذبح ميدانية، وبقر بطون لنساء حوامل، وقتل على الهوية العرقية أو الدينية، وهي ممارسات تشير إلى وجود مجموعات ذات فكر تكفيري داخل ساحات القتال.
هذه الجرائم، التي تم توثيق بعضها من قبل منظمات حقوق الإنسان السودانية والدولية، تُظهر انزلاقًا خطيرًا نحو الأسلمة الجهادية للنزاع، وتثير تساؤلات حول مدى تغلغل العناصر المتطرفة في المعسكرات المسلحة.
الإسلاميون كمعوّق للسلام
إن الخطاب والممارسات التي يتبناها الإسلاميون في هذه المرحلة تؤكد أنهم لا يسعون إلى دولة تتسع للجميع، بل إلى سلطة حصرية، حتى لو جاءت على حساب وحدة الوطن وسلامة مواطنيه. لقد عملوا بكل الوسائل على إجهاض المبادرات السياسية، وتخوين القوى المدنية، وشيطنة أي دعوة لوقف إطلاق النار أو لتسوية سياسية شاملة.
ورغم محاولاتهم تبييض صورتهم عبر وسائل الإعلام أو بعض القيادات المحسوبة عليهم، إلا أن الواقع الميداني يؤكد استمرارهم في لعب دور أساسي في تغذية الحرب وإطالة أمدها.
نحو تحييد الدور التخريبي
إن السودان لن يتعافى طالما ظل التيار الإسلامي الراديكالي مهيمنًا على مفاصل القرار العسكري أو متغلغلًا في مسارات الصراع. لا يمكن الحديث عن انتقال ديمقراطي أو بناء دولة مؤسسات ما لم يتم تفكيك البنية السياسية والأمنية التي بناها الإسلاميون على مدى ثلاثين عامًا، ومحاسبة رموزهم عن الجرائم السابقة والحالية.
———————
مصادر التوثيق:
تقارير هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية بشأن النزاع في السودان (2023–2024).
بيانات لجان المقاومة السودانية وتقارير مركز الدراسات السودانية.
مقابلات ومقالات تحليلية منشورة في الجزيرة نت، بي بي سي عربي، سودان تريبيون.