مقالات سياسية

بناء دولة المؤسسات: ضرورة الكفاءة والنزاهة في تشكيل الحكومة السودانية

صدى الوطن .ادم أبكر عيسي

في مقال سابق، تناولتُ معضلة تشكيل حكومةٍ توازن بين الكفاءة الوطنية وتحقيق تطلعات الشعب في استعادة الأمن والاستقرار، ودحر التمرد، وحشد الطاقات لتحرير كامل التراب الوطني. يواجه رئيس الوزراء الانتقالي تحدياتٍ جسامةً ومسؤولياتٍ عظمى في هذا الصدد، تتمثل في التوافق على أفضل الكفاءات الوطنية القادرة على تنفيذ استراتيجيات الدولة، وتجاوز مشكلاتها من خلال طرح حلولٍ وطنيةٍ فعّالة.

مخاطر “الشلة” وضرورة معايير الاختيار:

يُلاحظ في كثير من الأحيان، عند تشكيل الحكومات، بروز ما يُعرف بـ”الشلة”، وهي جماعات ضيقةٌ من أصحاب المصالح الذين يسعون إلى تمرير أجنداتهم الخاصة، واختيار شخصياتٍ مواليةٍ لهم، بغرض الحفاظ على مصالحهم التاريخية، التي ترتكز على زواج المال والسلطة. تُعد هذه الجماعات من أخطر أنواع جماعات الظلام، لأنها تعمل بعيداً عن مصلحة الوطن والشعب، وترى في تحقيق مصالحها الذاتية هدفاً أعلى من أي اعتبار آخر، حتى لو تطلّب ذلك إهمال معاناة الناس، أو تفشي الفوضى والتمرد. ولذلك، يتوجب على رئيس الوزراء وضع معاييرَ شفافةٍ وصارمةٍ لاختيار أعضاء الحكومة، أبرزها:

* المؤهلات الأكاديمية: يجب أن يتمتّع كل مرشّحٍ بمؤهلٍ أكاديميٍّ على الأقلّ (بكالوريوس) في مجالٍ ذي صلةٍ بالمنصب الذي يُرشّح له.
* الكفاءة والخبرة: يجب أن يتمتّع المرشّح بكفاءةٍ عاليةٍ وخبرةٍ عمليةٍ تُؤهّله للقيام بمهامه على أكمل وجه.
* النزاهة والاستقامة: يجب أن يتمتع المرشّح بسمعةٍ طيبةٍ، وأن يكون بعيداً عن أي شبهات فسادٍ أو تورطٍ في أعمالٍ غير قانونية.

لا يمكن نهضة أي دولةٍ ما لم تعتمد على الكفاءة الوطنية والتخصصية في العمل، وهذا لا يتعارض مع حصص الأطراف المشاركة في العملية السلمية، بل هو شرطٌ أساسيٌّ لنجاحها.

المعيار الجغرافي والعدالة في التمثيل:

يُعدّ المعيار الجغرافي عاملاً مهماً في اختيار الكفاءات الوطنية، وربما يتطلب الأمر بعض الوقت لتحقيقه، ولكن من الضروري تحقيق العدالة والمساواة والإنصاف بين جميع مكونات المجتمع السوداني. يجب أن تكون للولايات والأقاليم تمثيلٌ مناسبٌ في الحكومة المقبلة، مع مراعاة معايير الكفاءة المطلوبة لكل وزارة، وتجنّب مبدأ القبلية في التمثيل، لما له من آثارٍ سلبيةٍ، تجلّت في تجارب سابقةٍ، نتج عنها نتائج كارثية، أدّت إلى تقويض هيئة الدولة، وجعلت القبيلة وسيلةً لنيل السلطة والثروة. هذا الأمر يُسهم في إضعاف الدولة ويزيد من احتمالية التمدد اللاعقلاني.

فرض هيبة الدولة ومواجهة خطاب الكراهية:

يُعدّ فرض هيبة الدولة خطوةً بالغة الأهمية لمنع أي انزلاقٍ مستقبلي، ولا يتأتى ذلك إلا من خلال تطبيق نهج المواطنة القائم على الحقوق والواجبات، وسنّ قوانينٍ صارمةٍ تُعاقب كل من يبثّ خطاب الكراهية، أو يُهدد كيان الدولة أو رموزها.

إنّ بناء دولةٍ قويةٍ ومستقرةٍ يتطلب بناء دولة مؤسسات، تعتمد على الكفاءة والنزاهة والشفافية في جميع مؤسساتها، بدءاً من الحكومة. يجب أن يُعطى الأولوية للمعايير الموضوعية في اختيار القيادات الوطنية، من أجل تحقيق العدالة والإنصاف، وبناء مستقبلٍ السودان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..