مقالات سياسية

حين تُضرب طهران… لماذا بورتسودان هي القادمة؟

مجاهد بشرى

السودان في عين العاصفة الإسرائيلية

حين تصل الضربات إلى عمق طهران، لا يكون السؤال: “لماذا إيران؟”

بل: “من سيكون الهدف التالي؟”

الضربات الإسرائيلية الأخيرة التي استهدفت مواقع استراتيجية في الداخل الإيراني لم تكن نوبة غضب طارئة، بل تتويجًا لخطة طويلة الأمد خاضتها تل أبيب ضد التمدد الإيراني في المنطقة. سنوات من حروب الظل، وعمليات استخبارية دقيقة، واغتيالات مركّزة، وكمائن تقنية وعسكرية، كانت جميعها تمهيدًا لما بدا أنه الفصل الأخير من مرحلة “ضرب الأذرع”، وبداية فصل جديد… عنوانه: الضرب في الرأس.

لكن هذه الضربات لم تُغلق الدائرة بعد، بل فتحت بابًا آخر…

باباً يقود نحو البحر الأحمر.

نحو بورتسودان.

أولاً: الحرب الخفية التي سبقت الضربة

لم يكن الصدام الإيراني–الإسرائيلي حرباً معلنة على الدوام. بل كانت سلسلة من الضربات المحددة التي خاضتها إسرائيل دون أن تعلن الحرب، لكنها لم تكفّ يوماً عن خوضها. فطوال عقدين من الزمن، نفذت إسرائيل:

عمليات للقضاء على علماء الذرة الإيرانيين على أراضيهم.
هجمات سيبرانية على منشآت نووية (كسابقتها الشهيرة: “ستكسنت”).
قصفاً لمخازن الصواريخ الإيرانية في سوريا والعراق.
زرع جواسيس داخل شبكات الحرس الثوري.

كل ذلك في إطار استراتيجية تُعرف في الأوساط الأمنية باسم: “بين الحروب” — أي إنهاك الخصم وإفشال مشاريعه دون الدخول في مواجهة شاملة.

ثانيًا: إسقاط الأذرع قبل إسقاط الرأس

بين عامي 2018 و2024، شنّت إسرائيل عشرات الضربات الجوية على مواقع تمركز وكلاء إيران في المنطقة. لا شيء كان عشوائيًا. كل ضربة كانت بمثابة حلقة من سلسلة واضحة:

في سوريا، تم تدمير عشرات القوافل التي كانت تنقل السلاح لحزب الله.
في لبنان، تم القضاء على مهندسو الطائرات المسيّرة التابعة لحماس.
في العراق، تم تفجير مقرات للحشد الشعبي المرتبط بالحرس الثوري.
في اليمن، جرى تقويض بنية الحوثيين بتنسيق غير مباشر مع حلفاء واشنطن.
وفي إفريقيا، وُجهت ضربات صامتة لمراكز نفوذ إيرانية مشبوهة.

هذه لم تكن “ردود أفعال”، بل تطهيراً للملعب قبل لحظة الحسم.

ثالثًا: لماذا طهران الآن؟

ضرب العمق الإيراني لم يكن قرارًا بسيطًا. إسرائيل أدركت أن المشروع النووي تجاوز مرحلة التهديد النظري.

والدعم الإيراني للمليشيات في كل أنحاء الشرق الأوسط لم يعد سريًا. والاتفاقيات العسكرية بين طهران وموسكو باتت تعني أن “الخطر الإيراني” لم يعد إقليميًا فقط… بل دوليًا.

الضربة الأخيرة جاءت لتقول شيئًا واحدًا:

لن ننتظر حتى يقع السيف على الرقاب.

رابعًا: البحر الأحمر… الجبهة القادمة

التحوّل الأخطر بالنسبة لإسرائيل لم يكن في طهران وحدها، بل في محيطها البحري.

البحر الأحمر –الذي لطالما اعتبرته إسرائيل مجالها الحيوي– بدأ يشهد تمددًا مشبوهًا لعدة قوى معادية:

روسيا التي تفاوض على قواعد بحرية في السودان وإريتريا.
إيران التي ترسل قطعها البحرية إلى مدخل باب المندب.
تركيا التي تسعى لإعادة انتشارها عبر ميناء سواكن السوداني.

كل هذا جعل البحر الأحمر منطقة غليان، وتحول السودان إلى نقطة التقاء لكل الخصوم.

خامسًا: السودان… لماذا هو الهدف القادم؟

الحرب التي أشعلها الإسلاميون بسلاح إيراني–تركي

لم يكن دخول الجيش السوداني بقيادة البرهان في حرب إبادة ضد شعبه مجرد صراع داخلي. بل كان جزءًا من مشروع لإعادة تموضع الإسلاميين في الحكم، بدعم مباشر من طهران وأنقرة.

وثّقت تقارير دولية وجود شحنات سلاح إيرانية هبطت في مطارا بورتسودان، و كتبنا عنها.
ظهرت صور لطائرات إيرانية تنقل معدات عسكرية متقدمة خلال الأشهر الأولى للحرب.
وتزامن هذا الدعم مع زيارة وفود أمنية وعسكرية من الحرس الثوري الإيراني.

الهدف لم يكن فقط استعادة السلطة… بل إعادة تموضع الحلف الإيراني في أفريقيا عبر البوابة السودانية.

قاعدة فلامنغو: رأس الجسر الإيراني نحو إسرائيل

فكرة منح الجيش السوداني قاعدة “فلامنغو” البحرية للروس لم يكن قراراً بريئاً.

في الحقيقة، كان ذلك عملية تمويه كبيرة، تهدف لمنح إيران منفذاً على البحر الأحمر عبر حليفها الروسي، في ظل اتفاقية الدفاع المشترك بين موسكو وطهران.

إسرائيل أدركت اللعبة باكراً.

ولذلك، تم استهداف منشآت وأفراد في القاعدة ذاتها بهجمات يُعتقد أنها منسوبة إلى إسرائيل، بعضها تم عبر طائرات مسيّرة، وأخرى في عمليات ميدانية صامتة.

البرهان… من التطبيع إلى العداء

قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان، الذي كان يوماً منخرطًا في مسار التطبيع مع إسرائيل، انقلب فجأة بعد أن وقع بالكامل تحت قبضة الإسلاميين.

رفض الانخراط في إكمال الاتفاقية الابراهيمية.
بدأ يُطلق خطابات عدائية ضد إسرائيل في خطاباته العلنية.
تحوّل من شريك محتمل إلى رأس حربة في معسكر معادٍ.

بالنسبة لتل أبيب، البرهان أصبح تهديدًا يجب احتواؤه، أو شطبه.

الضربات قد بدأت بالفعل

ليس كل الحروب تُعلن.

في الأسابيع الأخيرة، جرى استهداف مواقع عسكرية في:

بورتسودان (استهداف شحنات سلاح)
قاعدة فلامنغو (استهداف منشآت عسكرية وخبراء)
وادي سيدنا (ضرب مراكز تدريب وخبراء إيرانيين)

ضُربت شحنات قادمة بطائرات من إيران، بعضها قُصف مباشرةً بعد تفريغه.

الرسالة كانت واضحة:

السودان دخل مسرح العمليات الإسرائيلية بالفعل.

سادسًا: الخاتمة – حين تقترب النيران من سواحل الخرطوم

ما يجري الآن ليس حربًا بين إيران وإسرائيل فحسب، بل إعادة رسم لخريطة النفوذ العسكري في المنطقة.

كل دولة تسمح لإيران بالتموضع العسكري أصبحت في دائرة الخطر.
كل قاعدة بحرية تُمنح لروسيا قد تُستخدم لإشعال حرب أوسع.
وكل حاكم يختار التحالف مع مشروع طهران، عليه أن يتوقع ضريبة هذا الخيار.

السودان ليس خارج الحسابات، بل في مقدّمتها.

والضربات التي هزّت طهران… قد تكون الإنذار الأخير قبل أن تهتزّ بورتسودان التي ترتجف دونما حوجة لمن يهزها.

‫3 تعليقات

  1. اولا الناس أهل وتجمع حتى العقائد والديانات روابط
    بورتسودان لا تطلق الصواريخ والمسيرات على إسرائيل ولا غيرها ولن تطلق ندافع عن أنفسنا فقط .
    حتى الجيش يضرب المسلحين المتمردين بحرص شديد .
    هناك مقولة انظر من شباك بيتك اذا احسست بالخوف اذا لم ترى عدوك عد لتنام

    شكرا

    1. يا رحالة اطمئن.. إسرائيل يدها ملوثة بدماء الضحايا الأبرياء، فهي حتى في التلوث لا ترى في بورتسودان شرف ان تضربها إسرائيل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..