مقالات وآراء سياسية

حامي البيضة أم راعي الخراب؟ قراءة نقدية في مقال عثمان ميرغني عن إيران

حسن عبد الرضي الشيخ

 

في مقاله المنشور يوم الاثنين ١٦ يونيو ٢٠٢٥م بعنوان “إيران.. هل كانت في حاجة لقنبلة نووية؟”، يحاول الصحفي عثمان ميرغني أن يرتدي جبة الحكمة والاتزان بعد أن سقطت كل أوراق التوت عن المشروع الإيراني، وبعد أن لحقت الهزيمة تلو الأخرى بما كان يسوّقه طويلاً على أنه “محور مقاومة”، بينما هو في الحقيقة محور الطغيان والدمار والاستعلاء الطائفي.

 

لقد ظل عثمان ميرغني، لعقود، يُهوّم في غرام إيران، يسبّح بحمدها، ويتغنى بـ”عمقها الاستراتيجي”، وينظر لها كراعية الإسلام وملهمة التحرر، لا لشيء سوى لأنها دعمت النظام الإخواني في السودان، وساندت بقاء الطغمة التي دمّرت البلاد وأهلكت العباد.

 

أولاً : تناقض صارخ ومراوغة مفضوحة

 

في مقاله الأخير، يُطلّ عثمان علينا بلغة توحي كأنّه كان دومًا من دعاة الحياد، يدعو إيران لنبذ النووي وتبني الاقتصاد. لكننا نسأل: أين كانت هذه الحكمة حين كانت إيران تُرسل السلاح والميليشيات، وتتباهى بقبضتها على أربع عواصم عربية؟

لماذا لم يكتب عثمان حرفًا واحدًا ينتقد هذا السلوك التوسعي البغيض؟

بل لماذا كان هو وبعض رفاقه يكفّرون من يجرؤ على انتقاد إيران أو يتحدث عن طائفيتها المدمّرة؟ هل كان ضمير عثمان نائمًا حتى استيقظ على وقع الصواريخ الإسرائيلية تنهال على منشآت إيران؟

 

ثانياً : إيران ليست ضحية.. بل فاعل رئيس في خراب المنطقة

 

يتحدث عثمان عن “قنبلة نووية غير قابلة للاستخدام”، ويتذاكى بتحليل جيواستراتيجي حول حجم إسرائيل ومساحتها وطبيعة القدس، لكنه يتجاهل السؤال الأهم:

هل إيران تسعى أصلاً لردع إسرائيل، أم للسيطرة على العالم العربي؟

 

لو كانت إيران حقًا تسعى لحماية المسلمين، لساندت الثورات لا الأنظمة القامعة، ولوقفت مع شعوب سوريا واليمن والعراق والسودان، بدل أن تدعم المستبدين والميليشيات.

لكن الحقيقة أن إيران سعت إلى تحويل القضية الفلسطينية إلى ورقة مساومة دولية، لا إلى هدف للتحرير. والسلاح النووي ـ حتى لو لم يُستخدم ـ كان غطاءً لهذه الطموحات الإمبراطورية لا غير.

 

ثالثاً : عثمان ميرغني .. حين تتأخر الصحوة

 

نحن لا نرفض أن يتوب الصحفي عن غيّه الفكري، ولكننا نرفض أن يتسلل إلى خطاب الحياد بعد أن أُحرقت سفينة حلفائه.

فما يفعله عثمان الآن أشبه بمن كان يُشعل النار في بيت الجيران لسنوات، ثم يأتي بعد أن أكلت النار كل شيء ليقول: “يا جماعة، أليس من الأفضل استخدام الطاقة الشمسية بدلاً من الحطب؟”

 

لو كانت هذه الرؤية موجودة عند عثمان ميرغني قبل الحرب، لقلنا إنه من الحكماء. لكنه كان صامتًا عن الجرائم الإيرانية، بل مبررًا لها، مشاركًا في اغتيال الرمزية الوطنية لكل من عارض المشروع الإيراني، سياسيًا أو إعلاميًا.

 

رابعًا : من دعم “المحور” لا يحق له الآن التنظير للسلام

 

يكتب عثمان بنبرة الناصح لإيران: “كان الأفضل بناء نموذج تنموي مثل الصين”، وكأنها نصيحة بريئة من مراقب محايد. لكنه يعلم تمامًا أن إيران لم تكن تبحث عن تنمية، بل عن تفتيت المنطقة وبناء دويلات الميليشيا، وهي الخطة التي طالما دعمها عثمان بالصمت والتلميع وطمس الحقائق.

 

لقد كنا ننتقد إيران حين كانت تغتال شباب الثورة في العراق، وتقصف الأحياء السنية في دمشق، وتسلّح الحوثيين في اليمن، وتدعم البشير في السودان.

لكن عثمان كان يعتبرنا “خدماً للصهاينة”، و”أدوات غربية”، و”جهلة بالتحليل العميق”.

 

خامسًا : الذاكرة لا تموت

 

المقال الأخير لعثمان ميرغني، رغم لغته الهادئة، لا ينفصل عن تاريخه المهني والأيديولوجي. وما لم يعتذر صراحة عن خطايا الموقف القديم، فلا فائدة من مقال يتذاكى بالنصائح.

فنحن نحتاج إلى نقد جذري للمشروع الإيراني، لا إلى رقع إعلامية تُقدَّم حين تشتد الأزمات وتنكشف العورات.

 

خاتمة : المواقف تُقاس بالحقائق لا بالنوايا

 

يا عثمان، لسنا ضد أن تكتب أو تحلل، ولكن لا يمكنك أن تخرج من معسكر الدعاية الإيرانية إلى معسكر الحياد دون أن تمر أولًا بمحكمة التاريخ وضمير الحقيقة.

فالكلمة التي دعمت الظلم لا تُغسل إلا بكلمة تفضح هذا الظلم. أما الكلمات الرمادية، فإنها في ميزان الحقيقة ليست سوى عتبة لمراوغات جديدة.

 

فإيران، كما كنت تقول، ليست حامية بيضة الإسلام، بل هي التي طبخت بيض العروبة على نار الطائفية، بينما كنتم أنتم، ايها الصحافيون، تمسكون المقلاة.

[email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..