مقالات سياسية

عديلة وو مكي..!!

نورالدين عثمان

“عديلة وو مكي”.. هكذا كان يهتف الجماهير، مطالبين بالأغنية الشعبية الأشهر “عديلة النوبية”، التي شكلت وجدان النوبيين من دنقلا جنوبًا حتى اسوان شمالًا، وعندما يرفع الهرم النوبي مكي علي إدريس “الطنبور” إيذانًا ببدء أغنيته المحبوبة، لا تنتظره الجموع، بل تبدأ بترديد كلماتها في هارمونية نادرة، ويثمل الجميع طربًا وفرحًا وخوفًا وزهوًا، فترتفع ذرات الغبار لتغطي المكان حتى تهدأ الأصوات بآخر كلماتها، لتبدأ الهتافات المطالبة بـ”إسيب وهيلة” وحكاية حبهما الخالدة؛ وهي من أجمل الروايات التي كتبت في الأدب النوبي في قالب شعري فريد، وهناك من يطالب بـ “ملحمة كجبار” التي خلدت ذكرى شهداء الأرض النوبية في كجبار، وترتفع الأصوات هنا وهناك مطالبين بهذه الأغنية أو تلك؛ والجميع يتفق حول إبداع وتفرد “مكي”، وعن أي مكي نتحدث، عن مكي الشاعر أم الفنان أم الكاتب أم الباحث أم المؤرخ أم الرسام أم القاص أم الموسيقار أم المؤلف أم الموثق أم معلم اللغتين النوبية والعربية، لأن مكي هو الأديب الذي تقف الكلمات عاجزة عن وصفه، فهو حكاية لا تنتهي.

ظل نوبيًا صلبًا ومناضلًا لا يجامل في قضية نوبية، وظل يقف دومًا في صف الجماهير، بكلماته وموسيقاه وشعره ورسمه وقصصه ومحاضراته، ظل مرجعًا لتاريخ المنطقة، منذ قرون ما قبل الميلاد، مرورًا بالممالك النوبية، والثقافات التي أثرت في المنطقة وتأثرت بها، والديانات التي اعتنقها النوبيون منذ ما قبل المسيحية والإسلام، نهاية بكارثة التهجير الأولى في وادي حلفا حتى محاولة التهجير الثاني في مناطق دال وكجبار، وتعمق في المجتمع النوبي متناولًا موضوعاته الاجتماعية العميقة نقدًا وتحليلًا، مشكلًا بذلك وعيًا واستنارة، حتى حفر بأنامله وصوته وفكره اسمًا عظيمًا هو “مكي علي إدريس” الذي ينتمي لكل قرية نوبية دون فرز.

والحديث عن هذا العملاق يطول، ولا يمكن أن نوفيه حقه، حتى لو جلسنا ألف ليلة وليلة نكتب عنه لنوثق سيرته في ألف صفحة وصفحة، فمكي اليوم هو الوجدان النوبي بكل معنى الكلمة، والوجدان لا يكتب، بل هو ما وقر في القلب، وتحركت له المشاعر، وادمعت له العيون، واجمعت عليه الألسن.

انتقاه المرض ليمازحه ويشاغله قليلَا، ولكن صموده ومعنوياته العالية وقفشاته الجميلة، ظلت تهزم الألم، بجانب تلك الوقفة النبيلة من أبناء النوبيين في المنطقة النوبية وخارجها في دول الخليج وأوروبا وأستراليا وأميركا وغيرها من بلدان العالم، الذين شمروا جميعًا في ملحمة من “وفاء”، ليردوا له بعضًا من جميله؛ ويا ليتهم يستطيعون، فجمائل مكي غير مستردة، وغير ممكنة الرد، ولكن هو “شرف المحاولة”.

هب الفنانون ليقيموا الحفلات الخيرية، ونشط الناشطون في جمع المال، وعكف الأدباء في شرح أدبه، وتعريف معاني كلماته؛ والجميع اليوم يشكلون لوحة نوبية فريدة رسمت بريشة الحب، وستكتمل بالشفاء التام لمكي – بإذن الله – ثم بوقفة الجميع، حيث قررت اللجنة التي تتابع علاجه ببدء إجراءات سفره إلى الهند لتلقي العلاج؛ ومن هنا ندعو الجميع بالدعاء للأديب مكي بالشفاء التام، حتى يعود إلى أهله النوبيين وهو في تمام صحته وعافيته، وله نقول بصوت الحنين “عديلة ووو مكي”، “مشاويرك عديلة عليك، عديلة إن كان قصيرة إن كان طويلة.. عديلة عليك محل ما تمشي تمشي يا عديلة أبقيلو زي الغيمة رشي”، ” ﻋديلة ﻭﻭ ﻭﻟﻮﻭﻳﻦ ﻓﺎﺟﻴﻠﻲ ﺑﻴﻠﺪﺗﺎ ﻓﺎ إﻣﻮﻗﻴﻜﺎ ﺟﻴﻠﻲ ﻧﻮﺭﻳﻦ ﻣﻮﻗﻮﻛﺎﻥ ﺟﻮﺍﺑﺎ فايي ديقت تيقمون كر أوو نلوجي”..

#حبًا_وودا
[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..