الصلاة في طهران أكمل، والطعام في الدوحة أجمل

منعم سليمان
موقفان متناغمان حدثا أمس، وإن لم يُنسَّقا، يجسّدان الفارق الجوهري بين القابضين على المبادئ، والذين يعيشون في مستنقع المخازي. أدان التحالف المدني الديمقراطي “صمود”، بقيادة الدكتور عبد الله حمدوك، رئيس وزراء حكومة الثورة المنقلب عليها، القصف الإيراني على دولة قطر. وكذلك فعلت قوات الدعم السريع، في بيان حمل توقيع قائدها محمد حمدان دقلو (حميدتي).
كلا الطرفين، من موقعه المستقل عن الآخر، أدانا دون تردّد الضربة الإيرانية على قطر فور وقوعها، مع علمٍ ثابتٍ ويقينٍ راسخٍ بأنّ إيران وقطر تقفان في صميم الحرب السودانية؛ تمويلًا وتسليحًا وتدخّلًا سافرًا وفاضحًا، لصالح الجماعة ذاتها التي انقلبت على حكومة حمدوك، والتي تشنّ اليوم الحرب ضد قوات الدعم السريع، من أجل عودتها إلى السلطة مرةً أخرى عبر بندقية الجيش.
حدث هذا قبل أن يفضح الرئيس ترامب اللعبة المفضوحة أصلًا، ويتحدّث عنها بوصفها “قصة قصفٍ مُعلن”، على غرار رائعة الروائي العالمي الألمعي “ماركيز”، بل فاقتها حبكة؛ إذ اتضح أن قطر لم تكن على علمٍ بالضربة الإيرانية فحسب، بل نسّقت توقيتها بالدقيقة، وعدد صواريخها، ومواقع سقوطها، في موقفٍ يجسّد بوضوح طبيعة الأنظمة التي تتشدّق بالدين!
والمُدهش، بل المخزي، أن الكيزان وعسكرهم، الذين يستمدّون حياتهم من دعم طهران والدوحة، لم ينبسوا ببنت شفة، إلا بعد أن انكشفت فصول المسرحية، وأصبح الدخول إليها مجّانًا!
دائمًا تحضر “بيضة أم كتيتي” في كل مأزق؛ تلك البيضة الخرافية التي تخرج من رحم الكائن الأسطوري الذي أبدعه الخيال الشعبي الكردفاني البديع، في تصوير المآزق المعقّدة والمركّبة بأفضل ما يكون: إن أخذتها مات أبوك، وإن تركتها ماتت أمك.
هذا كان مأزق البرهان والكيزان بالأمس: بين قطر، التي تملأ خزائنهم بالمال، وإيران، التي تكدّس ترساناتهم بالسلاح والخبراء… والكيماوي أيضًا.
لكنّ الكوز ليس ككلّ كائن سياسيّ. هو مخلوقٌ خرج من رحم الكذب، وتربّى على الخداع، يتحوّل مثل الحرباء، ويتشكّل بحسب الريح، لا يعرف مبدأً سوى البقاء. ولو جاز لـ فقه التقيّة أن يتّخذ ناطقًا رسميًّا له، لما كان إلا هذا الكائن نفسه. لقد تجاوزوا الشيعة الإمامية الاثني عشرية في هذا الكذب المغطّى بالدين، لا كحيلةٍ ظرفية، بل كمذهب حياة، حتى بات ركنًا سادسًا في عقيدتهم الزائفة!
ولأنهم أبناء الخداع وأحفاد الكذب، لعب الكيزان وعسكرهم لعبتهم المفضّلة: توزيع الأدوار. فريقٌ منهم اصطفّ مع الدوحة، يندّد بطهران، فيما اصطفّ الفريق الآخر معها، يصفّق لضرب القاعدة الأمريكية، ويرى ذلك فعل مقاومة ضد المشروع الإمبريالي، ودعمًا لـ”طوفان الأقصى”، ذلك الطوفان الكاذب الذي دمر غزة ولا يزال! وهكذا يحتفظون بكلا الموردين: المال الملطخ بالدم، والسلاح المحرَّم.
وهكذا دائماً هم كيزان السودان وعسكرهم: في موقف لا مكان فيه للّون الرمادي، يُعيدون تدوير الرماد ذاته؛ يقفون مع أيّ أحد ضد أيّ أحد، ويتقنون فنّ البكاء وذرف الدموع على كلّ ضحية، ما دام البكاء يجلب مكاسب.
ولأنهم أبناء “التقيّة”، فإن بيضة أم كتيتي ليست مأزقهم، بل هي بيضهم المعتاد: يفقّسون منها كذبةً أخرى، وقد كان شعارهم في امتحان قطر العابر: الصلاة خلف طهران أكمل، والطعام في الدوحة أجمل!
المجد للثابتين على المبادئ دائماً.