مقالات وآراء

خطوات عملية وعلمية في حرب السوق الموازي

عمر حامد – باحث اقتصادي، مؤلف كتاب “اقتصادي قيد النشر

في ظل الاضطراب الاقتصادي الحاد الذي يعيشه السودان، أصبحت السوق الموازية (السوداء) للعملات الأجنبية تلعب دورًا متزايد الخطورة، ليس فقط في توجيه سعر الصرف، بل في التحكم غير المباشر بأسعار السلع والخدمات، وتحجيم قدرة الدولة على تنفيذ سياسات نقدية مستقرة.

إن “حرب السوق الموازي” لا تُخاض بالشعارات أو بالتجريم القانوني وحده، بل تحتاج إلى خطوات عملية وعلمية منسقة تعالج أصل المشكلة لا مظاهرها.
أولاً: فهم ديناميات السوق الموازي
السوق الموازي لا يظهر من فراغ، بل من وجود:
– طلب حقيقي غير مُلبى على العملات الأجنبية
– فجوة بين السعر الرسمي وسعر السوق
– توقعات بعدم الاستقرار النقدي
– تحويلات خارج النظام المصرفي

بالتالي، فإن محاربة السوق الموازي تبدأ من تجفيف أسبابه، لا ملاحقة مظاهره فقط.
ثانيًا: إعادة الثقة في النظام المصرفي
الخطوة الجوهرية هي استعادة ثقة الأفراد والمغتربين في الجهاز المصرفي من خلال:
– توحيد سعر الصرف تدريجيًا وفق آلية واضحة وشفافة
– ضمان سهولة سحب وتحويل الأموال دون تعقيدات بيروقراطية
– إعطاء المغترب حوافز حقيقية للتحويل الرسمي (مثل الإعفاءات أو تسهيلات في الاستثمار)
ثالثًا: ضبط السيولة المحلية وترشيد الطباعة
أحد أهم أسباب تسارع السوق الموازي هو الإفراط في طباعة العملة المحلية دون غطاء إنتاجي أو نقدي، مما يُغرق السوق بسيولة تفقد قيمتها فورًا أمام الدولار.

هنا يجب على البنك المركزي:
– وضع سقف حقيقي للطباعة مبني على الناتج المحلي
– إصدار تقارير دورية عن السياسة النقدية بشكل شفاف
– التدرج في تقليل الاعتماد على التمويل بالعجز
رابعًا: رفع كفاءة أدوات الرقابة الذكية
الرقابة لا تعني إغلاق المحلات أو ملاحقة الصرافين فقط، بل:
– تتبع تدفقات العملات إلكترونيًا
– استخدام البيانات الكبيرة لتحليل حركات السوق
– دعم جهاز الجمارك لتقليل التهريب الذي يخلق طلبًا خارجيًا على الدولار
خامسًا: تحفيز الإنتاج والصادرات
طالما أن الطلب على الدولار مرتفع والاستيراد أكبر من التصدير، فلن تكسب الدولة هذه الحرب.
لا بد من:
– تحفيز صادر الذهب والثروة الحيوانية والصمغ العربي
– ربط المصدر بسعر صرف تفضيلي
– تخفيف القيود المفرطة على التجارة الخارجية الرسمية
الخلاصة
السوق الموازي ليس “عدوًا اقتصاديًا غامضًا”، بل نتيجة لسلسلة طويلة من القرارات والاختلالات.
والانتصار عليه لا يكون بإغلاق الصرافات، بل بإصلاح شامل لمنظومة الاقتصاد النقدي في السودان، يبدأ من العقلانية الاقتصادية وينتهي في ثقة المواطن.

[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..