كامل إدريس: رئيس وزراء بكامل الأحلام.. منقوص الواقع!

حسن عبد الرضي الشيخ
(مسطول ماشي على مجلس الوزراء، أوقفه الحراس وسألوه:
ـ انت ماشي وين؟؟
ـ قال ليهم: عاوز أبقى رئيس مجلس الوزراء أو عضو فيه.
ـ قالوا ليهو: يا زول، انت عوير؟؟
ـ قال ليهم: يعني ده شرط أساسي؟؟!!!)
بهذه النكتة، نفتح باب الدخول إلى النكتة الأكبر: السودان!
فقد أصبح الوصول إلى الحكم عندنا لا يحتاج شهادة جامعية، ولا برنامج سياسي، بل يكفيك أن تكون غائباً ذهنياً، أو حاضراً تمثيلياً، أو متقناً لفن الكلام الناعم على أرضية متكسرة.
و”ابن الحلمان”، راعي البقر الوطني ومؤسس مدرسة التردد السياسي الحديثة، فتح بوابة المجلس على مصراعيها لرجل اسمه “كامل”، بينما حكومته “ناقص”، وصلاحياته “هوائية”، واختياراته “معلّقة على حبل الغسيل الانتقالي”.
الرجل ـ كامل إدريس ـ ومنذ تكليفه، بدا وكأنه في عزلة روحية في معمل للطوباويات السياسية: يقلب دفاتر التنظير، ويقرأ على نفسه دعاء “الشفافية”، ويرشّ بخور التنمية البشرية في أرجاء الفراغ السوداني العظيم.
وبعد أن فرغ من زيارة بائعات الشاي، واستكمل العزائم والونسات، خرج علينا في خطاب تلفزيوني أشبه بإعلان عن منتجع سياحي في جزر المالديف، وليس بيان طوارئ من قلب دولة تنهشها الميليشيات ويجرفها الدولار، ويبحث فيها المواطن عن الأوكسجين، لا عن الأمل!
قال كامل إن حكومته “حكومة الأمل”!
يا سلام وسُكّر!
ولوهلة، خُيّل لي أنه يُعلن عن برنامج للمواهب الصغيرة، أو يدشّن ماراثون تمنّي جماعي على قناة “اللا واقع”. أما السودان، فقد بدا وكأنه آخر همّه، وربما آخر معرفته الجغرافية.
“الرؤية”، حسب وصفه، هي “نقل السودان إلى مصاف الدول المتقدمة”.
ونحن لا نُمانع، شريطة أن نبدأ أولاً بـ”نقل كامل إدريس نفسه” من الاستوديو إلى أي مكان يشبه الدولة، أو حتى يشبه الحكومة! لكنه لا يستطيع، لأن الحكومة طيف، والوزراء أشباح، والصلاحيات سراب، والكاميرا HD.
الطُرفة الكبرى، أن الرجل تحدّث عن “الصدق، الأمانة، الشفافية، العدل، التسامح” كقيم لحكومته، وكأن ابن الحلمان الذي عيّنه هو مانديلا في بدلة عسكرية، أو الأم تيريزا ببيان أركان حرب!
ثم انطلق في رحلة “التكنوقراطية الأسطورية”:
ـ لا حزبية (حلو.. لكن منو غرقك في وحل الأحزاب؟)
ـ لا انتماء (جميل.. لكن وين جيوش الكرامة الكيبوردية؟)
ـ لا فساد (أهاااااا؟ بالله؟)
ـ لا محاباة…
فقط إرسال السِيَر الذاتية على بريد إلكتروني كأننا نقدم في فرص تدريبية في سفارة السويد!
قال إن المعايير ستكون صارمة، والاختيار للأكفأ، بشرط أن لا يكون حزبياً، ولا فاسداً، ولا من هواة الفرجة السياسية.
يعني باختصار: الوظيفة متاحة.. بس ما في بني آدم تنطبق عليه الشروط!
في تلك اللحظة، نظرت إليّ زوجتي وقالت:
ـ “يا حسن، أنا ح أرسل سيرتي، يمكن أكون وزيرة التربية والتعليم!”
ضحكنا… ثم سكتنا… ثم فكرنا بجدية.
والله ليه لأ؟ على الأقل هي بتعرف جدول الضرب، وبتعرف إنو الكرامة الوطنية ما بتنرسل في مرفقات!
السؤال الفضائحي:
من يقرأ هذه السير الذاتية؟
من يفرزها؟
من يختار؟
هل في لجنة تقييم؟
هل في مداولات؟
ولا كامل إدريس قاعد يقرأها زي روايات أغاثا كريستي قبل النوم، وابن الحلمان بيعمل فيها رئيس نادٍ أدبي، والجماعة واقفين زي حرّاس مسرح بيستنى الممثلين الطاشّين؟
ولا يمكن نستنجد بالذكاء الاصطناعي؟ زي ما قالت النكتة التانية:
ـ “أرسلنا السيرة على الإيميل، ردّ علينا غوغل: نأسف.. لا نوظف وزراء في السودان!”
الخلاصة؟
لا في حكومة
لا في بلد
فقط سوق سياسية على الفيسبوك:
“مطلوب وزراء.. خبرة لا تقل عن ١٠ سنوات في التنظير.. العمل من المنزل، لأنو ما في دولة أصلاً!”
أما ابن الحلمان وشِلّته، فهم كمن نشر إعلاناً لسائق، بينما السيارة محترقة، ومركونة في حفرة، ومفتاحها ضائع منذ ١٥ ابريل ٢٠٢٣!
كل شيء في خطاب كامل كان مرتّباً:
الرؤية، الرسالة، القيم، المعايير…
الشيء الوحيد الغائب؟ الواقع!
ذاك الكائن المزعج الذي لا يمكن طباعته في ملف ويرد، ولا نسخه في منشور واتساب، ولا إذاعته في نشرة تلفزيون بورتوكيزان.
فهل نضحك؟
أم نبكي؟
والله نضحك أحسن.
(تنويه أخير: زوجتي ما زالت تفكر في إرسال سيرتها.. قالت لي الليلة: “لو ما بقيت وزيرة، على الأقل أديهم كورس مجاني في المنطق الرياضي، لأنو واضح هم ما عندهم نقطة منه!”)، ولا حكومة جديدة.
[email protected]