حميدتي وخطاب غسل الذاكرة

نبيل منصور
أكثر ما يثير الاستغراب في المشهد السوداني اليوم ليس خطاب حميدتي في حد ذاته، بل ردّة فعل بعض النخب والمراقبين الذين سارعوا لتسويقه من جديد كرجل دولة وزعيم سياسي محنّك، فقط لمجرد أنه ظهر على خط المواجهة، وتحدث بلغة هادئة، وغيّر لهجته تجاه مصر وحركات دارفور.
فهل أصبح مجرد الظهور العلني والخطابة المنمقة معيارًا للزعامة؟
وهل نسي الناس ما فعله الرجل خلال عامين كاملين من الفظائع والانتهاكات لمجرد أنه بدا أكثر “تهذيبًا” في خطابه الأخير؟
إن محاولة تقديم حميدتي اليوم كخيار سياسي عقلاني ما هي إلا إهانة لذاكرة الضحايا، وتبييض فاضح لأنهار من الدماء لم يجف بعد.
تغييب العدالة:
لم يتضمن خطاب حميدتي أي إشارة إلى محاسبة الانتهاكات الفادحة التي ارتكبتها قوات الدعم السريع ضد المدنيين في المناطق التي شملتها الحرب.
حديثه عن “ممنوع السكن في بيوت المواطنين” يُظهر الانتهاكات وكأنها حالات فردية، لا نهجًا ممنهجًا تم بإرادة القيادة.
لم يعتذر، ولم يقر بالمسؤولية، ولم يُلزم نفسه بمسار عدالة. إنه قلب للصفحة دون فتحها أصلًا.
الخطاب الشكلي وغسيل الذاكرة:
للأسف، كثير من المتابعين وصفوا الخطاب بأنه “خطاب رجل دولة”، فقط لأنه جاء بعد اختفاء طويل، ولأنه خاطب دول الجوار بلغة هادئة، ومدّ يده لمناوي وجبريل.
لكن هذا الخطاب الذي أُعتبر انه جاء مرتبا ومنسقا لا يستطيع أن يمحو سجلاً دموياً حافلاً بالفظائع. يجب ان لا ينسي الناس اننا نحن نتحدث عن قائد ميليشيا متهمة بالتطهير العرقي، والنهب، والاغتصاب، وتهجير المدن. وأي خطاب سياسي لا يمر أولًا عبر بوابة الاعتراف والمحاسبة، هو تضليل متعمد وقفز علي الدمار والخراب التي احدثته هذه الحرب.
رواتب الجنود أم تعويض الضحايا؟:
في خطابه، وعد حميدتي بصرف رواتب الجنود بأثر رجعي، وهو ما يعكس أولوية واضحة: شراء الولاء العسكري، لا معالجة الجراح المدنية. لم يتحدث عن تعويض من فقدوا منازلهم، أرواحهم، أرزاقهم، أو كرامتهم على يد قواته. ففي قاموس حميدتي، الجندي هو المواطن الوحيد الجدير بالإنصاف، لأنه الأداة التي ستوصله إلى أهدافه.
التناقض الأخلاقي والسياسي:
أكثر مفارقات الخطاب سخرية هو حديثه عن “السودان الذي يُغاث بالإغاثة”، بينما قواته كانت جزءًا من تجويع هذا الشعب، ومنع الإغاثة، وحرق الأسواق والمخازن.
وتحذيره لجنوده بعدم التعدي على المواطنين ليست سوى محاولة مكشوفة لصنع صورة “الرجل النظيف بعد خراب ودمار وآلام ومآسي”، وهو ما لا يصمد أمام سجل مرصود بالصوت والصورة.
ازدواجية الخطاب ووقاحة المفارقة:
في معرض هجومه على قادة معسكر بورتسودان، اتهم حميدتي خصومه بأنهم يزجّون بأبناء الفقراء في أتون الحرب بينما يعيش أبناؤهم وعائلاتهم في الخارج، في أمان ورفاهية، بعيدًا عن الدمار والمعاناة.
لكن السؤال الجوهري الذي تجاهله – عن قصد أو جهل – هو: أين أبناء حميدتي الآن؟ وأبناء قادة الدعم السريع؟
هل هم في نيالا والفاشر والضعين يتقاسمون الجوع والرعب مع العامة؟ أم في دبي وإسطنبول والدوحة ولندن، يتنقلون بين الفنادق الفاخرة وحسابات الذهب في صمت؟
نعم لقد قال حميدتي كلامًا صحيحًا عن خصومه، لكنه نسي أن يضع نفسه أمام المرآة.
نعم، أبناء “حكومة بورتسودان” ليسوا قديسين، لكن استخدام أبناء المهمّشين كوقود حرب هو جريمة مارسها الجميع، ومنهم حميدتي نفسه، دون حياء أو خجل.
هذه ليست فقط مفارقة، بل وقاحة سياسية حين يصدر هذا الاتهام ممن جنّد الأطفال، واستغل الجوع، وراكم الثروات من خراب بلد كامل.
ليس حميدتي وحده:
ما ينطبق على حميدتي، ينطبق أيضًا على عبد الفتاح البرهان وقواته.
كلا الرجلين قادا حربًا دمرت السودان، وشردت الملايين، وزرعت الانقسام والكراهية والدمار.
الجيش أيضاً إرتكب إنتهاكات، وفتح الطريق أمام الحرب بمساوماته وتحالفاته الفاشلة، وفشله الأخلاقي والسياسي في إدارة البلاد بعد انقلابه الذي قاده في أكتوبر 2021م.
كلاهما اليوم يروّجان لخطاب “الدولة والسلام” بعد أن هدما مقومات الدولة، وشنّا حرباً على السلام.
الخاتمة:
خطاب حميدتي الأخير ليس لحظة مصارحة، بل لحظة إعادة تسويق سياسي في زمن الخراب.
العدالة ليست بندا في خطابه، والمواطن ليس مركزًا في حساباته، والتاريخ لا يُمحى بنزع نظارة.
وما لم تتم محاسبة حميدتي والبرهان معاً، فإن ما يُبنى على هذه الحرب لن يكون سلاما، بل جريمة مؤجلة بغطاء سياسي.
العداله الغايبه في اللبد ناس حكومة الانقاذ جميعهم موجودين خارج السجون بكل مادمروه وقتلوا اكثر من2مليون في الجنوب ودارفور والان يحاربون في الشعب من تشريد وسجون وتصفيه بدون قانون وكذلك كيكل تم استقباله من مجرم الي قايد عظيم بلد ماعندها وجيع ولا قانون ولا دستور الصادق فيها مجرم والمجرم صادق