تحالف “تمنتاي” يضاعف الضغوط على قيادة الجيش في شرق السودان

أعلنت ثلاث حركات في شرق السودان عن تشكيل تحالف عسكري، في خطوة تعكس تزايد عسكرة المجتمع في تلك المنطقة، وتزيد الضغوط على قيادة الجيش.
وتم الإعلان عن التحالف الذي أطلق عليه اسم “القوات المشتركة لحركات شرق السودان” في مؤتمر عقد في منطقة تمنتاي بولاية كسلا الحدودية مع إريتريا، وضم كلا من مؤتمر البجا القيادة الموحدة بقيادة محمد طاهر أوقدف، والأورطة الشرقية بقيادة الأمين داوود، والمقاومة الشعبية والمستنفرين بقيادة الناظر ترك.
وجاء الإعلان عن التحالف الناشئ بعد أسابيع قليلة من إطلاق ثلاث حركات مسلحة في شرق السودان قوة مشتركة في منطقة “قرقر” الحدودية مع إريتريا، شملت مؤتمر البجا بقيادة موسى محمد أحمد- حركة تحرير شرق السودان برئاسة إبراهيم دنيا- الحركة الوطنية للعدالة والتنمية بقيادة محمد طاهر سليمان بيتاي.
ويرى البعض أن التحالف الجديد، كما هو بالنسبة للتحالف الذي شكل في مايو الماضي يحاول أن يجد لنفسه موضعا في المعادلة القائمة في السودان، وأنه يسعى لمساومة قيادة الجيش على حصص داخل مؤسسات سلطة الأمر الواقع، وهو ما يظهر في الرسائل التي وجهها أنصار تِرِك إلى الجيش وحلفائه “إذا تجاوزتم صوتنا سنغلق البحر والجبل والشجر والحجر.”
مثل هذه التشكيلات تتغذى على التهميش الذي تعرض له الشرق طيلة عقود طويلة، رغم كونه رئة السودان البحرية
وفيما يقول محللون إن بروز هذه التحالفات العسكرية في شرق السودان في مثل هذا التوقيت يحمل أبعادا أخطر، غير مستبعدين أن يكون هناك تمش لتطبيق النموذج الدارفوري في المنطقة التي تحظى بأهمية إستراتيجية فهي الرئة البحرية للسودان.
ويلفت المحللون إلى أن قيادة الجيش تتحمل المسؤولية المباشرة حيال تزايد عسكرة شرق السودان، من خلال تشجيعها على ظاهرة تشكيل الميليشيات منذ بداية الحرب، فضلا عن تعنتها ورفضها أي فرص لإحلال السلام، مسكونة بوهم حسم الحرب عسكريا ضد قوات الدعم السريع.
وبرزت في العامين الماضيين العديد من التشكيلات المسلحة في شرق السودان، جزء كبير منها جرى تدريبها في دول الجوار، وليس من المستبعد أن تنقلب تلك التشكيلات على الجيش في حال لم تُلبَّ مطالبها، وتتبنى خطاب الانفصال.
وطالب الناظر ترك في كلمة خلال مؤتمر تمنتاي رئيس الوزراء الجديد كامل إدريس بالإسراع في حل قضية شرق السودان عبر منبر تفاوضي منفصل، ووجه انتقادات للنخب التي قال إنها تدير السودان منذ 1956.
ودعا الناظر ترك، قبائل دارفور إلى تغليب صوت العقل بدلاً عن تقديم أبنائهم إلى محرقة الجيش، قائلا، “أنصحهم بأن يجعلوا استقرار السودان في حدقات العيون، فالمؤسسة العسكرية لن تصارع والخاسر الأول أنتم.”
من جانبه قال محمد طاهر أوقدف قائد مؤتمر البجا القيادة الموحدة إنهم عازمون على توحيد قواتهم العسكرية مع قوات الأورطة الشرقية لحفظ الحقوق والدفاع المشترك عن الأرض والعرض.
وأعرب أوقدف في كلمة خلال المؤتمر عن استيائه لما وصفه بعدم تقدير جهود الناظر ترك في مقارعة الحكومة السابقة من قبل مجلسي السيادة والوزراء داعيا إلى تنصيبه رئيسا للبرلمان.
وقال جعفر محمد الحسن رئيس المكتب السياسي للجبهة الشعبية المتحدة إن جميع الأطراف ستتوافق على اتفاق مسار شرق السودان بعد طول خلاف داعيا لاتفاق أشمل وأوسع. مطالبا بحقوق شرق السودان في الخدمة المدنية وغيرها وشدد على ضرورة وحدة مواطني شرق السودان.
وشن عدد من المتحدثين، بحسب ما أورد “راديو دبنقا” المحلي هجوما على رئيس مجلس السيادة قائد الجيش عبدالفتاح البرهان مطالبين بعدم تجاوز الناظر ترك، الذي بات ينظر إليه على أنه ليس فقط مجرد شيخ قبلي بل رمز سياسي لتحرر شرق السودان.
ويقول مراقبون إن مثل هذه التشكيلات تتغذى على التهميش الذي تعرض له الشرق طيلة عقود طويلة، رغم كونه منطقة إستراتيجية، فهو بوابة السودان الساحلية بساحلها الممتد على البحر الأحمر بطول يتجاوز 700 كيلومتر، ويضم ميناء بورتسودان المنفذ البحري الرئيسي للبلاد، فضلا عن ميناء بشائر لتصدير النفط.
مراقبون يؤكدون أن قيادة الجيش تتحمل المسؤولية المباشرة حيال تزايد عسكرة شرق السودان، من خلال تشجيعها على ظاهرة تشكيل الميليشيات منذ بداية الحرب
ويشكل موقعه الإستراتيجي محل أطماع العديد من القوى الإقليمية والدولية، وقد اتخذ الجيش منه المعقل الرئيسي بعد اندلاع الحرب في أبريل 2014، وحول بورتسودان إلى عاصمة إدارية مؤقتة، لإدراكه بالأهمية الإستراتيجية للمنطقة.
ويشير المراقبون إلى أنه أمام التحول الجاري في الصراع بات شرق السودان في قلب المعادلة، وتحاول القوى المنتمية له فرض نفسها كمحرك أساسي في لعبة السيطرة التي انتقلت من الأطراف إلى المركز.
وقلل الكاتب والباحث أبوفاطمة أونور من أهمية التحالف الذي جرى تشكّله في منطقة تمنتاي. وقال في مقابلة لـ”راديو دبنقا” إن الحراك يهدف للضغط على الحكومة الجديدة برئاسة كامل إدريس في إطار أجندة وصفها بأنها ضيقة بحثا عن المناصب.
واعتبر أونور أن تشكيل التحالف الجديد يأتي في إطار التشويش على تحالف جرى تشكيله في وقت سابق بين ثلاثة حركات أخرى تتخذ من الحدود الإرترية منطلقا لتحركاتها.
ونبه إلى أن المطالبة بمنبر تفاوضي منفصل لشرق السودان يأتي في إطار قطع الطريق على تفاهمات الحركات الثلاث الأخرى مع الحكومة من أجل التفاوض.
واندلعت الحرب في السودان منتصف أبريل 2023 بين الجيش بقيادة عبدالفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو، وأسفرت عن مقتل عشرات الآلاف وتشريد 13 مليونا وأزمة إنسانية تعدّ الأسوأ في العالم.