مقالات وآراء

سلام الشرق الأوسط : من بؤس الطائفية إلى أفق الإنسانية

حسن عبد الرضي الشيخ

 

في زحام الحروب وبؤس السياسات الدولية، حيث يُقرَع طبل الفتنة بين إسرائيل وإيران، على مسمعٍ من عالمٍ يتأرجح على حافة الهاوية ويخشـى اندلاع حربٍ كونية جديدة، يعلو صوتٌ نادر، شجاع، مستقيم، ومبصّر: هو صوت الأستاذ محمود محمد طه، الذي حمل مشعل الوعي، وبشّر بسلامٍ شامل، متجاوزًا حدود الدين والعرق والطائفة والدولة، واضعًا الإنسان في مركز المعادلة.

 

لقد كتب الأستاذ محمود، وتحدث الإخوان الجمهوريون ـ منذ منتصف القرن العشرين ـ بلغة المستقبل لا أوهام الماضي، عن مأزق الشرق الأوسط، وعن “الاختطاف الديني والسياسي” للقضية الفلسطينية، وعن الدور التخريبي للطائفية ـ شيعية كانت أم سنيّة ـ في إنتاج الفوضى والعنف، داعين إلى الصلح مع إسرائيل لا استمراء العداء الأجوف، ما دام السلام غايةً، والعدالة أساسًا.

 

أولًا : نقد الطائفية الإيرانية وفضح استبداد العمامة

منذ اللحظة الأولى لما سُمِّي بـ”الثورة الإسلامية” في إيران عام ١٩٧٩م، أعلن الأستاذ محمود موقفه الصارم من الفكر الشيعي ـ كما السني ـ حين يتحوّل إلى أداة استبداد باسم الدين. فقد رأى في نظام الخميني عودةً إلى جاهلية دينية مغلّفة بقداسة زائفة، تستعبد الإنسان باسم الله، وتحتكر النطق باسمه عبر عمائم أهل البيت. حذّر الجمهوريون ـ كتابةً ونداءً ـ من قيام دولة طائفية في طهران، تعادي السلام، وتروّج للكراهية، وتغذّي الجماعات الأصولية ـ سنية وشيعية ـ تحت شعارات “المقاومة” و”الممانعة”، وهي في حقيقتها مقاومة للحرية، وممانعة للسلام.

 

ثانيًا : طرح فهم جديد للصراع العربي ـ الإسرائيلي

خلافًا للخطاب الشعبوي المبتذل الذي يتغنى بشعارات “التحرير من البحر إلى النهر”، قدّم الأستاذ محمود مواجهةً جذرية مع الذات العربية أولًا. قال بوضوح لا لبس فيه: “إن إسرائيل ـ على مساوئها ـ لا تملك أن تظلمنا أكثر مما نظلم نحن أنفسنا.” وأكد أن العدو الحقيقي ليس الكيان الصهيوني، بل فساد الأنظمة، وتحجّر العقول، وطغيان الطائفية والقبلية. لم يكن يرى الخلاص في العداء المطلق، ولا في الاحتماء بمعسكر الغرب أو الشرق، بل في ثورة على الذات، تُفضي إلى مصالحة شجاعة مع النفس، ومع الآخر. وبذلك يُبنى السلام لا على الاستسلام، بل على العدل والكرامة.

 

ثالثًا : دعوة صريحة للسلام الشجاع

لم يكن الأستاذ محمود من دعاة الهزيمة ولا من أنصار الاستكانة، بل كان من أوائل من رفعوا راية السلام بشجاعة فكرية وأخلاقية. دعا ـ في زمنٍ كانت فيه هذه الدعوة تُعد خيانة ـ إلى الاعتراف بإسرائيل والتفاوض معها، لا تزلّفًا، بل تأسيسًا على رؤية تؤمن بأن جوهر الأديان هو السلام، وأن الحرب ليست قدرًا مقدسًا، بل اختلالًا يجب إصلاحه. كتب ذات يوم: “لن يعرف الشرق الأوسط السلام حتى تتصالح الحكومات العربية مع شعوبها، وتتجه لإقامة العدل، لا لتصدير الكراهية باسم فلسطين”.

 

رابعًا : من زمن الحروب إلى زمن الإنسان

طرحت الفكرة الجمهورية دعوة جذرية للانتقال من منطق الغلبة إلى منطق الكرامة. وبين ضجيج طبول الحرب بين إيران وإسرائيل، تلوح من منظور الفكرة الجمهورية بشارة التحول التاريخي. فهذا الصراع الدموي ليس إلا احتضارًا لعالم مريض بالطائفية، وولادةً متعسّرة لعالم إنساني جديد. لقد آن للبشرية أن تصغي من جديد إلى صوت الأستاذ محمود محمد طه، وهي دعوة لا تنتمي إلى المواعظ التقليدية، بل إلى رؤية كونية تحررية، تنادي بإسقاط الوصاية الدينية عن العقل، وإنهاء عصر الثيوقراطيات، والاعتراف المتبادل بين الشعوب، وبناء سلام لا يقوم على توازنات القوة، بل على توازن العدالة والكرامة.

 

وأخيرًا … لا ختام لبشارة تنتمي إلى المستقبل

هل استفاق القوم، من الخرطوم إلى القدس إلى طهران، واستيقنوا أن رسالة الفكرة الجمهورية ـ التي أُعدم صاحبها لأنه قال كلمة الحق في وجه طغيانٍ ديني ـ قد تجاوزت الجغرافيا والحدود، ووصلت إلى كل من يؤمن بالإنسان، وبحقه في الحياة والحرية والسلام؟

افتحوا أعينكم : ليس عدونا هو “الآخر”، بل الطغاة في الداخل، الذين صادروا الحريات، وزيّفوا الوعي، وباعوا الشعوب وهم الانتصار، ليطيلوا عمر استبدادهم.

 

إن تحرير فلسطين الحقيقي لا يكون من الاحتلال فقط، بل أولًا من الاستبداد العربي، ومن عبودية الطائفة، ومن خرافة القداسة السياسية.

وحين نحرر وعينا، سنحرر الإنسان.

وسيعلم الذين أشعلوا نيران الحروب، أنهم كانوا يهربون من مواجهة أنفسهم، وسيدرك الذين أحبوا الإنسانية، أنهم اقتربوا من وعد السلام الكبير.

 

فالسلام آتٍ لا محالة، لا لأن الطغاة رضوا به، بل لأن الإنسان تعب،

ولأن الروح البشرية لم تُخلق للحرب، بل للحب، والعدل، والكرامة.

[email protected]

تعليق واحد

  1. (لن يعرف الشرق الأوسط السلام حتى تتصالح الحكومات العربية مع شعوبها، وتتجه لإقامة العدل، لا لتصدير الكراهية باسم فلسطين”.) حقيقة الاسلام ونهج النبي الكريم هو نبذ الكراهية والدعوة الي المودة بين الناس ومواجهة الحقيقة افضل من الهروب الي الوهم انظر اليوم الي حال البلدان التي واجهة الحقيقة بكل شجاعة فهي تتطور وتصنع علاقات استيراتيجية وتقدم انساني وعلمي واخلاقي وانظر الي الدول التي هربت للوهم فهي تعيش في تخلف وظلام وتراجع اخلاقي وتفشي للجهل ويتصدرون للمشاكل التي تجلب لهم العداء ويصنعون العداء مع الدول المتقدمة حسدا من عند انفسهم المصيبة ان اصحاب الدين يفرضون وصاية علي عقول البسطاء ولا يتركون لهم الحرية في التفكير في الامور العظيمة خوف علي مصالحهم التاريخية فالعقل جعل لتفكير ولمعرفة الحقيقة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..