أخبار السياسة الدولية

أحكام ضد إسلاميين في الجزائر تؤشر على عودة الصقور

نطقت محكمة جزائرية بعقوبات السجن النافذ في حق خلية الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحظورة، مع إعادة التكييف من الجناية إلى الجنحة، الذي بدا أنه تخفيف من ثقل الملاحقة على البيان السياسي الذي أصدروه في خريف العام 2023، لكن دلالة الحكم توحي بالقطيعة بين السلطة وقدماء الإسلاميين، رغم الاستعانة بهم في ذروة احتجاجات الحراك الشعبي من أجل تهدئة الأوضاع، بحسب شهادة أحد المتهمين.

ومع تفاؤل أبداه مقربون من الحزب، حول إمكانية شمول عناصر المجموعة بعفو رئاسي منتظر في الخامس من يوليو بمناسبة عيد الاستقلال الوطني، لم يستبعد متابعون للشأن الجزائري أن تكون العقوبات تعبيرا عن تغير في رؤية السلطة تجاه العلاقة مع تركة الحزب المحظور، وفق قاعدة الصقور والحمائم، خاصة بعد العودة اللافتة لجهاز الاستخبارات السابق إلى مفاصل الدولة، كمديرية الأمن الداخلي التي أسندت إلى الجنرال عبدالقادر آيت أوعرابي (حسان)، مقابل تراجع نفوذ المعتدلين المنفتحين على الوعاء الإسلامي.

وأصدرت محكمة الدار البيضاء بالجزائر العاصمة، في درجتها الابتدائية، أحكاما تتراوح بين ثلاث وأربع سنوات سجنا نافذة، في حق مجموعة ما يعرف بـ “شيوخ وإطارات” الجبهة الإسلامية للإنقاذ، على خلفية بيان سياسي أصدروه في شهر أكتوبر العام 2023، وتم تكييفه إلى تهم جزائية تتعلق ببث منشورات تهدد سلامة واستقرار البلاد، وممارسة نشاط بواسطة هيئة غير مرخص لها، وإثارة جراح المأساة الوطنية.

◄ رغم حل الحزب ظلت بعض قياداته حاضرة في المناسبات كتنسيقية الانتقال الديمقراطي أو قنوات الاتصال مع السلطة

و”شيوخ وإطارات الجبهة الإسلامية للإنقاذ”، هي هيئة يديرها قياديون سابقون في الحزب المحظور، وتنسب نفسها إليه، سبق لها أن سجلت حضورها في الشأن العام عبر عدد من البيانات والتصريحات السياسية، قبل أن تصدر بيانا في خريف العام 2023، عبّرت فيه عن موقفها من الوضع السياسي والحقوقي القائم في البلاد، وحضت على الحوار الشامل وإطلاق سراح المساجين السياسيين، لاسيما ما يعرف بـ”سجناء التسعينات”.

وأثار محامون وحقوقيون عدة استفهامات قانونية حول الخلفيات الحقيقية لمكوث المجموعة المكونة من 18+1، مدة 21 شهرا في الحبس المؤقت دون برمجة ملفهم على المحاكمة إلى غاية الأسبوع الجاري، بينما يجري تسريع وتيرة بعض المحاكمات الأخرى، لاسيما وأن الضبطية القضائية أنهت تحقيقاتها في الأشهر القليلة التي تلت عملية التوقيف، بينما لم تبق لقاضي التحقيق إلا إجراءات شكلية بسيطة.

وتتشكل الهيئة من عدة قيادات سابقة في الحزب المذكور، على غرار أحمد الزاوي، وعلي بن حجر ويوسف بوبراس، والأخيران قياديان سابقان فيما كان يعرف بـ “الجيش الإسلامي للإنقاذ”، الذي كان يمثل الذراع العسكرية لجبهة الإنقاذ أثناء العشرية الدموية (1990 – 2000)، قبل أن يعلن عن حل نفسه في 1997، وينخرط في مسار الحوار مع السلطة.

ورغم أن القضاء أعاد تكييف التهم الموجهة للمجموعة من الطابع الجنائي المندرج في ما يعرف بـ “البند 87 مكرر”، الصادر العام 2021، والذي أعاد صياغة معالجة الجريمة الإرهابية، لتشمل أنشطة جديدة كالعمل السياسي خارج الدستور، إلى طابع جزائي تكون عقوباته مخففة، إلا أن الأحكام الصادرة بالسجن النافذ في حق هؤلاء، تعتبر قطيعة بين السلطة وبين إسلاميي جبهة الإنقاذ.

وأفاد شاهد عيان بأن القيادي أحمد الزاوي، الحاصل على الجنسية النيوزلندية، ذكر للقاضي، بأن “الذي اتصل بنا هو الذي يسجننا،” ويقصد بذلك المصدر الرسمي في رئاسة الجمهورية الذي كان على تواصل مع المجموعة في 2019 و2020، ويحضهم على إصدار بيانات تهدئة لتطويق احتجاجات الحراك الشعبي آنذاك، والتعبير عن دعم السلطة الجديدة في البلاد.

◄ المحكمة الجزائرية أصدرت، في درجتها الابتدائية، أحكاما تتراوح بين ثلاث وأربع سنوات سجنا نافذة، في حق مجموعة ما يعرف بـ “شيوخ وإطارات” الجبهة الإسلامية للإنقاذ

ومنذ إعلان الجيش الإسلامي للإنقاذ عن حل نفسه في 1997، والانخراط في مسار حوار مع السلطة، ممثلة حينها في قيادة المؤسسة العسكرية وضباط جهاز الاستخبارات، فتحت قنوات اتصال بين الجناح وبين السلطة، وتم استقبال قائده مدني مزراق، بوصفه “شخصية وطنية” من طرف رئيس الحكومة السابق المسجون أحمد أويحيى، العام 2014، في إطار ما عرف آنذاك بالمشاورات السياسية حول تعديل الدستور.

ورغم حل الحزب، وانشقاقه إلى أجنحة متباينة، إلا أن قيادات مستفيدة من تدابير قانوني الوئام المدني والمصالحة الوطنية لعامي 1999 و2005، اللذين أطلقهما الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة، من أجل استتباب الأمن وإنهاء الحرب الأهلية، ظلت حاضرة في بعض المحافل السياسية والأهلية، كتنسيقية الانتقال الديمقراطي، أو قنوات الاتصال مع السلطة الأخرى.

وكانت وجوه إنقاذية حاضرة في الوفد الذي رافق رئيس حركة البناء الوطني عبدالقادر بن قرينة، إلى اللقاء التشاوري الذي جمعه بالرئيس عبدالمجيد تبون، وهو ما يكون قد أعطى الانطباع لهيئة شيوخ وإطارات “الفيس”، (الاختصار اللاتيني) للجبهة الإسلامية للإنقاذ، بإمكانية المساهمة في الشأن العام، بالآراء والأفكار، لكن أحكام السجن، كانت صادمة ومفاجئة لهؤلاء، حسب شهود عيان، وأكدت أن القطيعة حلت محل قنوات الاتصال.

وشملت عقوبة الثلاث سنوات سجنا 12 عضوا من المجموعة، أما عقوبة الستة المتبقين فكانت أربع سنوات سجنا، أما العنصر الأخير فقط عوقب بعامين سجنا، وأن إفادات المتهمين أفضت إلى تصريح الاثني عشر عضوا أيّ صلة أو علم أو توقيع بالبيان السياسي، بينما اعترف الستة المتبقين بمسؤوليتهم، في حين أعرب الثنائي علي بن حجر وأحمد الزاوي، عن تدبيرهما وصياغتهما له، ومسؤوليتهما الكاملة عنه.

 

◄ عقوبة الثلاث سنوات سجنا شملت 12 عضوا من المجموعة، أما عقوبة الستة المتبقين فكانت أربع سنوات سجنا، أما العنصر الأخير فقط عوقب بعامين سجنا
 عقوبة الثلاث سنوات سجنا شملت 12 عضوا من المجموعة، أما عقوبة الستة المتبقين فكانت أربع سنوات سجنا، أما العنصر الأخير فقط عوقب بعامين سجنا

 

وطرح هذا التفصيل، معطى مفاجئا انطوى على فرضيتين: الأولى استغلال القياديين المذكورين في المجموعة وفي الحزب المحظور لولاء رفاقهم لتوسيع رقعة البيان وإدراج أسمائهم فيه دون علمهم، أما الثانية: فهي اتفاق يكون قد تم بين عناصر المجموعة من أجل تخفيف العبء عنهم، وتحميل مسؤوليته لمجموعة صغيرة، لكي لا تكون العقوبات ثقيلة وموزعة بالتساوي على الجميع، بما يعني تضحية المجموعة الصغيرة من أجل المجموعة الكبيرة، خاصة وأن فيهم المسنين والمصابين بأمراض مزمنة.

وكان البيان قد طالب، بـ”بتنقية الأجواء ونبذ الخلافات، ورفع القيود عن المناضلين السياسيين، وتثبيت إجراءات التهدئة من خلال إطلاق سراح مساجين التسعينات، ومناضلي الحراك،” وانتقد ما وصفها بـ”السياسات الخاطئة” للسلطة.

كما حذر من “المغامرات السياسية والاصطفافات غير محسوبة العواقب، ومن الاستدراج إلى الفوضى التي تخدم الأعداء،” ودعا “القوى الوطنية المخلصة أن تقف صفاً واحدا، دون إقصاء، تحت شعار ‘بناء الوطن أولاً‘ لإنقاذ البلاد“.

وتابع “إننا في الجبهة الإسلامية للإنقاذ، وفي مثل هذه الظروف العصيبة لن نكون عامل تشويش على أيّ طرف يسعى من داخل السلطة أو خارجها، لإسعاد الشعب، وأن النضال يفرض علينا كذلك السير في الطرق السلمية كاختيار إستراتيجي لتغيير أوضاع البلاد والعباد، بالتشاور مع كل الشركاء السياسيين“.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..