خطاب في زمن التيه – بين الخيال والجنون

حسب الرسول العوض إبراهيم
من استمع بالأمس إلى خطاب كامل إدريس، سيجد نفسه تلميذًا في المرحلة الابتدائية، يجلس أمام أستاذ يشرح درسًا في مادة “الاجتماعيات” بعنوان: “الحكومة الراشدة وأسس الحكم المثالي”.
خطاب لا يمت بصلة إلى واقع السودان المضطرب ولا الى الحال المايل الذي يرزح تحته الشعب السوداني، بل يبدو وكأنه مشهد من يوتوبيا حالمة لا وجود لها إلا في الكتب المدرسية أو قصص الخيال العلمي.
بدأ كامل إدريس خطابه بشرح نظري مطوّل عن كيفية تكوين الحكومات الرشيدة، وماهية خصائصها، والمواصفات التي يجب أن تتوفر فيها من نزاهة، شفافية، وكفاءة. ثم انتقل بسلاسة إلى درس تعليمي موسّع حول أهم الوزارات التي ينبغي أن تشملها هذه الحكومة، مقدِّمًا نبذة مختصرة عن كل وزارة ومهامها، كأنه يقرأ من كتاب مبسط لتلاميذ المرحلة الابتدائية.
وبينما ينتظر الناس في السودان من قائد المرحلة خطابًا يتناول قضاياهم اليومية، من حرب ونزوح وانهيار خدمات، اختار كامل إدريس أن يحدثهم عن حكومة نموذجية تُبنى في زمان مثالي ومكان غير السودان، يمكنها إن تحققت أن ترتقي بالسودان إلى مصاف الدول المتقدمة. لكنه عاد واستدرك، أن الواقع السوداني لا يحتمل هذا النوع من الترف الخطابي فأقر بأن هذه الحكومة غير ملائمة للواقع الحالي، لأن الشعب لا يرغب الآن في تلك النقلة الحضارية الكبرى، بل يريد الماء والكهرباء والدواء وقبلهم يريد وقف الحرب.
الأدهى والاغرب من ذلك، أن الرجل اختتم خطابه بالإعلان عن فتح باب التقديم لتلك الحكومة المنشودة عبر تفعيل الخدمة المدنية، داعيًا جميع السودانيين إلى إرسال سيرهم الذاتية للترشح للمناصب! السؤال الذي يطرح نفسه هنا:
هل التقديم سيتم عبر الذهاب إلى بورتسودان وتسليم السيرة يدًا بيد؟
أم أن الدكتور كامل إدريس سيدشن موقعًا إلكترونيًا رسميًا لتلقي الطلبات؟
وإذا افترضنا مجرد افتراض أن الأمور سارت كما يشتهي كامل ادريس، فهل هناك “جهاز كشف” قادر على التحقق من أن المتقدم لا ينتمي لأي جهة سياسية أو تنظيم حزبي؟ الأمر فعلاً يتطلب شخصًا من أصحاب “الخيال الواسع”
دعونا نفترض أو نكون أكثر تفاؤلًا، أن الرجل أراد فقط أن يفكر خارج الصندوق بعد فشله في تشكيل الحكومة بالطرق التقليدية وأن هذه الفكرة التي طرحها هي نتاج “لحظة عبقرية” مجنونة. لكن حتى هذه العبقرية، إن صحّت تكون قد جاءت في غير زمانها ومكانها، أو ربما نقول ان الرجل “فات الكبار والقدرو”
خلاصة المشهد نستطيع أن نقول:
من أتى بكامل إدريس رئيسًا للوزراء إما أنه لم يكن بكامل قواه العقلية أو أنه لا يعلم شيئًا عن كامل إدريس بعد مغادرته لمنظمة “الويبو”.
صحيح أن الناس كانت تعرف كامل إدريس بصفته التكنوقراطي الذي كان يعمل في احد أفرع منظمة الأمم المتحدة، ولكن يبدو أنهم لم يتابعوا ما حدث للرجل بعد ان غادر تلك المرحلة ولم يدركوا أن الرجل وقد تقدم في العمر بالرغم من حرصه علي استخدام أدوات التجميل، ولربما تغيّرت لديه آليات وطرق التفكير.
وعليه ربما نشهد في السودان نمطًاجديدًا لحكام من نوع آخر، حكام يعيشون في عالم خيالي بينما الشعب السوداني يرزح تحت أنقاض الحرب ويبحث فقط عن مقومات الوجود الاساسية من ماء وغذاء ودواء.
للأسف الشديد فقد ازددت قناعة بأن كامل ادريس يعيش فى عالم بعيد جدا عن واقع السودان لان كل ماقاله كان عليه ابرازه فى ادائه لا فى خطابه تحدث عن دولة الرفاه نعم له ولنا جميعا الحق ان نحلم وكما يقول المثل الفرنسى فان الاحلام مجانيةLes reves sont gratuits نعم لان لا مقابل ماديا مطلوبا كى يحلم المرء ولكن عندما تبتعد الاحلام عن وسائل تحقيقها يكون ذلك نوعا من التهويمات والتى لا دور لها فى الادارة وحياة الناس.. تحدث كامل وهو لم يغادر جنيف بعد حيث تختلف الهموم والتطلعات.. همنا اليوم فى السودان هن ان نظل على قيد الحياة حيث لادانة تختطف رؤوسنا ولا وباء يحصدنا نتيجة انعدام الأمصال بل ونتيجة الاوساخ المتراكمة على أبواب بيوتنا,, السيد كامل عمق فجوتنا وماساتنا انه امتداد لعهد الكيزان لا نتهم الرجل بالكذب ولكنه عاد يردد اسلوب اولئك القساوسة الكذبه حتى قال ناعقهم ان دخل المواطن فى السودان قد ارتفع الى حمسة الاف دولار فى السنة وكانى به يقصد افراد تنظيمهم .. ان السيد كامل لم ير اقى بعد الى شعارات الثورة المباركة بل انه قصدعمدا تجاهلها ولكنه شكر سيده البرهان وهو نفسه لولا تلك الثورة لما سعى لتحقيق أحلام جده الحفيان