أخبار السودانأهم الأخبار والمقالات

تفتت التحالفات السياسية في السودان أزمة تؤرق الجيش

 تعاني التحالفات السياسية في السودان من تفسخ مع استمرار الحرب وعدم الوصول إلى تفاهمات تقود لوقف إطلاق النار، بما انعكس على معسكر حكومة بورتسودان، وسط اعتراضات حركات مسلحة على تشكيل حكومة مدنية جديدة تتجاوز مكتسباتها حكومة الأمر الواقع التي جرى حلها، ما يضع أشواكا عدة على خطط الجيش وإعادة ترميم تحالفه من أجل إعادة تقديمه بشكل مغاير للمجتمع الدولي.

ودعا مؤتمر الجزيرة (منظمة أهلية) الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق سلام جوبا لتجاوز المحاصصة السياسية التي أثبتت عدم جدواها في بناء دولة مستقرة وعادلة، بعد أن شهدت الساحة السودانية تحولات منذ توقيع الاتفاق، ولم تعد المظالم التي شكلت ركيزة المشروع السياسي للحركات المسلحة حكرًا على شريحة بعينها أو أقاليم محددة، وامتدت لتصبح قضايا وطنية جامعة يتقاسمها عموم الشعب.

وحاول قائد الجيش السوداني الفريق أول عبدالفتاح البرهان لملمة شظايا الخلافات داخل تحالف نسجه عقب اندلاع الحرب ضد قوت الدعم السريع، وعقد اجتماعا مع قادة في الحركات المسلحة وأوعز إلى رئيس الحكومة الجديد كامل ادريس عقد اجتماع مماثل، دون أن تصل الأطراف إلى توافق بسبب رغبة الحركات المسلحة الاستمرار في وزارات حصلت عليها بعد اتفاق سلام جوبا، بينما ادريس يريد إعادة توزيع المقاعد الوزارية، والاعتماد على كفاءات تكنوقراط بعيدا عن المحاصصة السياسية.

 

جعفر حسن: استمرار الحرب لفترة طويلة يفتت وحدة التراب الوطني
جعفر حسن: استمرار الحرب لفترة طويلة يفتت وحدة التراب الوطني

 

وأثار حاكم إقليم دارفور ورئيس حركة تحرير السودان مني أركو مناوي جدلا في بعض الأوساط السياسية بعد نشره تغريدة غامضة عبر منصة “إكس”، ألمح فيها إلى وجود محاولات ممنهجة لتشويه سمعته وتسريب محاضر اجتماعات “محرّفة” بغرض اغتيال شخصيات سياسية، مضيفا: “هذه الصفة الجبانة لا تليق بسلوك الحُكّام.”

ولم تكن الخلافات داخل معسكر الجيش بمعزل عن تحالفات سياسية أخرى في السودان، في مقدمتها تحالف القوى المدنية المعروف بـ”قوى الحرية والتغيير” قبل أن تتفكك إلى ثلاث جهات، بينها الكتلة الديمقراطية التي تتحالف مع الجيش وشهدت اعتراضا من بعض الأحزاب داخلها على طريقة تشكيل الحكومة الجديدة مؤخرا، كذلك الوضع بالنسبة لتنسيقية القوى الديمقراطية (تقدم) التي انقسمت إلى “تأسيس” المتحالفة مع قوات الدعم السريع لتشكيل حكومة موازية، و”صمود” ويرأسها رئيس الحكومة السابق عبدالله حمدوك وفشلت أيضا في استعادة لحمة قوى مدنية توافقت على إزاحة نظام الرئيس السابق عمر البشير.

وتشهد تحالفات الدعم السريع انقسامات قادت إلى اخفاقها في تشكيل حكومة موازية قالت إنها سترى النور منذ فبراير الماضي، في ظل عدم وجود تناغم سياسي بين الدعم السريع والحركة الشعبية/ شمال جناح عبدالعزيز الحلو، وسط خلافات مماثلة على توزيع المناصب الحكومية، وأصدرت القوى السياسية المنضوية في هذا التحالف بيانات عبرت فيها عن انزعاجها من تهميشها، ما أوجد تحالفا هشا.

وتكررت الانقسامات داخل بعض الأحزاب، أبرزها حزب الأمة القومي وبه ثلاث تيارات لها مواقف متباينة، أحدها يؤيد الدعم السريع ووقع على تحالف “تأسيس”، والثاني يقف إلى جانب الجيش ويقاتل معه عسكريا، والثالث مع “صمود” وهو تيار يرفض الانضمام إلى أي من طرفي الصراع. وتكرر الأمر مع الحزب الاتحادي (الأصل) ولديه تياران، أحدهما مع الجيش، والآخر مع الدعم السريع، بجانب انقسامات داخل الحركات المسلحة التي تفتت بعضها لأجنحة عبر مسميات واحدة، يصعب التعرف على أصل هذه الحركات وقوتها البارزة.

وقال القيادي بتحالف “صمود” جعفر حسن إن وقف الحرب يرتبط بتشكيل رؤية سياسية موحدة حول كيفية الوصول إليها، وبناء مستقبل السودان، وهو ما يحتاج إلى وحدة أكبر عدد من القوى السودانية، والتفافهم حول القضايا الوطنية، غير أن الحرب أحدث انقساما عميقا في المجتمع، وأفرز خلافا جهويا وقبليا لدرجة أنه في البيت الواحد يتواجد مؤيدون لهذا الطرف أو ذاك، ما يؤثر على جمود الحلول السياسية.

 

نورالدين صلاح الدين: عدم رتق الخلاف يعني عدم وجود تفاهمات تحل الأزمة السودانية
نورالدين صلاح الدين: عدم رتق الخلاف يعني عدم وجود تفاهمات تحل الأزمة السودانية

 

وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن استمرار الحرب لفترة طويلة يفتت وحدة التراب الوطني، ويعزز انقسام التحالفات، ما يجعل الجميع يتململون، وتظل هناك رغبة في البحث عن حلول سريعة يصعب تنفيذها، ويقود ذلك إلى اهتزاز عام في الرؤية، فضلا عن تقاطع المصالح بين القوى المختلفة، والتي يظهر تأثيرها واضحا في معسكر حكومة بورتسودان التي علت فيها التناقضات وظهرت في العلن. وأشار إلى أن الخلافات جزء من أساليب حرب لا يقتصر فيها الأمر على السلاح، وحال تمددت الأزمات السياسية وزاد الانشطار، فإن وحدة السودان سوف تصبح مهددة، وأن جزءا من الخلاف قبلي وجهوي ومناطقي، والولايات التي لم تصلها الحرب ظهرت فيها بوادر صراع.

ومن المستبعد الوصول إلى انشقاق كامل في معسكر الجيش حاليا، رغم تفاقم الخلافات بين جناح إسلامي يسيطر على اتخاذ القرار، وحركات مسلحة ومجموعات قبلية تتحالف مع الجيش، أبرزها قوات درع السودان بقيادة أبوعاقلة كيكل، والجديد في خلافات معسكر الجيش أنها ظهرت للعلن عبر وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي، وهناك توافق ضمني على أن تغذيتها وهو ليس في صالح وحدة السودان.

وأكد القيادي في التيار الوطني السوداني نورالدين صلاح الدين أن معسكر بورتسودان قد يصل إلى صيغة تجعل الجبهة متماسكة، ولا توجد مصلحة للجيش والحركات المسلحة في تصدع العلاقة بينهما، وينحصر الخلاف في توزيع حقائب السلطة، وهو مشكلة تهدد وصول السودان إلى مرحلة الاستقرار في المستقبل، وتؤثر على قدرة رئيس الحكومة الجديد تشكيل وزارة تقرب المسافات بين القوى السياسية.

وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن عدم رتق الخلاف يعني عدم وجود تفاهمات تحل الأزمة السودانية، وكان من المتوقع أن تدمر الحرب البلاد، وهو دافع يكفي للتوافق قبل أن يصبح تفتت السودان قريبا، فلا يوجد سيناريو أسوأ مما هو قائم. وتؤدي إطالة الحرب إلى ظهور “أمراء حرب جدد” ملتحفون بعلاقات إقليمية تتقاطع مع مصالح دول لا يهمها مصلحة السودان، ما يمهد إلى تفتيته إلى دويلات صغيرة.

وبات السودان أمام أربع قوى لها إدارات مختلفة، أولها الحكومة السودانية في بورتسودان وتدير مناطق تقع تحت سيطرة الجيش، والثانية في مناطق سيطرة الدعم السريع، والثالثة في مناطق تسيطر عليها الحركة الشعبية/ عبدالعزيز الحلو، والرابعة تقع تحت سلطة حركة جيش تحرير السودان بقيادة عبدالواحد محمد النور.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..