أهم الأخبار والمقالات

سيادة رئيس الوزراء: التصالح مع الشمولية… تسامح مع الفساد الذي أعلنتم محاربته

عبد القادر محمد أحمد / المحامي

أصبح الناسُ يملُّون قراءةَ مقالاتِ الشتمِ والتهجُّمِ على الإسلاميين (التيار الحاكم)، وتجاوزاتهم في حقِّ الوطن. وحتى إن أتى الحديثُ بجديدٍ من التجاوزات، فلا يُثير دهشتَهم. لذا باتوا يتجنَّبون قراءةَ المقالاتِ التي تؤدِّي إلى المزيد من فقدانِ الأمل في نجاةِ الوطن من أزمتِه الحالية.

إنّ الدمارَ الشاملَ الذي لحقَ الدولةَ في منشآتها وذاكرتِها وتاريخِها وإنسانِها وممتلكاتِه، جعلَ الناسَ يتوقّعون أن يُغيِّر الإسلاميون تفكيرَهم، ويقرِّروا إنهاءَ الحربِ سلمًا، ومراجعةَ تجربتِهم، والاعتذارَ للشعب، والاعترافَ بحقِّه في السلامِ والحريةِ والديمقراطيةِ وسيادةِ القانون ومحاربةِ الفساد. لكنهم ظلّوا ممسكين عن كسرِ الصورةِ النمطيةِ عنهم، والتي أنتجت كمًّا هائلًا من الكراهيةِ المتبادلةِ بينهم وبين الشعب.

أقول ذلك بمناسبة ما رشح من اتّهامِ بعثةِ الحج لهذا العام بالفساد، ودورِ قنصليتنا بجدة. وما رأيناه من فيديوهاتٍ وسمعناه من الطرفين، يُؤكّد هذا النوعَ الجريءَ من الفسادِ الذي يمشي على أرضِ الحرمين رافعًا الرأس، ليأكلَ من هديِ الحجاجِ، ومن ترحيلِهم وسكنِهم وقوتِهم، ثم يتجرّأ على الله، ويشاركَهم لبسَ الإحرامِ والطوافَ والدعاء.

ثم قرأتُ تصريحاتِ السيّدِ رئيسِ الوزراء بشأنِ تشكيلِ لجنةٍ للتحقيق، وتعهدِه بمكافحةِ الفساد، وما سبقه من تصريحاتٍ للسيّدِ رئيسِ مجلسِ السيادة في ذاتِ الخصوص. غير أنّ ذلك لا يعني اجتثاثَ الفساد، وإن طالَ العقابُ بعضَ المتّهمين، فهو ليس فسادًا عارضًا ولا فرديًّا، بل هو من طبيعةِ الشموليةِ التي أفرزَها صراعُ السلطةِ وغلبةُ انقلابِ أكتوبر؛ فعمَّ أجهزةَ الدولة، ورافقَها إلى بورتسودان، وتعايشَ مع الحرب.

إنَّ الفسادَ والحربَ وعدمَ الاستقرارِ والتنميةَ، أمراضٌ عارضة، أدركَ السودانيون منذ زمنٍ أنَّ سببَها صراعُ السلطة، وعلاجَها المستدامَ يكمن في:

التداولِ السلميِّ للسلطة،

العدالةِ في توزيعِ الثروة،

التنميةِ المتوازنة،

ومبدأ المواطَنة.

لكن، ظلّ العلاجُ معقَّدًا، تعترضُه عدةُ عقبات، يهمُّنا منها هنا: مشروعُ الإسلاميين السلطويُّ الأحادي، القائمُ على استغلالِ الدينِ لصالحِ الحكمِ الشموليِّ، وقفلِ الآذان أمام مناشداتِ الآخرين بخطورةِ المشروع.

إلا أنَّ شراسةَ وتعقيداتِ هذه الحرب، وآثارَها المدمِّرة للجميع، وشواهدَ عدمِ حسمِها بالبندقية، جعلَتِ التمسّكَ بالحلِّ الجذريِّ أكثرَ إلحاحًا. ولذلك لا يزالُ الناسُ يأملون أن يتواضعَ الإسلاميون للوطن، ويقوموا بمراجعاتٍ واقعيةٍ وفكريةٍ جادّة، تقود إلى:

1- الإقرارِ بأنَّ نماذجَ الحكمِ الإسلاميِّ بطبيعتِها تؤدّي إلى الاستبدادِ والفساد (السودان وإيران مثالًا)، في مقابلِ أنظمةٍ مدنيةٍ فصلتْ بين الدينِ والسياسةِ دون أن تُقصيَ دورَ الدينِ في المجتمع، ونجحتْ في محاربةِ الفسادِ وتحقيقِ الاستقرارِ والتنمية (إندونيسيا وماليزيا مثالًا).

2- الاعترافِ بالتنوّعِ الدينيِّ والثقافيِّ في السودان، بما يؤدّي إلى رفضِ الإسلامِ السياسيِّ كمشروعٍ إقصائيٍّ، مع الإيمانِ بأنَّ الدينَ قيمةٌ روحيةٌ جامعة، والسياسةَ أداةٌ لإدارةِ التنوّعِ بعدالة. وهذا يستوجبُ إعادةَ تعريفِ العلاقةِ بين الدينِ والدولة، بما يُعزّز الحريةَ والعدالةَ والمواطَنةَ للجميع.

3- الشموليةُ بطبيعتِها تقودُ إلى الظلمِ والفسادِ والاستبدادِ والاستقطابِ وتشظّي المجتمع، وهذا كلّه يتناقضُ مع قيمِ الدين، ممّا يُحتّمُ عدمَ استخدامِه كوسيلةٍ للهيمنة، بل كمصدرِ إلهامٍ أخلاقيٍّ يُعزّز الكرامةَ الإنسانيةَ والخيرَ للجميع.

4- المراهنةُ على تجربةِ طالبان الشموليةِ مراهنةٌ خاسرة، فقد فشلتْ في نيلِ الاعترافِ الدوليِّ، فواجهتِ المقاطعةَ وتجميدَ أموالِها، ومشاكلَ الفقرِ والبطالة. أما نجاحُها في فرضِ الشمولية، فلضعفِ الوعيِ السياسيِّ والحقوقيِّ، عكسَ ما عليه حالُنا، حيث نجدُ وعيًا متمسّكًا بالدولةِ المدنيةِ الديمقراطية، وهو وعيٌ مرشَّحٌ ليشكّل تيارًا أقوى مما كان عليه قبل الحرب.

5- ربطُ الدينِ بتحقّقِ مشروعٍ سياسيٍّ خاصٍّ، ولو أدّى ذلك إلى الفوضى وسفكِ الدماءِ وتقسيمِ الوطن، هو في ذاتِه مخالفٌ لأصولِ الدين. كما أنّ التقسيمَ لن يُنتجَ الحلَّ، ففكرةُ الدولةِ الدينيةِ محلُّ اختلافٍ بين المسلمين، وحتّى وسطَ الإسلاميين أنفسِهم، هناك تياراتٌ إصلاحيةٌ ترى فصلَ الدينِ عن السياسة. وتاريخيًّا، نجدُ الإسلامَ متعدّدَ المدارسِ الفقهيةِ والفكرية.

6- رسّختْ تجربةُ الإنقاذِ نموذجًا مشوَّهًا للإسلامِ السياسي. لذلك، ستظلُّ الدولةُ الدينيةُ تواجهُ المصاعبَ داخليًّا وخارجيًّا، وتفشلُ في الاستقرارِ والتنمية، وتُصبحُ عرضةً للابتزازِ الخارجيِّ والتنازلاتِ على حسابِ كرامةِ الوطنِ وترابِه (وقد حدث).

7- الدولةُ المدنيةُ خيارُ غالبيةِ الشعب، وفقَ ما كشفَ عنه الحراكُ الثوري. ولا يُفسَّرُ وقوفُ جزءٍ من الشعبِ مع الجيشِ في الحرب بأنه نكوصٌ عن المدنية. فهناك فرقٌ بين الدعوةِ لإبعادِ الجيشِ عن السياسةِ حرصًا على مهنيّتِه، وبين دعمِه عند قيامِه بدورِه ضدَّ ما قد يُهدِّد الوطنَ في وجودِه، أيًّا كانت الملابسات.

8- لا يُبرَّرُ التمسّكُ بالحربِ بالقولِ بأن قادةَ قوى الحرية والتغيير هم من أشعلوها، ويجب إقصاؤُهم. فقوى الحرية تمثّل أحدَ مكوناتِ قوى الثورة، ولم تتوقّفْ عن مناشدةِ الجيش، وأنتم كحاضنةٍ سياسية، لوقفِ الحرب عبرَ الحلولِ السلمية. أما مسألةُ تحديدِ المسؤوليةِ عن اندلاعِ الحرب، فهي من اختصاصِ الجهاتِ العدلية. والترتيباتُ السياسيةُ لما بعد الحرب، هي شأنٌ وطنيٌّ يخصُّ جميعَ القوى السياسيةِ الممثلةِ للشعب. ولسنا هنا بصددِ تصفيةِ الخصوماتِ السياسية، ودوامةِ صراعِ السلطة.

إنَّ واجبَ اللحظةِ يفرضُ على الإسلاميين أن يُعيدوا النظرَ في تجربتِهم ومواقفِهم، من منطلقِ المسؤوليةِ الوطنيةِ والأخلاقية. فالإصرارُ على ذاتِ النهج لم يعد يُجدي، والبلادُ لم تعد تحتمل. ومن الحكمةِ أن يُقدَّمَ الوطنُ على المشروع، وأن تُغلَّبَ المصلحةُ العامةُ على الغلبةِ السياسية.

بالعودةِ إلى السيّدِ رئيسِ الوزراء، رغمَ غموضِ ملابساتِ تعيينِكم، وعدمِ وضوحِ برنامجِكم، فقد رأينا فيكم، كمدنيٍّ مستقل، بارقةَ أملٍ في أفقِ الأزمةِ الخانقة.

وتشبُّثًا منّا بالأمل، نتفهّمُ دعمَكم للحربِ كموقفٍ مرحليٍّ إلى حينِ التوصّل إلى اتفاق، غيرَ أنَّ الأوضاعَ العسكريةَ في تفاقمٍ يستوجبُ التعجيلَ بالحل. لا نشكك في الجيشِ ومقدراتِه، لكننا نحرصُ على الأرواح، وتجنّبِ المزيدِ من الدمار، وتعقيداتِ ومفاجآت التدخّلاتِ الخارجية. لذلك، فإنَّ الحلَّ الوطنيَّ السلميُّ أولويةٌ لا تحتملُ التأجيل.

إنّ التدخّلاتِ الخارجيةَ جاءت من ثغراتِنا الداخلية، وهي لا تُبرّرُ التخلّي عن السعي إلى حلٍّ وطنيٍّ. ومتى ما شعرتم بما يمسُّ كرامةَ الوطنِ واستقلالَه، فانسحبوا منها، فالحربُ مستمرّةٌ أصلًا، ما لم يتم الاتفاق على وقفها.

الحديثُ المعزولُ عن مكافحةِ الفساد، فلا يستقيم، فهو الابنُ الشرعيُّ للنظامِ الشموليِّ الذي تتولّون رئاسةَ وزارته. ولم نسمعْ منكم ما يُبشِّرُ بالشروعِ في حلِّ أزمتِه السياسية، في اتجاهِ دعمِ العودةِ إلى مسارِ الثورة، ومطلوباتِ التحوّلِ الديمقراطيِّ الحقيقي. وهو أمرٌ لا يحتملُ التكتيكاتِ الخفية، إن وُجدت.

رغم محدوديةِ تواصلكم بشأنِ تشكيلِ الحكومة، فإننا نأملُ أن يأتي التشكيلُ في اتجاهٍ يدعمُ الخروجَ من أزمةِ البلاد. أمّا إذا كنتم مجرّدَ داعمٍ لإدارةِ مشهدٍ مأزوم، كما يعتقدُ البعض، فإنَّ ذلك يُعدُّ انتحارًا سياسيًّا ووطنيًّا، وهو ما لا نتمناه لكم.

التمسّكُ بمسارِ الثورةِ لا يعني أننا نطالبُكم بترجيحِ خيارٍ على آخر، فالأمرُ ليس خيارَ غالبيةِ الشعبِ فحسب، بل لأنه لا مجالَ للمفاضلةِ بين الديمقراطيةِ والشمولية، ولا بين الحريةِ والعبودية، ولا بين سيادةِ القانونِ والفوضى، ولا بين النزاهةِ والفساد.

نسألُ اللهَ أن يُوفّقَكم لما فيه خيرُ البلادِ والعباد.
[email protected]

‫5 تعليقات

  1. لقد أسمعت إذ ناديت حياً ..
    لكن هذا الدعي المزوراتي ما هو إلا دمية طيّعة في يد عصابات الإفك والضلال والمشروع الإرهابي الهالك ولا يملك قرار نفسه بل يتلو ما يملوه عليه أسياده الذين أتو به كاراجوز وزراء وهم 3 أطراف يتفقون على إذلال الشعب وتدمير الدولة وتفكيك أوصالها ليتسنى لهم نهب وسرقة كل ما تطاله إياديهم القذرة ويختلفون في رؤية الحل لما أوصلونا إليه قاتلهم الله .. الطرف الأول هم الكيزان وحلم العودة للحكم والطرفا لثاني حلم الحكم الذي يعيشه الباطل الني السجمان ود الحلمان والطرف الثالث خارجي وهو الحكومة المصرية التي سمّته بالإسم وأوصت بتعيينه بعد أن تم تدجينه لخدمة مصالحهم .

  2. الشتم والتهجم علي الإسلاميين الدائم من القحاحيط إنما هو شماعة يعلقون عليهم فشلهم والذي حدث خلال الفتره الانتقاليه وبعد ثورة ديسمبر المشؤمه وحتي الان لم يقطعوا السنتهم أو تجف اقلامهم باقذر العبارات والشتائم والتي تنم علي سوء التربيه والتغذية من البيوت و التي خرجوا منها ‘
    ماذا فعلت الحركه الاسلاميه والاسلاميه حتي يستحقوا منكم كل هذا؟؟!
    لقد حافظت الحركة الاسلاميه علي البلاد والعباد 30 عاما وانتم ضيعتوها في أربعة سنين عجاف واشعلتم الحرب
    فمن الذي يستحق اللوم والعتاب

    1. الشايقية يبرو منك
      ومازلت تتعابط
      القحاطة فعلا كانوا في الحكومة بالاسم. والحاكم الفعلي هم توافه ومخنثي الحركات الإسلامية البغيضة ومتى تخلى الكيزان التوافه عن السلطة كان العسكر يعقلون اي مشروع وطني لصالح الحركات الإسلامية البغيضة

  3. لعنة الله على الكيزان المنحرفين اللصوص المجرمين زناه نهار رمضان
    جلبوا البلاء للبلاد بسلوكهم وفجورهم وتصرفاتهم اللا دينية
    الدين الإسلامي براء من الحركه الاسلاميه ومن شايعها من الحراميه والمنتفعين (ضبان الجيفة)
    لعنة الله عليكم ليل نهار

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..