مقالات وآراء

“صمود” التي أرعبتهم : لماذا يخشى الكيزان مشروعًا بلا سلاح؟

حسن عبد الرضي الشيخ

 

في زخم السجالات السياسية على وسائط التواصل الاجتماعي، تتمايز بين الحين والآخر بعض الكتابات الناضجة التي تخترق الضجيج وتضيء بحقائقها عتمة المشهد. من بين هذه الكتابات، لفتتني فكرة ذكية وبالغة الدقة : الكيزان يخشون “صمود” أكثر مما يقلقهم “تأسيس”!

فكان لا بد من التوقف عندها والتأمل فيها لا كتصريح عابر، بل كمفتاح لفهم ما يجري في المشهد السياسي السوداني المأزوم.

 

الكيزان ــ تاريخيًا وحاضرًا ــ لم يخشوا من الحركات المسلحة ولا من صوت البنادق، لأنهم يتقنون التفاوض مع السلاح، ويبرعون في عقد الصفقات مع أمراء الحرب. لكنهم يخافون، ويرتجفون، أمام حامل الفكرة الواضحة، المشروع المدني الجذري، المتماسك، غير القابل للشراء أو التدجين.

ومن هنا تأتي خصوصية خوفهم من “صمود”.

 

فـ”صمود” ليست بندقية في يد فصيل، ولا مجرد لافتة احتجاجية عابرة.

هي امتداد روحي وتنظيمي لثورة ديسمبر المجيدة، تحمل مشروعًا سياسيًا مدنيًا متكاملًا، واضحًا في أهدافه، شفافًا في مواقفه، جذريًا في طروحاته، وجماهيريًا في حضوره.

لها خطاب متماسك، وأفق ديمقراطي، ولها حضور متقدم في الوجدان الثوري كما في المحافل الإقليمية والدولية.

 

بينما في المقابل، ما الذي تمثله “تأسيس”؟

لا شيء سوى واجهة سياسية لجماعة عسكرية، لها تفسيرها الخاص للمشروع الديمقراطي، يمكن التفاوض معها بسهولة أو الظن في الدخول معها في مساومة ما في بورصة الصفقات.

يعتقدون انها مجرد طرف في معادلة صراع مسلح، لا تمتلك القدرة ولا الإرادة على تحدي بنية النظام القديم، ولا تفكيك التمكين، ولا حتى تحريك الشارع.

 

أما “صمود”، فقد كانت واضحة منذ اللحظة الأولى :

لا عسكرية ولا مليشيا .. مدنية بس.

شعار بسيط، لكنه يحمل من الوضوح والتهديد ما يكفي لإرباك كل مراكز القوة القديمة.

هي الكتلة السياسية الوحيدة ــ حتى الآن ــ التي رفضت الانخراط في مشاريع التسوية المشبوهة، وواجهت بصلابة خطاب الحرب المقدسة، وفضحت حقيقة الصراع بين الجنرالات بأنه صراع مصالح ونفوذ، لا صراع من أجل الوطن.

 

لهذا يخشاها الكيزان.

 

الكيزان اعتادوا عقد صفقات الظل، وصناعة تحالفات المصالح خلف الكواليس، لكنهم عاجزون أمام جسم مدني نقي، لا يخضع للابتزاز، ولا يساوم على دم الشهداء.

“صمود” تزعجهم لأنها لا تقبل التفاوض دون عدالة، ولا تشارك في ترتيبات مشوهة، ولا تعترف بشرعية البندقية، ولا ترضى بأقل من سلطة مدنية كاملة، وجيش وطني موحد، وعدالة انتقالية شاملة.

 

أما “تأسيس”، فلا تقلقهم.

لا لأنها معهم، بل لأنها لا تشكل خطرًا حقيقيًا على مشروعهم.

لا ترفع شعارًا ثوريًا جذريًا، لا تحرجهم في الشارع، ولا تُربكهم أمام المجتمع الدولي.

 

“صمود” في المقابل، مشروع بديل حقيقي.

هي الصوت الذي بقي نقيًا وسط الضجيج.

هي الامتداد الأخلاقي والسياسي لثورة الشعب، وهي من تعرّي التزييف، وتواجه الكذب، وتعيد توجيه البوصلة إلى حيث بدأ الحلم:

مدنية، حرية، عدالة.

 

لهذا كله، هي مستهدفة.

بالتشويه، بالكذب، بالإقصاء، بالتحريض.

لكنهم فشلوا وسيفشلون.

 

لأن الفكرة أقوى من الرصاص، والمبدأ أثبت من البندقية، والصوت الذي خرج من رحم الشعب لا يسكت مهما ارتفع الضجيج من حوله.

 

في النهاية، يريدون أن نختار بين الجيش واعدائه المتوهمين،

لكن “صمود” قدمت الخيار الثالث:

دولة مدنية ديمقراطية.

وهذا ما يخيفهم.

ملحوظة: ليس من الضروري أن اكون “صمود”يـاً، يكفي طرح الفكرة..

[email protected]

تعليق واحد

  1. الاستاذ حسن، كيف لا ترعبهم السلمية؟؟ لن ينسى الاسلاميون ان ثوراتنا في اكتوبر وابريل وديسمبر نجحت كلها بفضل سلميتها، نجحت بالعرق والدموع والهتاف الصاعد من صميم قلب الجماهير، الاسلاميون يدركون ان نهايتهم في سلميتنا فقد جربو العصابات المسلحة من مناوي وعقار وجبريل وعبد الواحد والحلو، كلهم فشلو في زحزحة النظام الاسلامي الفاشي قيد انملة، بل وصلو الى درجة التفاوض والتفاهم مع النظام حين وقف شعبنا عاري الصدر واضح الجبين امام بنادق ودبابات وطائرات النظام بايدي قابضة على الاعلام وهتاف داوي من الاعماق، فانتصر شعبنا، لن ينسى الاسلاميون الحشود الجارفة سلمية سلمية ضد الحرامية فادركو ان نهايتهم اقتربت،، لذا فشل الجنجويد في اسقاط من صنعهم لانهم يقاتلون بعضهم بنفس السلاح وبنفس الخندق وهذا الامر لن ولا يرعبهم كما السلمية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..