
“الثوار يصنعون التاريخ، لكن رجال الدولة هم من يكتبونه.”
— ونستون تشرشل
ظلّت السياسة السودانية، طيلة العقود الماضية، أسيرة طقسٍ ثوريّ لا ينتهي—تُردَّد فيه الشعارات كالتعاويذ، وتُستعاد فيه الاعتصامات كأنها أناشيد الفداء، ويُطيل أمده قادةٌ لا يفرّقون بين الثورة كوسيلة للعبور نحو الحكم، وبينها كهوية يتوشّحون بها في مواسم الفشل. ولكن *السودان لا يحتاج اليوم إلى رمز جديد يُعلّق على الجدران، بل إلى بنَّاء يتقن فن التأسيس*، إلى موحِّد عاقل يُجيد قراءة الخرائط لا كتابة الهتافات وارتجال الخطابات.
ما يحدث اليوم في السودان لا يشبه دولة تنهار، بل يشبه شيئًا لم يُبنَ أصلاً. إنها الحرب، بالفعل. لكن خلفها، خواء سياسي كامل، وسرطان في جسد الشرعية. تعدد في الأعلام، تضخم في الجيوش، وانقراضٌ تام لما يمكن تسميته بـ”القرار السيادي”. لقد *أصبح السودان نسخة أشد فوضى من كونغو كابيلا*—ميليشيات بواجهات دبلوماسية، أحزاب بحسابات تويتر فقط، ووزارات تُدار من خارج الجغرافيا. الجميع يتحدث باسم الشعب، لكن لا أحد ينظر في عينيه.
لقد وُعد هذا الشعب بالخلاص عشرات المرات: مرة تحت عمامة طائفية، وأخرى خلف نظّارة حداثية، وثالثة بخوذة عسكرية، واليوم من مكرفون معارض عبر الأقمار الصناعية. وكل مرة، يُنهب ما تبقى من ثقته. ووسط كل هذا، لا أحد يطرح الأسئلة المؤجلة: كيف انحدرنا إلى هذا القاع من التفسخ الأخلاقي والسياسي، بل كيف بلغنا هذا الإجرام المتناهي؟ *من يتصدّى لمساءلة الذات قبل غيرها؟* من يملك الجرأة على اتخاذ قرارات شجاعة من أجل بقاء الأمة؟ من سيوحّد الجيش؟ من سيسلم المطلوبين للجنائية الدولية؟ من سيلاحق الرأسمالية النهبوية؟ من سيلغي قوانين سبتمبر؟
أمام هذا الخراب، لا بد من صوت آخر. صوت لا يعزف على وتر الأمل الساذج، ولا يستثمر في شعارات المقاومة أو الثورة المؤبدة. صوت يقول ببساطة إن الحكم ليس توزيعاً للمقاعد، ولا تطبيعاً مع الفوضى. *إن ما يجري في بورتسودان ليس شراكة سياسية، بل مقايضة بائسة*. توزيع الوزارات هناك يشبه قسمة الغنائم في معركة لم ينتصر فيها أحد. وكلما اقترب أحدهم من “المقعد”، ابتعد عن “المشروع”. وكلما زادت الصفقات، نقصت الدولة.
لا نحتاج اليوم إلى زعيم نعلّقه في ساحتنا أو إلى شهيد نستعيره في أغنياتنا، بل نحتاج إلى فلاح الرومان “سينسيناتوس”، إلى (الحكيم العابر) الذي استُدعي من حقله لقيادة الأمة في ساعة الشدة، ثم عاد إلى محراثه بعد أن أدى مهمته. ولدينا في تراثنا من يشبهه: شيوخُ العقل من أهل الحضر، وسدنة الحكمة من أهل المدر، أولئك الذين مارسوا القيادة لقرون لا من أجل الهيمنة، بل اتقاءً للفرقة وحفاظًا على السلم الاجتماعي. السودان يحتاج إلى قيِّم، لا إلى “كاهن”، يحتاج إلى من يُدرك أن *الجمهوريات لا تُؤسس في ظلال الهتاف، بل في وهج التخطيط والتنفيذ والمساءلة.
على هذا الصعيد، فقد سعت “السلطة الانتقالية للسيادة المؤقتة في السودان” (TASIS) إلى تأسيس شرعية تنبع من التمثيل الشعبي والانخراط المدني. لعلها نالت نصيبًا من ثقة الجماهير، وما ينقصها الآن هو الثقة بالنفس، والشجاعة لربط شرعيتها بالفعل التنفيذي، ولتحويل التمثيل إلى إنجاز. إن سكان الهامش، الذين انتظروا طويلاً أن يُخاطَبوا كمواطنين لا كتوابع، فإنهم “يرقبون ما يحدث بقلق صامت” وخيبة أمل تتسع يوماً بعد يوم. فعلام التأخير في إعلان حكومة تأسيس وهل هي وسيلة لمنازعة الشرعية أم أداة لتحقيق أهداف واقعية؟
إن حلمنا بالديمقراطية لم يُختَطَف على يد الجنرالات وحدهم، بل أيضًا على يد من حوّلوا الثورة إلى ماركة مسجلة، والحكم إلى فعل مؤجل. لقد حلّ خطاب المقاومة (أو الثورة) محلّ علم الحُكم (الحِكمانية)، وانسحب التفكير المنهجي لصالح الشعارات. واليوم، لا بدّ من تأسيس جمهورية جديدة—شرعيتها لا تُستمد من التهليل، بل من الخدمة، ومن حكم القانون، ومن قدرة الدولة على العدل والإنصاف.
لكن الدولة لا تُبنى بالأمل وحده، ولا بالرموز المتعبة، بل بالرجال والنساء الذين يتقنون فن إدارة الموارد، وفن صياغة السياسات، وفن إعادة البناء بعد الخراب. *نحن لا نفتقر إلى الكلمات. نحن نغرق فيها*. ما ينقصنا هو الفكر التنفيذي، والتخطيط الإستراتيجي، والجرأة على قول الحقيقة الباردة: أن الشعارات لا تبني جيوشًا موحدة، ولا تنشئ مؤسسات مستقلة، ولا تنقذ وطناً ينزف.
ختامًا، آن أوانُ أن تتحوّل الثورة إلى برنامج، والهتاف إلى تشريع، والغضب إلى نظام إداري. وهذا لا يتحقق إلا بتدريب الكوادر، وتأهيل الفاعلين، وبناء جيل جديد من التقنيين، لا يُجيد الخطابة فقط، بل يُجيد الحكم. حينها فقط ستستقيم الندوات، وتكتسب المشاورات قيمتها، ويُصبح النقاش حول الحوكمة والسياسات أكثر من ترف فكري—بل يُصبح شرطًا لبقاء الوطن. عندها فقط، ستتحوّل الثورة من لحظة مجيدة إلى مصير مؤسَّس.
قوانين سبتمبر كانت السبب الرئيسى فى تدمير عاصمة الخلافة الاسلامية الخرطوم فدولة تجلد شبابها بالسوط لا تستحق البقاء ودولة يكون همها طول ملابس النساء وغطاء الشعر لا بد ان تنهار والمضحك ان والى جنوب كردفان ٱنذاك خصص ميزانية لقتل وابادة الحنازير البرية وفقا للشريعة . فقد وضع هذه القوانين الهالك المقبور الجيفة السنغالى حسن الترابى خطها بقلمه وفى صالونه وذهب بها الى زريبة مجلسه الوطنى الذى يمتلكه واجازها . وحتى مثقفى السودان القديم سابقا ونخبه ومنهم دكتور الوليد اذا كلف بالسلطة يوما ما لن يجرؤ على الاقتراب من قوانين سبتمبر لان هتاف الاخوان جاهز للتهديد .. الحد … الحد .. لمن يرتد ..ويكتفى فقط بتداولها ونقدها فى مقالاته . ولدينا سؤال مشروع لماذا لا يلغيها الدعم السريع فى مناطق سيطرته ؟؟ لان الدعم السريع صناعة اخوانية وعقيدته اخوانية وقادته اخوان حتى النخاع ولا يمكنهم التخلص من ( عدة الشغل ) وقد شاهدنا ضابطة برتبة كبيرة تتيع الدعم وهى تداهم البيوت وتسكب المريسة على الارض جداول وهى تكبر وتهلل .
حكي وتنظير وكلام وانشاء ومثاقفة فارغة… الواقع غاية في التعقيد . قبل الحرب كانت حدود السودان مفتوحة يدخل منها الالاف يوميا دون رقيب
قبل الحرب كان هولاء عبارة عن بؤر وبراميل بارود منتظرة الشرارة وكانت الحرب هي الشرارة وانفرط عقد الامن انفراط غير مسبوق بعض المتظاهرين او ما يعرف بالثوار جلهم يجهل خطورة اجزمة الجريمة حول الخرطوم والمدن الكبيرة المجرم حميتي قال بتجنيد اعداد هائلة من هولاء المرتزقة من جنوب السودان واثيوبيا وتشاد والنيجر وغيرها والنتيجة هذا الركام الهائل من الدمار والخراب والاشلاء .. اصبحت مفردة الثورة او كلمة الثوار عند كل سوداني مرتبطة بهذا الهشيم وهذا الخراب . لن يضحك احد على شعب السودان بمفردات من شاكلة ثورة وثوار بعد هذه الحرب .. انتهى دور العملاء الذين يحاولون الاستفادة من خلق الفوضوى بمثل هذه الدعاوى ( ثورة وثوار ) ……… الشعب لن يغفل مرة ثانية … التجنيد للدفاع عن الحرمات مستمر في كل اصقاع السودان بيننا وبينكم الميدان
نعم يادكتور
اظهر كما انت ولاتحاول التخفى
البس الكدمول واظهر كجنجويدى عنصرى كامل الدسم