الوقود في مرمى الصواريخ: كيف أشعلت الحرب بين إيران وإسرائيل سوق الطاقة العالمي؟

عمر حامد
منذ تفجّر التوتر بين إيران وإسرائيل أواخر 2023 وتصاعده بشكل أكثر عنفًا خلال عامي 2024 و2025، أصبح سوق الطاقة العالمي رهينة للخوف والمضاربات والتكهنات. فأسعار الوقود لم تعد تستجيب فقط للعرض والطلب، بل باتت تتحرك بانفعال تجاه كل تصعيد سياسي أو عسكري في الشرق الأوسط، خصوصًا إذا تعلق الأمر بطهران وتل أبيب. ولأن جغرافيا الصراع تمس مباشرة الشرايين الحيوية لإمدادات النفط، فإن مجرد التهديد بقصف أو إغلاق أو استهداف بات كافيًا لإشعال الأسعار، دون الحاجة لاشتعال الجبهات. تدور الأحداث في مناطق استراتيجية مثل مضيق هرمز وخليج عمان والبحر الأحمر وسواحل سوريا ولبنان، وهي كلها نقاط حساسة تمر عبرها معظم صادرات النفط من الخليج إلى العالم. فقط في مضيق هرمز تمر يوميًا نحو 17 مليون برميل، أي ما يفوق 20% من إمدادات النفط العالمية. ولأن إيران تلمّح مرارًا إلى إمكانية إغلاق هذا المضيق، فإن الأسواق العالمية تردّ بسرعة، ويقفز سعر البرميل دون انتظار تنفيذ فعلي.
خلال الأشهر الماضية، رأينا كيف تؤدي الضربات المحدودة أو حتى تهديدات التصعيد إلى ارتفاعات حادة في أسعار الخام. ففي أبريل 2025، على سبيل المثال، ارتفع سعر خام برنت من 84 إلى نحو 94 دولارًا خلال أسبوعين فقط، نتيجة تبادل الضربات بين إيران وإسرائيل، مصحوبًا بحرب ظلت في البحر الأحمر شملت استهداف ناقلات النفط من قبل الحوثيين، الذين يُعتبرون حلفاء طهران في الإقليم. هذه العمليات دفعت شركات الملاحة لتغيير مساراتها، متجنبة الخليج والبحر الأحمر، مما زاد كلفة النقل والتأمين وأدى تلقائيًا إلى ارتفاع أسعار الوقود عالميًا.
لكن الأهم من ذلك أن السوق بات يتفاعل مع النوايا قبل الأفعال، ومع التهديدات قبل التنفيذ. ارتفعت أسعار النفط أكثر من 6 دولارات في بعض الأيام لمجرد أن مسؤولًا إيرانيًا تحدث عن “خيار إغلاق هرمز”، حتى دون خطوة فعلية. هذا ما يميز هذه الحرب: أنها تشعل الأسعار عبر الاحتمالات، لا الوقائع، وتجعل الاقتصاد العالمي يدفع مقدمًا فواتير حرب لم تقع بالكامل بعد.
الضحية الأبرز لهذا الوضع هي الدول النامية المستوردة للوقود، مثل السودان ولبنان وتونس، والتي لا تملك هوامش مالية كافية لامتصاص الصدمات. فكل ارتفاع في أسعار النفط يعني ضغطًا إضافيًا على الميزانيات العامة، وزيادة في تكلفة الواردات، وانفجارًا في أسعار النقل والغذاء والطاقة محليًا. في السودان على سبيل المثال، يؤدي ذلك إلى توسع السوق الموازي للعملة الصعبة وزيادة التضخم وتدهور القدرة الشرائية للمواطنين. أما في الدول الصناعية، فالعبء يظهر على شكل ركود محتمل وتضخم مزدوج، فيما تزداد هشاشة سلاسل الإمداد العالمي.
الحرب بين إيران وإسرائيل حتى الآن ليست شاملة لكنها كافية لتفجير أسعار النفط عند كل منعطف، ولأن سوق الطاقة يتحرك بالخوف أكثر مما يتحرك بالحسابات، فإن الأسعار لا تنتظر الحرب كي ترتفع، بل ترتفع خشية أن تقع. وهكذا يجد العالم نفسه أمام أزمة طاقة متقلبة، تشعلها الصواريخ حينًا، وتشعلها التصريحات حينًا آخر، فيما المستهلك البسيط يدفع الثمن مضاعفًا على محطة الوقود، من دون أن يعرف من يحترق حقًا: النفط أم السياسة؟