حين تتحوّل وزارة الخارجية إلى منصة للإدانة بدل أن تكون جسرًا للدبلوماسية
مهدي داؤد الخليفة

في مشهدٍ يعكس الانزلاق الخطير في وظائف الدولة ومؤسساتها، أصدرت وزارة الخارجية السودانية بيانًا تهاجم فيه زيارة وفد “صمود”، بقيادة رئيس الوزراء السابق الدكتور عبدالله حمدوك، إلى جمهورية جنوب إفريقيا، وهي زيارة تُصنّف ضمن النشاط السياسي والمدني السلمي، في إطار البحث عن حلول للأزمة السودانية المتفاقمة.
وقد لا يكون مستغربًا أن تعارض الحكومة زيارة كهذه، لكن ما يدعو للعجب – بل وللأسى – هو اللغة التي ورد بها بيان الوزارة، التي خرجت عن أدبيات الخطاب الدبلوماسي، وتحولت إلى خطاب تعبوي تخويني مليء بالأحكام المسبقة والتوصيفات المسيئة، في انحراف واضح عن مهام الوزارة الأصيلة التي يُفترض أن تكرّس جهودها للدفاع عن مصالح السودان العليا، وحماية سيادته، وتعزيز علاقاته الثنائية والمتعددة، لا أن تنجر وراء المواقف الحزبية والصراعات الداخلية التي تُفتّت ما تبقى من الكيان الوطني.
الوزارة التي من المفترض أن تكون رأس الرمح في علاقات السودان الخارجية، تحوّلت إلى منبر لإدانة الأطراف السياسية الداخلية، بدل أن تحافظ على حيادها وتوازنها، وهي تقحم نفسها بشكل مباشر في صراعات داخلية لا تعنيها كمؤسسة سيادية، وتصدر أحكامًا قاطعة حول من يمثل الشعب السوداني ومن لا يمثله، وهي مسألة سياسية يقرّرها الشعب نفسه، لا الوزارة ولا أجهزتها.
البيان لم يكتفِ بالرفض، بل استخدم لغة خشنة شبيهة ببيانات الحملات الإعلامية، حين وصف المجموعة بـ”الذراع السياسية للراعية الإقليمية للمليشيا الإرهابية”، ووصف الدعم السريع نفسه بالمليشيا الإرهابية، في وقت لا تزال فيه العملية السياسية تحتاج إلى قدر من الحكمة والهدوء وضبط المصطلحات، لا الانزلاق نحو خطاب التحشيد والتخوين.
من المدهش أن تصدر وزارة الخارجية بيانًا مطولًا تدين فيه مجموعة تدّعي أنها “لا تملك سندًا شعبيًا”، وهي مغالطة سياسية ومنطقية؛ فلو كانت هذه المجموعة فعلاً معزولة وبلا وزن، فلماذا تُكرّس وزارة الخارجية جهدها لمهاجمتها؟! إن مجرد اهتمام الوزارة بتحركات هذا الوفد يدل على أنه ذو تأثير ووزن سياسي وإعلامي لا يمكن إنكاره. الوزارة – بشكل لا واعٍ – أكدت في بيانها أن هناك منابر إقليمية ودولًا أفريقية تستقبل هذه المجموعة وتتعامل معها، ما يعني أن هناك اعترافًا ضمنيًا بفاعلية حراكها، وهذا ينسف أساس الحجة التي قام عليها البيان.
في وقت يعاني فيه السودان من عزلة دبلوماسية خانقة، ومن تراجع غير مسبوق في علاقاته الإقليمية والدولية، كان الأحرى بوزارة الخارجية أن تتحرك لإصلاح العلاقات الخارجية المنهارة، وشرح الموقف السوداني بشكل متزن وشفاف، وليس بمهاجمة شركاء القارة وإصدار التهديدات المبطنة لهم، كما ورد في البيان عندما قالت الوزارة إنها “ستقيم علاقاتها مع هذه الدول على ضوء دعمها للشرعية الوطنية”.
فهل أصبحت وزارة الخارجية أداةً لإعادة تعريف الشرعية على هواها؟ وهل يُعقل أن تُهدد دولًا أفريقية لمجرد استقبالها سياسيين سودانيين؟ إن هذا الخطاب لا يليق بدولة ذات سيادة، ولا يخدم السودان ولا صورته في الخارج، بل يُظهِره في حالة من الارتباك والعداء المجاني، ويعطي صورة مضطربة عن مؤسسات الدولة.
إن الدكتور عبدالله حمدوك، رغم تحفظات البعض عليه، يظل رئيس وزراء انتقالي سابق نال شرعيته عبر اتفاق سياسي واسع، ودُعِي في مناسبات إقليمية ودولية كممثل للمدنيين السودانيين.
ومع اختلاف الآراء حول حراك “صمود” ومواقفه، يبقى المبدأ الأساسي أن العمل السياسي السلمي ليس جريمة، وأن الدبلوماسية الرشيدة لا تلاحق الآراء المعارضة، بل تحتويها وتتعامل معها بعقلانية.
إن بيان وزارة الخارجية السودانية – الصادر في 22 يونيو 2025 – يُعد واحدًا من أكثر البيانات الرسمية انحدارًا عن الأعراف الدبلوماسية، ليس فقط بسبب لغته غير اللائقة، بل بسبب الدور الذي اختطته لنفسها كجهاز للفرز السياسي والتخوين، بدل أن تكون لسان الدولة العاقل في محيط مضطرب.
لقد آن الأوان لأن تعود الوزارة إلى وظيفتها الأساسية: رعاية مصالح السودان الخارجية، وبناء جسور التواصل، لا إشعال الحرائق.
ويبقى السؤال قائماً: إذا كانت هذه المجموعة، كما يقول البيان، “لا تمثل إلا نفسها”، فلماذا كل هذا الانشغال بها؟ أليس هذا في حد ذاته دليلًا على تأثيرها؟
الحبوب، مهدي داؤد الخليفة.
عندما تجي سيرة وزارة الخارجية، عندها نتذكر قصيدة الشاعرامرؤ القيس الشهيرة: قِفَا نَبْكِ مِنْ ذِكْرَى حَبِيْبٍ وَمَنْزِلِ.. بِسِقْطِ اللِّوَى بَيْنَ الدَّخُولِ وحَوْمَلِ. ونتذكر ايضا خراب سوبا ومالطا.
ديل ناس زعلانين من الثورة لأنه لجنة تفكيك التمكين فصلتهم لعدم الكفاءة ولأنه تعيينهم
كان كله فساد في فساد….. ما في أي فرصة لسوداني ما كوز عشان يدخل الخارجية دبلوماسيا