تنظيم الإخوان الإرهابي.. تشققات تبشر بالانهيار

فداء الحلبي
منذ أن تأسس تنظيم الإخوان الإرهابي في مصر عام 1928 على يد حسن البنا، حمل شعار “الإسلام هو الحل”، على سبيل الدعاية والتزييف، وروج لفكرة الإصلاح الشامل عبر الدعوة الدينية والعمل الاجتماعي والسياسي، في محاولات فاشلة لتدمير الدول والمجتمعات وتحويلها إلى كيانات إسلاموية متشددة ومنغلقة.
لكن، بعد ما يقارب القرن من النشاط، تظهر على التنظيم اليوم علامات الضعف والمرض الذي يبشر بعدم استمراره كتنظيم موحد، نتيجة الرفض الشعبي المتزايد، وسلوكياته الداعية إلى التشدد والتطرف، وتأثيرها السلبي على التعايش المجتمعي.
وفي الوقت ذاته، تكشف الانقسامات الداخلية، خاصة في مواقف التنظيم الإرهابي من الصراعات الإقليمية مثل الحرب بين إسرائيل وإيران، عن تصدعات عميقة قد تؤدي إلى تفكك التنظيم وانهياره.
عانى تنظيم الإخوان الإرهابي من تحطم شعبيته في العديد من الدول العربية خلال العقدين الأخيرين، خاصة بعد تجاربه الفاشلة في الحكم، ونتحدث هنا عن تجربته في مصر بين عامي 2012 – 2013، وتونس في أعقاب ما سمي بثورات الربيع العربي. حيث إن هذا التراجع يعكس رفضاً شعبياً متزايداً للتنظيم، بعد أن أثبت عليه أنه يقوم بتفسير الإسلام بطريقة متشددة، تعزز التكفير والتطرف بدلاً من التعايش والتسامح.
على سبيل المثال، ارتبط اسم الإخوان بتيارات فكرية متشددة مثل أفكار سيد قطب، التي ألهمت جماعات إرهابية كالقاعدة وداعش، ما زاد من وصم التنظيم كمصدر للتطرف الأيديولوجي. إضافة إلى ذلك، يرى العديد من المراقبين أن الإخوان يشكلون تهديداً للتعايش المجتمعي بسبب سعيهم لفرض نموذج حكم ديني يتعارض مع التنوع الثقافي والاجتماعي في المجتمعات الإنسانية.
في مصر، على سبيل المثال، أدت سياسات الإخوان خلال حكم محمد مرسي إلى استقطاب حاد، ومؤشرات خطيرة لمحاولة “أخونة” الدولة، ما أثار احتجاجات شعبية واسعة أطاحت بحكمهم عام 2013. كما أن تصنيف الجماعة كمنظمة إرهابية في دول مثل الإمارات ومصر والسعودية وحظر نشاطها في الأردن مؤخراً، عزز من عزلتها وفاقم من أزمة شرعيتها.
أما على المستوى الأيديولوجي، يُنبذ التنظيم الإرهابي بسبب تفسيرهم للإسلام كدين يركز على الصراع والجهاد بدلاً من القيم الإنسانية العامة كالتسامح والعدالة. هذا التفسير أدى إلى نفور شرائح واسعة من المجتمعات، خاصة في جيل الشباب الذين يتطلعون إلى نماذج دينية أكثر انفتاحاً وتناغماً مع حركة التطور الاجتماعي. كما أن الإخوان فشلوا في تقديم حلول عملية للتحديات الاقتصادية والاجتماعية في الدول التي شاركوا في حكمها، ما ساهم في تآكل شعبيتهم، وجعل الكثيرين يرون فيهم تهديداً للاستقرار بدلاً من قوة إصلاحية كما كانوا يزعمون.
في النصف الثاني من عام 2025، برزت انقسامات حادة داخل تنظيم الإخوان، خاصة بين الفرع السوري والتنظيم العالمي، وذلك حول الموقف من الحرب بين إسرائيل وإيران، التي بدأت في 13 يونيو (حزيران) 2025.
وفي القراءة السياسية الأولية لهذه الانقسامات، فهي تكشف عن تصدعات عميقة تهدد وحدة التنظيم الإرهابي وتبشر المجتمعات المسلمة باقتراب موعد انهياره.
وفي التفاصيل، أصدرت القيادة العامة للتنظيم الإرهابي بياناً يدعم موقف إيران ضد إسرائيل، معتبرة أن طهران تدعم ما يسمى محور “المقاومة” المسلحة في فلسطين ولبنان. وهذا الموقف يعكس استراتيجية التنظيم العالمي التقليدية لاكتساب شرعيته عبر الارتباط بقضايا قومية، خاصة بعد تراجع نفوذه في المنطقة.
لكن هذا البيان تضارب مع ردود فعل تنظيم الإخوان الإرهابي في سوريا، الذي أصبح يعتبر إيران عدواً، معبراً عن انسجامه مع تنظيمات جهادية أخرى في سوريا، حاربتها إيران إلى جانب النظام السوري السابق، الذي انهار في أواخر 2024.
على هذا الأساس أعلن إخوان سوريا رفضهم دعم إيران في هذه المواجهة مع إسرائيل، الأمر الذي أفرز هذا الصراع الحاد في المواقف بين التنظيم العالمي للإخوان وأحد فروعه. وهو ليس مجرد اختلاف تكتيكي كما يقول بعض المحللين الموالين للتنظيم، والذين يحاولون استيعاب الصدمة. بل إنه يكشف عن أزمة بنيوية داخل التنظيم، فتنظيم الإخوان في سوريا بات يسعى لطموحات فردية بالسيطرة على السلطة في سوريا، خاصة بعد الشرعنة الواسعة التي اكتسبتها التنظيمات الجهادية بعد سقوط نظام الأسد.
هذه التصدعات تتفاقم بسبب ضعف الروابط التنظيمية، حيث أصبحت الطموحات الضيقة أقوى من الروابط العالمية للتنظيم الإرهابي، ما يهدد فكرة “التنظيم الدولي” التي كانت تشكل ركيزة الإخوان.
الانقسام حول حرب إسرائيل وإيران ليس الحادثة الوحيدة التي تكشف عن هشاشة عظام تنظيم الإخوان. ففي السنوات الأخيرة، شهد التنظيم انشقاقات داخلية، مثل مبادرة حلمي الجزار في مصر، التي فشلت في إعادة إحياء الجماعة بسبب رفض الدولة المصرية التعامل مع المبادرة. كما أن تذبذب مواقف الإخوان، كدعمهم لهجوم 7 أكتوبر، ثم محاولتهم التكيف مع التغيرات الإقليمية، يعكس افتقارهم للثبات المبدئي في المواقف، ما يزيد من عزلتهم ويقرب موعد انهيار التنظيم.
ومن النتائج المتوقعة لهذه التصدعات، أن يفقد التنظيم قدرته على العمل ككيان موحد، الأمر الذي قد يؤدي إلى تفككه إلى فصائل محلية تتصارع على النفوذ المناطقي. وهذا التفكك قد يُضعف قدرة تنظيم الإخوان على التأثير السياسي، خاصة في ظل المنافسة مع تيارات إسلاموية أخرى أو حتى قوى علمانية. كما أن استمرار الرفض الشعبي والمكافحة السياسية والإعلامية لنشاطهم يحد من قدرتهم على تجنيد أعضاء جدد أو استعادة شرعيتهم.
بالمحصلة، المؤشرات تدل على أن التنظيم قد يواجه انهياراً فعلياً خلال السنوات الخمس المقبلة، وفي تقديري، قد لا نرى تنظيم الإخوان إلا كومة مترهلة ومحطمة وضعيفة بحلول عام 2030، إذا استمرت الانقسامات الداخلية وتصاعد الرفض الشعبي لهم. بالإضافة إلى توسيع النشاط الإعلامي والسياسي في توعية المجتمعات إلى مخاطر الانضمام إلى التنظيمات والحركات الراديكالية، التي نعبر عنها بمصطلح تنظيمات “الإسلام السياسي” الإرهابية المتطرفة.