مقالات وآراء

ستة وثلاثين سنة من الخراب : هل بقي في عيونهم دمعة ؟

نبيل منصور

 

قبل ٣٠ يونيو ٢٠٢٥م بيوم

لا، لن يبكي البرهان.

ولا الكيزان ستدمع أعينهم.

لأن من تجرّد من الإحساس طوال ستة وثلاثين عامًا، وشارك في هذا الخراب العظيم، لا يملك دمعة حقيقية.

 

ليس لأنهم لا يشعرون، بل لأنهم خلعوا جلدهم الإنساني منذ زمن، واستبدلوه بدرع سميك من المصالح والنهب والدم البارد وخدر السلطة، ووهم “التكليف الإلهي” الزائف.

 

من حكموا السودان باسم الدين ثم دمّروه باسم الله،

من فخخوا الوطن بالحروب والجهل والفساد،

من داسوا على الكرامة وسرقوا الأحلام،

هل تتوقع منهم أن يبكوا حين ينظرون حولهم اليوم؟

 

هؤلاء لا يبكون إلا على سلطة ضاعت، أو منصب فات، أو نفوذ تآكل.

 

فهم لا يعرفون وجع الأمهات، ولا يشعرون بكمد الآباء، ولا يخجلون من نظر الأطفال في أعينهم.

 

بل حين تصلهم كلمات الناس، حين يقرؤون هذا المقال أو يسمعون نداء الغضب، لا يقرؤونه كصرخة من وطن محروق،

 

بل كمادة “دعائية” لناشط، أو “خيانة وطنية”،

أو إضافة جديدة إلى قائمة أعدائهم التي لا تنتهي إلا حين يبقى الوطن لهم وحدهم، خراباً ومقابر.

 

لن يبكوا أو تدمع أعينهم لأنهم لا يعتبرون هذا الخراب هزيمة… بل ضرورة مرحلة.

 

لأنهم لا يشعرون بوخز الضمير … فهم عطّلوه منذ زمن طويل.

 

لأنهم لا يحسون بالذنب … فهم لا يعترفون أصلاً أن هناك ضحايا، بل مؤامرات خارجية وإساءات متعمدة لتشويه صورتهم.

 

لكن…

 

من سيبكي هذا الوطن حقيقة هو كل من عاش الجحيم.

من هرب من قصف الطائرات التي كانت يُسيّرها نظامهم.

 

من ماتت أمه في طوارئ بلا دواء لأنهم نهبوا ميزانية الصحة.

 

من أغتُصبت إبنته وشقيقته أو جارته في أطراف المدن بسبب الحروب التي أشعلوها في كل شبر من الوطن في سبيل السلطة والنفوذ.

 

من جاع أطفاله في دولة من أغنى الدول موارداً، وأفقرها واقعاً.

 

من نُهب متجره أو بيته على يد “الجيش الوطني” الذي جاع جنوده كما جاع المواطن، بفعل فسادهم هم.

أو بسبب المليشيات التي صنعوها.

 

من يحمل جوازاً لا يُحترم، وهوية مشوهة، وذكريات وطن صار أطلالاً.

 

سيبكيه كل من عاش كسرة الروح نتيجة

الحرمان والعوز والفاقة والتشرد .

 

ذلك الانكسار الذي لا يُرى بالعين، ولكن يُحس في الصمت، في التنهيدة، في العزلة، في الهروب، في فقدان الحلم.

 

رسالتنا، وكل كلمة نكتبها، ليست موجهة للبرهان ولا للكيزان.

هؤلاء لا يسمعون، ولا يتأملون، ولا يعترفون.

 

رسالتنا هي للشعب…

للتاريخ…

لأطفال الغد الذين نريد أن نحصّنهم من أكاذيب اليوم.

 

هي وثيقة إدانة.

هي نداء وعي.

هي صوت مقاومة لن يموت.

 

وليعلموا…

حتى إن لم يبكوا اليوم،

فستبكيهم العدالة ذات صباح.

حين يساقون للحساب،

كما يُساق كل طاغية ظن أن لا أحد يراه.

 

[email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..