مقالات سياسية

تفنيد أوهام عثمان ميرغني ودفاعه الملتوي عن الكيزان

أليس للاستهبال حدود؟!

حسن عبد الرضي الشيخ

في مقاله المنشور بتاريخ ١٧ يونيو ٢٠٢٥ تحت عنوان “رؤية تحالف صمود”، يقدّم الصحفي عثمان ميرغني درسًا حيًّا في الاستهبال السياسي المغلّف بثوب “الحياد الصحفي”، وهو حياد مشبوه ظلّ يمارسه لعقود، ليبرّر به موقفه الحقيقي: الدفاع عن الكيزان، تارة بالتلميح، وأخرى بالتضليل، وثالثة بالدعوة إلى “الواقعية السياسية” التي لا تعني سوى إعادة تدوير نفايات الإنقاذ.

مقال عثمان الأخير لا يختلف عن سابقاته في بنيته، فهو يبدأ بدغدغة القارئ بـ”التفاؤل”، ثم ينسل بسلاسة نحو التقليل من شأن تحالف “صمود”، في ممارسة صحفية قد تُدرّس كأنموذج في التلاعب بالرأي العام. دعونا نكشف زيف هذا الخطاب ونفكك منطقه الأعوج.

أولاً: من ينتقد من؟!

عثمان ميرغني يفتتح مقاله بنبرة الأستاذ المتفوق على الجميع، ناقدًا وثيقة “صمود” بأنها “مقال طويل يفتقر إلى التماسك”. والسؤال هنا: منذ متى كانت مقالات عثمان نفسها تمثل قممًا في التماسك السياسي أو العمق الفكري؟ هذا الكاتب نفسه هو من دوّن قبل سنوات مقالات يغازل فيها “مشروع إيران” ويصف تجربة الخميني بـ”الملهمة”، قبل أن يرتد على عقبيه حين تغيرت الرياح الدولية.

ومن ثم، فإن نقده لتحالف “صمود” لا يصدر عن نزاهة أو رغبة في الإصلاح، بل عن امتعاض دفين من كل ما يُشتمّ منه رائحة ثورية حقيقية، لأن الثورة، في عرف عثمان، هي مجرد خطوة مؤقتة لإعادة التفاوض مع المجرمين، لا لاجتثاثهم.

ثانيًا: ماذا يريد عثمان ميرغني بالضبط؟

يريد عثمان أن يُقنعنا أن الثورة “انتهت” في ١١ أبريل ٢٠١٩، وأن أي حديث عن “استكمال الثورة” هو “شح خبرة”! هل يعقل هذا؟!

هل انتهت الثورة عندما تم تقاسم السلطة مع العسكر؟
هل انتهت الثورة حين ظلّت قوات الدعم السريع تجلس على كراسي الحكم؟
هل انتهت الثورة قبل أن يُسلَّم البشير للمحكمة الجنائية؟
هل انتهت الثورة بينما الكيزان يتسللون من نوافذ العدالة مثل الأشباح؟!

ما يريده عثمان هو دفن الثورة في مقبرة التحالفات “المدجنة”، وإقناع الناس أن الوقت حان لـ”بناء الدولة” مع نفس القوى التي دمّرت الدولة! وهذا في حد ذاته قمة التناقض الأخلاقي والسياسي.

ثالثًا: الانتقال الطويل… هل المشكلة في طول الطريق أم فيمن يقطع الطريق؟

يسخر عثمان من اقتراح “صمود” لفترتين انتقاليتين مجموعهما عشر سنوات، متسائلًا: هل نحتاج ٨٠ عامًا للوصول إلى الديمقراطية؟ وهنا، يتجاهل عمدًا الحقيقة التالية:

أن السودان، منذ الاستقلال، لم يُمنح سوى سنوات شحيحة من الحكم المدني، مقابل عقود طويلة من الانقلابات والتسلط.

السؤال الذي يجب طرحه هو: هل الانتقال الطويل كارثة بحد ذاته؟
أم أن الكارثة الحقيقية هي أن يُدار الانتقال بنفس العقول التي انقلبت عليه سابقًا؟!

التحالف يقترح انتقالًا طويلًا لأنه يدرك حجم الدمار الذي خلّفه الإسلامويون والعسكر. بناء الدولة يحتاج إلى وقت، لا إلى استعجال يقود إلى سقوط جديد.

رابعًا: نقد بلا بدائل… لماذا لا يُقدِّم عثمان شيئًا؟

المفارقة أن عثمان يتهكم على تحالف “صمود” لأنه – حسب قوله – لا يقدّم شيئًا جديدًا، لكنه هو نفسه لا يقدّم بديلاً. لا يقترح طريقًا للسلام، ولا يقدم رؤية لما بعد الحرب، ولا يتحدث عن العدالة الانتقالية، بل يُغرق القارئ في النحيب على “غياب الخبرة”، دون أن يعترف أن الخبرة التي يشيد بها قادت السودان إلى الحرب الأهلية والدمار!

الصحافة النزيهة لا تكتفي بالتقريع، بل تطرح تصورات وتفتح حوارات وتحرّض على التغيير البنّاء، أما ما يفعله عثمان فهو ببساطة إعادة إنتاج للنقد “الانتهازي” الذي يخدم بقاء القديم.

وأخيرًا: من يجرّم من؟

ينهي عثمان مقاله بالقول: “آمل أن يجد النقد مساحة للقبول والاستفادة بدلاً من تجريمه واعتباره رجسًا من عمل الشيطان.”

ونحن نقول: لم يجرّمك أحد، ولكن من حق هذا الشعب أن يسألك: أين كنت عندما كانت الثورة تُذبح في صمت؟ وأين تقف اليوم وأنت تهاجم محاولات شابة للبحث عن الخلاص؟

من المعيب أن تتقمّص شخصية الناقد المحايد، وأنت لم تكن يومًا محايدًا، بل كنت دائمًا أقرب إلى منطق التسويات الخبيثة، التي تُلبِس الثورة ثوب الواقعية حتى تخنقها.

في الختام:

عثمان ميرغني ليس خصمًا للكيزان، بل خصيمًا للثورة حين تكون جذريّة، وللحقيقة حين تكون فاضحة، وللشباب حين يرفضون “التجريب القديم”.
أما “صمود”، فإنها تخطو خطواتها الأولى، وقد يصيبها التلعثم، لكنها لا تزيف الوعي، ولا تسوّق الباطل باسم العقلانية.

فهل حقًا “أليس للاستهبال حدود”؟
نعم، هناك حدود… لكن يبدو أن عثمان ميرغني لا يعترف بها!

[email protected]

‫5 تعليقات

  1. عثمان مرغني كوز كامل الدسم والكثرين يعلمون هذا الأمر
    الكيزان من أجل استعادة سلطتهم المخلوعة اصطفوا جميعا وظهر مدعي الاستقلالية والدفاع عن حقوق الشعب ومصلحة الوطن منهم امثال المرغني على حقيقتهم. جماعة الكيزان يعتبرون امر السلطة والحكم شان خالص لهم لا يجوز لاحد غيرهم مجرد التفكير فيه
    وعثمان مرغني كغيره من الكيزان يعتبرون اي تقدم او نهوض للسودان لابد أن تكون بايديهم وعبر تنظيمهم رغم كل الكوارث التي حلت ببلادنا منذ ان استولوا على السلطة في العام 89 وحتي يومنا هذا

  2. أخونا حسن ، هذا سنجك أصلي فنان في الإستهبال وهو معروف لدينا منذ القدم وليس بجديد عليه التلون كيفما يشاء وفي كل الأوقات وليس له مثيل سوى إبن آوى .. عموماً هناك صحفيين وكتاب وإعلاميين شرفاء ومحترفين كثر يجلسون له بالمرصاد على سبيل المثال لا الحصر: المرحوم الفاتح جبرا والدكتور المحنك مرتضى الغالي .. كل طاغية وديكتاتور ومستهبل ومنافق معروفة نهايته . نسأل الله أن يخصلنا من أمثاله ويكفينا شره ودسائسه عاجلاً وليس آجلاً ..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..