مقالات وآراء سياسية

30 يونيو : شعلة الثورة في عتمة الحرب وخيانة التسوية

زهير عثمان حمد

 

بين أنقاض الخراب الذي تشهده العاصمة الخرطوم ومدن السودان اليوم، تحل علينا الذكرى السادسة لموكب 30 يونيو 2019م، لا كحدث غابر، بل كنداء استغاثة من الماضي يحذر الحاضر وينير المستقبل. تلك اللحظة الثورية التي خرج فيها الملايين لم تكن مجرد رد فعل على مجزرة القيادة، بل كانت توقيع الشعب السوداني على عقد جديد مع ذاته: عقد لا مساومة فيه على الدم، ولا قبول فيه بالعودة إلى دولة القمع والفساد.

 

أولاً : من المجزرة إلى الحرب – كيف سُرقت الثورة مرتين؟

لا يمكن فهم ما يجري في السودان اليوم من دمار شامل إلا بالعودة إلى انقلاب 30 يونيو 1989م، حيث بدأ مشروع التمكين الإسلاموي وبُنيت دولة المليشيا والفساد. وقد أعادت مجزرة القيادة العامة في يونيو 2019م، وانقلاب 25 أكتوبر 2021م، تثبيت هذه الحقيقة: النظام القديم لم يسقط.

 

جاء موكب 30 يونيو كرد ثوري فسيولوجي على هذا المسار الدموي، لكن ما أعقبه من تسوية – تحت مسمى “الشراكة” – لم يكن إلا إعادة تدوير للمنظومة نفسها. لقد ضمنت الوثيقة الدستورية الحصانة للمجرمين، وشرعنت الدعم السريع، وأبقت على مفاصل النظام القديم دون مساس، فكانت النتيجة حتمية: حرب إبادة جديدة في أبريل 2023م.

 

ثانيًا : الحرب مشروع مضاد – و30 يونيو هو الرد

الحرب ليست عشوائية. إنها خطة لاستعادة سيطرة الإسلامويين عبر تحالفهم مع المليشيات، في مواجهة بقايا الثورة ومحاولات إعادة بناء الدولة المدنية. أدواتهم تنوعت بين تعيينات مدنية مُضلِّلة، كـ كامل إدريس، وهجمات على النقابات والإعلام، وخلق مجاعات، وتدمير مقصود للبنى التحتية.

 

وسط هذا الظلام، يظل 30 يونيو علامة مضيئة: وحدة الشعب أقوى من كل الجيوش والمليشيات. درس الموكب هو أن الطريق للمدنية يبدأ من الشارع لا من غرف المفاوضات. الشراكة السابقة كانت خيانة، وأي محاولة جديدة لإعادة تدويرها ستكون نكبة وطنية.

 

ثالثًا : خارطة الإنقاذ – من الغضب إلى الفعل

لتجاوز الحرب والتأسيس لسلام مستدام، لا بد من تحالف قاعدي عريض ومتماسك، يتجاوز النخب الفاشلة، ويقود برنامجًا وطنيًا يرتكز على:

 

العدالة والمساءلة : محاكمة المتورطين في جرائم الحرب، وإصلاح القضاء، ودعم المحكمة الجنائية.

 

تفكيك العنف : حل المليشيات، بناء جيش قومي موحد، بإشراف مدني كامل.

 

الإنقاذ الاقتصادي : إعادة إعمار البلاد، تأمين الغذاء، ودعم الإنتاج المحلي، ومحاربة الفساد.

 

البناء الديمقراطي : مؤتمر دستوري، قانون انتخابات عادل، حماية الحريات العامة.

 

السلام الحقيقي : إلغاء اتفاق جوبا الفاشل، وتفاوض شامل مع المجتمعات المتضررة.

 

السيادة الوطنية : منع القواعد الأجنبية، وقف بيع الموانئ، وحماية الموارد الوطنية.

 

الثورة مستمرة

إن الذكرى السادسة لموكب 30 يونيو لا تخص الماضي فقط، بل هي لحظة استدعاء لكل قوى الثورة لتستعيد زمام المبادرة. لقد حاول النظام قتل الثورة مرتين : مرة بالرصاص، ومرة بالخيانة. لكن شعلة 30 يونيو لا تنطفئ.

كما هتف الناس في الشوارع : “ثورتنا ثورة شعب .. ما بتموت!”

فلتكن هذه الذكرى انطلاقة جديدة نحو سودان مدني ديمقراطي موحد، لا مكان فيه للعسكر أو المليشيات أو الفساد.

 

[email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..