لماذا اختارت إيران القاعدة الأمريكية في قطر لتوجيه رسالتها لواشنطن؟

لماذا اختارت إيران القاعدة الأمريكية في قطر لتوجيه رسالتها لواشنطن؟
صدر الصورة، Getty Images
- Author, إيثار شلبي
- Role, بي بي سي نيوز عربي
جاءت الهجمات الإيرانية على قاعدة العديد العسكرية الأمريكية في قطر لتهدد بتوسيع رقعة الصراع إلى ما وراء حدود الجبهات التقليدية. ورغم أن الهجمات لم تسفر عن أضرار بالقاعدة، التي أٌعلن أنها أخليت بالكامل لضمان سلامة العاملين بها، فإن كثراً يتساءلون: لماذا اختيرت هذه القاعدة تحديداً دون سائر القواعد الأمريكية في دول الخليج المجاورة؟
غالبية التحليلات تشير إلى أن اختيار العديد جاء في إطار ما وصفه محللون كثيرون بـ”رمزية” الرد الإيراني على الهجمات الأمريكية التي شنتها واشنطن على ثلاثة مواقع نووية داخل إيران، وهي فوردو ونطنز وأصفهان.
ففي يوم الأحد 22 يونيو/حزيران، قال الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، إن بلاده نفّذت هجوماً “ناجحاً” على تلك المواقع أسفر عن “تدميرها بالكامل”. وقد أقر مسؤولون إيرانيون باستهداف المنشآت، إلا أنهم نفوا تعرضها لأضرار جسيمة.
- لمزيد من التقارير عن أثر التصعيد بين إسرائيل وإيران على علاقات طهران بالخليج، اشترك في قناتنا على واتساب (اضغط هنا).
“الأسهل لوجيستياً”
من زاوية عسكرية ولوجستية، يقول المحلل الإيراني للشؤون العسكرية والاستراتيجية حسين عريان لبي بي سي عربي إن إيران كانت على دراية تامة بأن هذه القاعدة فارغة، مشيراً إلى أن واشنطن كانت قد اتخذت، قبيل هجوم إسرائيل على إيران، سلسلة من الإجراءات الاحترازية التي شملت نقل العاملين في قاعدتها بقطر إلى مكان أكثر أمناً.
ويوضح عريان أن “قطر – من الناحية الجغرافية – قريبة للغاية من إيران، نحن نتحدث عن قاعدة عسكرية لا تبعد إلا بنحو 200 كيلومتر من أقرب ساحل في إيران، وربما كانت قاعدة العديد الجوية الهدف الأسهل والأقرب”.
تخطى الأكثر قراءة وواصل القراءة
الأكثر قراءة
الأكثر قراءة نهاية
وتقع قاعدة العديد الجوية جنوب غرب العاصمة الدوحة، وتعرف أيضاً بمطار أبو نخلة. أنشئت عام 1996 وتُعد وفقاً للخارجية الأمريكية أضخم منشأة تابعة لسلاح الجو الأمريكي خارج الولايات المتحدة. ووفقاً لبيانات محدثة حتى العام 2022 نشرها موقع أكسيوس، فإن عدد القوات الأمريكية في قاعدة العُديد يصل إلى 8 آلاف. وتضم القاعدة أيضاً مقرات للقيادة الوسطى الأمريكية والقيادة الوسطى في سلاح الجو الأمريكي.
صدر الصورة، Getty Images
لماذا استُبعدت الكويت والبحرين والإمارات؟
أما عن استبعاد إيران استهداف المنشآت الأمريكية في دول خليجية أخرى، فيشير عريان، الضابط السابق في البحرية الإيرانية، إلى أن ضرب قاعدة بحرية كتلك الموجودة في ميناء خليفة بن سلمان في البحرين، والتي تضم قيادة الأسطول الخامس الأمريكي والقيادة البحرية الوسطى- كان خياراً صعباً للغاية بالنسبة لإيران، “فهي منطقة مكتظة وأصغر بكثير من قاعدة العديد التي تقع في منطقة نائية في قطر”.
تخطى يستحق الانتباه وواصل القراءة
يستحق الانتباه نهاية
ويضم ميناء خليفة بن سلمان في منطقة الجفير شرق المنامة أكبر السفن الحربية الأمريكية، بما في ذلك حاملات الطائرات. كما تتمركز فيه أربع سفن مضادة للألغام، وسفينتان للدعم اللوجستي، وسفن عدة تابعة لخفر السواحل الأمريكي.
وعند سؤاله عن القواعد الأمريكية في الإمارات، أوضح عريان أن استهداف قاعدة الظفرة الجوية بالقرب من أبو ظبي حيث يتمركز نحو 3500 عسكري أمريكي، يشكل تحدياً أكبر لإيران نظراً لبُعد موقعها الجغرافي بالمقارنة بالعُديد في قطر.
“كما أن الصواريخ الإيرانية – التي يقول المسؤولون الإيرانيون إنها عالية الدقة – قد تخطئ الهدف، وتتسبب في أضرار كبيرة في قاعدة الظفرة”، يقول عريان.
وافقه في هذا الرأي محللون آخرون، من بينهم عبد الله بعبود، الأكاديمي المتخصص في العلاقات الدولية وشؤون الخليج، والدكتور حسن منيمنة، المحاضر في معهد الشرق الأوسط في واشنطن، اللذان أكدا أن هناك “رمزية كبيرة” في اختيار إيران لقاعدة العديد.
ويتساءل منيمنة: “لماذا تذهب إيران لضرب منشآت في الكويت مثلاً واستعدائها بينما قطر لها سجل مشهود من التفاهمات والوساطات الفعالة في المنطقة؟ إيران اتجهت للعديد في قطر ربما لأنها لم تكن على ثقة بأنها حال ضربت القواعد العسكرية في الكويت سيكون الرد الرسمي، لا العسكري، إيجاباً، فطهران قد لا تكون مطمئنة بأن تنجح الكويت في احتواء الأمر”.
وبرأي منيمنة – فإن موقع العديد في قطر “هو موقع قابل للضبط”، أي أن إيران تدرك تماماً أن قطر تريد أن تتوصل إلى معالجة للمسألة، فالأمور مع الدوحة أقل احتمالاً للخروج عن السيطرة”.
ويضيف أنه كان من الممكن أن يتم اختبار قدرة الإمارات على احتواء الأمر، ولكن يكرر منيمنة السؤال بالقول: “لماذا نختبر الإمارات ما دامت هناك قطر؟”.
أما عن التفكير في الهجوم على منشآت أمريكية في البحرين، فيشير منيمنة إلى أن المسألة مع البحرين مختلفة، “فالأمور ليست بهذه السلاسة مع المنامة، أي أنه يمكن لإيران أن تستوعب من قطر الإدانة وطبعاً رفض الاعتداء ولكن ستظل تطمئن بأن قطر ستمضي قدماً في احتواء المسألة والتوسط”.
صدر الصورة، Getty Images
“الغضب القطري يمكن امتصاصه”
رأي اتفق معه أيضاً بعبود الذي قال إن “إيران حاولت أن ترسل رسالة لواشنطن مفادها أنها تستطيع الوصول لأي قاعدة عسكرية أمريكية في المنطقة ولكنها اختارت العديد لأنها ربما القاعدة الأكبر والأهم بالنسبة للولايات المتحدة في الخليج، فهي رسالة مبطنة لأمريكا”، كما أن طهران – وفقا لبعبود – لا تريد أن تدخل في صراع مباشر مع واشنطن من خلال استهداف قواعد أخرى لها في الخليج.
“المسألة كانت مجرد رد فعل رمزياً، كما أن العلاقات القطرية الإيرانية قوية، فالغضب القطري يمكن امتصاصه بعكس أي دولة خليجية أخرى، وقطر تتفهم هذا الشيء” – هكذا يضيف المحلل العُماني.
رؤية مشابهة عبر عنها المحلل الإيراني، حسين عريان، الذي قال إن “إيران أبلغت السياسيين القطريين بأنها ستقوم بهذه الضربة، ومن خلالهم تم إخطار الأمريكيين أيضاً. لذلك، ما فعلوه كان في الحقيقة لفتة رمزية، تشبه تماماً اللفتة التي اتخذتها إيران عندما قُتل قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني في العراق عام 2022. حينها هاجمت إيران بعددٍ من الصواريخ قاعدة عين الأسد في العراق. لذا، كانت لفتة رمزية وجزءاً منها كان دعاية لإخبار الشعب في إيران بأننا فعلنا شيئاً ما”.
صدر الصورة، Getty Images
دراسة عواقب الضربة الإيرانية للعديد
يرى بعض المحللين أنه كان يجب على إيران دراسة العواقب التي ستنتج عن استهدافها قواعد أمريكية في الخليج، ولذلك وقع الاختيار على العديد لتجنب “عواقب وخيمة” كما وصفتها المحللة المختصة في العلاقات الإسرائيلية الإيرانية إيفرت سوفير، التي قالت لبي بي سي “إنه في ضوء العلاقات الإيرانية القطرية القوية، يبدو أن الأمور كانت أسهل من جهة التنسيق لهذه الضربة، وبالتالي احتواء النتائج بشكل أفضل”.
وأشارت إلى أن علاقات طهران مع الدوحة تعتبر من أكثر العلاقات قرباً مقارنة بالعلاقات مع الرياض أو المنامة، ولذلك، تعزو سوفير اختيار العديد إلى “سهولة وسرعة” التنسيق بين كل من إيران وقطر والولايات المتحدة، رغم أن الضربة الإيرانية للعديد أثارت اهتماماً وقلقاً كبيراً في منطقة الخليج ككل.
ورغم علاقات الدوحة المتوازنة تقليدياً مع طهران، فإن وجود قاعدة العديد يضعها في موقف معقّد، فهي الدولة الوحيدة في الخليج التي تستضيف أكبر قاعدة أمريكية دون أن تكون ضمن المحور المناهض لإيران بشكل مباشر. وهنا قد يرى البعض أن هذا التوازن الذي حاولت قطر الحفاظ عليه منذ أزمة الخليج عام 2017، بات عرضة للاختبار.