سبائك الدم !

مناظير
زهير السرَّاج
* هل كُتب علينا أن تتحول أىَ نعمة عندنا الى نقمة، فالنفط الذي استبشرنا به لكى يُخرجنا من دائرة الفقر والجوع سرقه ونهبه النظام البائد والكيزان وبنوا به القصور لانفسهم واسرهم، وجندوا به المليشيات .. ولم تجنِ منه بلادنا شيئا سوى الخراب، كما تحوَّل الذهب الى لعنة في ايادي الوحوش يتراهنون به على تدمير السودان وقتل الشعب !
* التقرير الذي نشرته صحيفة (الفاينانشال تايمز) في الاسبوع الماضي شهادة موثقة على أبشع عملية نهب في تاريخنا الحديث، تُدار في وضح النهار، ويُباركها صمتُ الأمم المتحدة وتواطؤ المجتمع الدولي الذي أغمض عينيه عن أنهار الدم التي تسيل ليل نهار في السودان !
* ثمانون طناً من الذهب خلال عامٍ واحد فقط، بقيمةٍ تفوق ستة مليارات دولار، نُهبت من فم الجياع والمرضى وسُرقت من جيوب المواطنين وعمال المناجم الذين يموتون اختناقاً بالسيانيد، بينما تُحلّق الطائرات الخاصة من مناجم دارفور وجبل عامر وأبو جبيهة والشمالية إلى خارج السودان حاملة السبائك الملطخة بالدم!
* أيها القابعون في مجلس الامن لبيع الكلام ، أيها المتباكون على الإنسانية في أوكرانيا وغزة، أين أنتم من هذا الجحيم .. لماذا لا تفتحون أعينكم على المقابر الجماعية وجثث الاطفال في السودان، وعلى المواطنين الذين يموتون بالكوليرا والملاريا في الخرطوم والنيل الازرق ودارفور والفارين من اتون الحرب الذين يموتون في الصحراء، بينما طائرات اللصوص تُقلع بالذهب لتمويل القتلة .. هل باتت حياتنا رخيصة إلى هذا الحد، أم أن البترول والذهب والغاز أهم من الدم؟!
* لقد تحول الذهب إلى لعنةٍ لا مثيل لها وهو ليس مجرد تمويل للحرب، بل هو سببها، ومحرّكها، وأساس بقائها. لا أحد يُطلق رصاصة إلا بعد أن تُهرَّب شحنة من جبل عامر. لا تنفجر طائرة مسيّرة إلا ويُودَع ثمنها في حسابٍ غامض بأحد البنوك خارج السودان بينما المجتمع الدولي … يراقب ويصمت، بل يتربّح!
* أين مجلس الأمن، أين مجالس التحقيق، أين “الآليات الدولية لمكافحة تمويل الحروب”؟ لماذا لا تُفرض عقوبات على شركات التهريب، لماذا لا تُنشر أسماء الطيارين الذين يخرجون بالذهب من السودان، لماذا لا يُفضح الباعة والمهربون وتُفرض عليهم العقوبات القاسية ويُطاردون كما يُطارد القتلة وتجار المخدرات؟! .. ببساطة .. لأن من يشتري الذهب، لا يعترض على من يُقتل من أجله!
* الحديث ليس عن “فساد”، بل عن مشروع دولي متكامل: مليشيات تسيطر على المناجم، شركات تتكفل بالاستخلاص، أجهزة أمنية تُغطي على الجرائم، وحكومات ترعى هذا الخراب وتقتسم العائدات. هذه هي المنظومة التي تحميها الأمم المتحدة بصمتها، وتطبعها الحكومات باعترافها بمن يملك “القوة لا الشرعية”!
* لقد باتت مناجم الذهب بعيدة عن اي رقابة او قانون أو محاسبة. لا ضرائب، لا شفافية، لا موازنات، فقط: شركات “الجنيد”، و”زادنا”، و”الدعم السريع”، و”الجيش”، وكلها أسماءٌ مختلفة لفمٍ واحد يلتهم البلاد والعباد. ليس هنالك وزارة مالية او معادن، بل جلسة فرفشة ليليلة يجتمع فيها البائعون والسماسرة، تُرفع فيها الكؤوس، ويدور النقاش عن عدد المسيَّرات التي ستدمر المنشئات وتقتل الابرياء !
* هذا ليس صراعاً بين جيش ومليشيا متمردة ً… هذه حرب مناجم دم، وصراع سبائك، وتمويل لآلة قتل جماعي، يُدار من أبراج زجاجية لامعة في الابنية الشاهقة خارج السودان، وكل ذلك … بصمت أممي مريب، وتواطؤ دولي مقصود، يُؤكد أن النظام العالمي الحالي ليس حامياً للسلام، بل سمساراً في سوق الدم!
* إن لم يتحرك المجتمع الدولي لوقف تصدير وتهريب الذهب السوداني، ومحاسبة الأطراف التي تموّل الحرب وتُشعلها، فعليه أن يخرس إلى الأبد، ولا يُحدثنا عن القانون الدولي ولا العدالة ولا السلام … ولكن يجب أن يعلم الجميع ان الشعب السوداني لن يصمت ابداً وسيأتي اليوم الذي يقتص فيه من قاتليه وسارقيه والمتواطئين معهم!
ربنا يديك عمر وتشاهد المجتمع الدولي والشعب السوداني يقتص من سارقيه وقاتليه.. دايره ليها ١٠٠سنه على الاقل.