مقالات وآراء

سلة غذاء العالم أم ساحة صراع؟ مأساة السودان المفقود بين الثروات والحروب

📝 أواب عزام البوشي

 

في قلب أفريقيا، يقف السودان كبلد يمتلك خيرات هائلة تجعله مؤهلاً لأن يكون من أكبر موردي الغذاء والطاقة للعالم. لكن الواقع يعكس صورة مختلفة تمامًا : صراعات مستمرة ونزاعات لا تنتهي تحوّل هذا البلد الغني إلى ساحة صراع تؤثر على حياته ومستقبله.

بينما تمضي دول العالم في طريق التنمية، تُشيّد المصانع، وتبني اقتصادات قوية، يغرق السودان في دوامة من الأزمات السياسية والاقتصادية. هذه المأساة ليست بسبب نقص الموارد، بل بسبب غياب الاستقرار وفقدان الحكماء الذين يمكنهم تحويل هذه الموارد إلى مستقبل مزدهر.

في بلد يملك من الخيرات ما يكفي لإطعام نصف سكان الكرة الأرضية، هناك ملايين من البشر يبحثون عن رغيف الخبز، ويهربون من رصاص لا ينتهي. تلك هي المفارقة السودانية: بلد غني حتى التخمة، فقير حتى العظم.

بينما تمضي دول العالم في سباق محموم نحو التقدم، تُشيّد المصانع، وتطلق الأقمار الصناعية، وتبني اقتصادات المعرفة، يغرق السودان في صراع ممتد لا يرى له أحد نهاية. فكلما لاح أمل في السلام، انفتح جرح جديد، وكلما استبشر الناس بانتقال سياسي، انقلب الحال إلى نزاع دموي.

والأشد إيلاماً أن السودان لا يفتقر إلى الموارد. بل العكس تماماً. فالسودان يمتلك أراضي زراعية شاسعة تزيد على 200 مليون فدان، وأنهاراً ومياهاً جوفية هائلة، ومعادن نفيسة مثل الذهب والحديد والكروم والنحاس، فضلاً عن النفط والثروة الحيوانية التي تُعد من الأكبر في إفريقيا. كل هذه الخيرات تجعله مرشحاً ليكون سلة غذاء العالم ومصدراً مهماً للطاقة والثروات.

لكن الحقيقة القاسية أن كل هذه الثروات ظلت حبيسة الصراع، لأن السودان فقد أهم ما تملكه الدول التي تتقدم: الحكماء.

لقد افتقد السودان رجال الدولة أصحاب البصيرة، القادرين على تغليب المصلحة الوطنية فوق المصالح الضيقة. غاب الحكماء الذين يعرفون متى يضعون السلاح، ومتى يجلسون إلى طاولة التفاوض، وكيف يحمون موارد البلاد من أن تتحوّل إلى سبب للحروب بدلاً من أن تكون أداة للتنمية.

في غياب هؤلاء الحكماء، صار الصراع هو سيد الموقف، وصار الشعب هو الضحية، وصارت موارد السودان وقوداً لحروب عبثية أو مطمعاً لقوى خارجية.

ويبقى السؤال الأهم : إلى متى يظل السودان أسير صراعاته؟ وهل ينهض ذات يوم على يد حكماء يوقفون نزيفه، ويحسنون إدارة ثرواته، ويضعونه على طريق الدول التي تتقدّم؟

ربما يظل الأمل قائماً، ما بقي في السودان من يؤمنون بأن هذا الوطن يستحق حياة أفضل.

[email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..