بوح الليل ..

بسم الله الرحمن الرحيم
حسن عثمان طه
حين يهبط الليل ، تسكن المدينة وتخفت الأصوات ، لكن هناگ صوتًا آخر يتردد في أعماق القلب ، همسات لا يسمعها أحد ، وأحلام تهمس للنجوم بما عجز النهار عن احتوائه .
الليل ظلام يمتد في الأفق ، لكنه رفيقٌ لمن أثقلتهم الحياة ، ملاذٌ لمَن تاهت خطاهم بين تقاطع الأمل واليأس .
إنه المساحة الوحيدة التي لا تخون المشاعر ، حيث تنكشف الأوجاع في الصمت ، وتبوح الأرواح بما لم تستطع قوله بين ضجيج النهار .
_أيتها الحياة، أما آن لگِ أن تهدأي قليلًا؟
لقد مضت السنوات ، وأخذت معها أكثر مِما منحت ، تأرجحنا بين الخيبات والإنتظار ، بين الحُلم الذي يتلاشى والواقع الذي لا يكترث لأوجاعنا .
لم نعد كما كُنا ، فقد سرقتِ مِنا بعضًا من بريقنا ، وأرهقتِ أرواحنا حتى باتت مُتعبة لا تقوى على الركض خلف الأمل .
_إبتساماتنا خفتت ، والفرح صار بعيدًا ، كأنه سرابٌ نحاول الإمساگ به فلا نجده .
صار الحُزن يسكن أعماقنا بلا استئذان ، ونظراتنا تحكي قصصًا لا تُقال ، وأصواتنا تحمل رجفةً لا يفهمها إلا مَن إقترب بما يكفي ليقرأ ما وراء الكلمات .
_نتظاهر بالقوة ، نردد كلماتٍ تحفظ كبرياءنا أمام الآخرين : “أنا بخير”، بينما الحقيقة عكس ذلگ تمامًا .
_نخفي وجعًا تحت ستار الصمت ، ونغلفه بعزة نفس تأبى الإنكسار ، لكن مَن يفهم؟
_تبًا لِعزة النفس حين تصبح حاجزًا يمنعنا عن البوح ، وسحقًا لواقعٍ يخلو من الاحتواء ، يجعلنا نكتم الألم حتى حين يكون البوح هو المخرج الوحيد .
_بعض الأوجاع لا تُكتب ، لكنها تظهر في لمعة العين المنطفئة ، في تلگ الرجفة التي تعبر الصوت حين يحاول صاحبه أن يبدو قويًا ، لكنها تبقى ، عالقة بين القلب والذاكرة ، تثقل الأيام وتجعلها أكثر قسوة .
_ورغم كل شيء ، يبقى الأمل حاضرًا ، هشًا لكنه موجود ، ضعيفًا لكنه لا ينطفئ تمامًا .
_وربما يأتي يومٌ يحتضن فيه الواقع أحلامنا بدل أن يسحقها ، وربما نجد ذلگ الدفء الذي يجعل الحياة أقل قسوة ، وأكثر رحمة مِمَا عهدناها .
#ختام_البوح ..
وفي نهاية بوح الليل ، يبقى القلب رغم كل شيء متمسكًا بشيء من الأمل ، حتى لو كان هشًا ، حتى لو كان بعيدًا .
فالأيام قد تأخذ مِنا الكثير ، لكنها لا تستطيع أن تطفئ ذلگ الضوء الصغير الذي يسكن أعماقنا، ذلگ الإيمان بأن الغد قد يحمل لنا شيئًا مختلفًا ، أكثر دفئًا ، أقل قسوة .
لعلّ الليل كان شاهدًا على أوجاعنا ، لكنه أيضًا يهمس لنا بأن الفجر قريب ، وبأن ما يبدو الآن ظلامًا دامسًا ، قد يكون مجرد صفحة أخيرة في فصل سينتهي قريبًا .
فليكن الليل مرفأً للبوح ، لا مستقرًا للألم ، ولتبقَ قلوبنا رغم كل شيء ، متمسكة بذلگ الخيط الرفيع الذي يقودها نحو ضوء جديد .