مقالات وآراء

الشراكة في الوطن ليست امتيازًا: ردّ على “العدالة في توزيع السلطة ليست ترفًا”

 

مهدي داود الخليفة

ردًا على مقال الأستاذ معتصم أحمد صالح، أمين الشؤون السياسية بحركة العدل والمساواة، والمعنون: “العدالة في توزيع السلطة ليست ترفًا”، والذي دافع فيه عن استحقاقات الحركة في اتفاق جوبا، باسم ما سمّاه اختلالًا تاريخيًا في توزيع السلطة والثروة، فإننا نرى من الضروري إعادة التأكيد على بعض المبادئ المؤسسة لفكرة الوطن والمواطنة، والتي لا ينبغي لأي جهة، مسلحة كانت أو مدنية، أن تُعيد تعريفها على مقاس مصالحها التنظيمية.

إنّ الشراكة في الوطن لا تعني امتيازات حصرية، ولا تُختزل في صكوك توزيع المناصب والحقائب. فالوطن ليس غنيمة، والشعب ليس مجموعة من “الفرّاجة” كما يُشاع في بعض الخطابات التبريرية. كل سوداني، في أي مكان من هذا الوطن، هو شريك أصيل في بنائه، ويملك نفس الحق في الكرامة والتنمية والتمثيل، لا فرق بين من حمل البندقية، ومن حمل القلم، أو المعول، أو ضمّد جراح الحرب بأمل العيش في وطن يتسع للجميع.

صحيحٌ أن هناك اختلالًا تاريخيًا في التوزيع العادل للسلطة والثروة، ولا ينكر ذلك إلا مكابر. وقد دفعت دارفور، كما كل السودان، أثمانًا باهظة من الأرواح والدموع والفرص الضائعة. لكن إذا كنا حقًا نرغب في إصلاح هذا الظلم التاريخي، فهل نُعالج الخطأ بخطأ أكبر؟

أليس من الحق أن نسأل، في هدوء وبصيرة:

هل تمثّل الحركات المسلحة التي شاركت في اتفاق جوبا دارفور بكل مكوناتها؟

أم أنها فرضت نفسها على الإقليم من موقع السلاح، واحتكرت تمثيله لمجموعات بعينها، ورفضت حتى إشراك بقية الإثنيات والمكونات المجتمعية في مؤسسات الحكم؟

إذا كانت تلك الحركات حريصة على “العدالة”، فلماذا لم تطالب بتمثيل عادل لأبناء دارفور بمختلف خلفياتهم، بدلاً من توزيع التمثيل على أسس تنظيمية ضيقة تعكس خارطة الانتماء للحركة وليس للتنوع الدارفوري الحقيقي؟

ولعل السؤال المؤلم الذي لا مفر منه: ماذا قدمت هذه الحركات لدارفور خلال مشاركتها في السلطة؟

هل تحسّن التعليم؟

هل شُيّدت المستشفيات؟

هل رأينا مصالحة اجتماعية، أو عدالة انتقالية؟

أم أن ما رأيناه هو فسادٌ مزكوم الأنوف، وتنافس محموم على الامتيازات والوظائف، لا صلة له بقضايا الإقليم ولا بتطلعات سكانه؟

إنّ الحديث عن الشراكة الوطنية يجب أن يُبنى على رؤية وطنية شاملة، لا على الامتيازات الجزئية. وعلى مبدأ المواطنة، لا منطق السلاح.

وعلى تمثيل المجتمعات، لا احتكارها.

وعلى المساءلة، لا الحصانة.

الوقت قد حان لإعادة تعريف الشراكة الوطنية، بعيدًا عن إرث المحاصصة الضيقة، والانطلاق نحو مشروع وطني جامع يُنهي الحرب، ويُرسخ السلام على أساس التعدد، والعدالة، والمسؤولية المتبادلة بين الدولة والمجتمع.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..