مقالات وآراء

كميل وساتي.. وجهان لمسخرة واحدة!

منعم سليمان

لا أزهدُ في الكتابة عن كميل إدريس، كلما سنحت لي الفرصة، أو بالأحرى، كلما منحني هو تلك الفرصة. ليس لأنني أتعقّبه، بل لأنه منجمٌ متحرّك للكوميديا، وقد جاء في الأثر: روِّحوا عن أنفسكم ساعةً بعد ساعة، فإن القلوب تملّ.

فالرجل مفرطٌ في البلاهة، ولا سيّما حين يتحدّث، محرّكًا يديه بإصرارٍ متعمّد، وكأنما ينسج من الهواء خطابًا، فيما لا يقول شيئًا ذا بال، سوى الترهات. وفي خطابه الأخير، وبينما كان يمارس طقوسه الإيمائية المعهودة، أعلن أنه سيعمل على “استتباب الاستقرار”، ثم وجّه عينيه إلى الكاميرا، كأنّه “أرخميدس” لحظةَ الطفو !

لكن، ماذا يعني “استتباب”؟ وماذا تعني “استقرار”؟ فالذي يستتب هو الأمن، أما الاستقرار فهو النتيجة. هذه الجملة وحدها تختصر خواء الرجل، تمامًا كما تفضح غياب الرؤية وانعدام الأولويات.
ولا أدري مَن الذي أوحى إليه بأن الإيماءات الجسدية تعوّض فقر العقل وتفاهة القول، وأن هذا الابتذال الفرط حركي المبتذل دليلُ عمقٍ أو حكمة؟!

آخرُ طرائفه ما أُشيع عن رغبته في تعيين نور الدين ساتي وزيرًا للخارجية في حكومته الافتراضية. لكن الطرافة الحقيقية لا تكمن في هذا الترشيح، بل في دهشة البعض منه. فالواقع أن كميل هو ساتي، وساتي هو كميل، والفرق الوحيد بينهما هو أن ساتي، بعكس صنوه كميل، لم يعبث بعدّاد عمره، ولا يزال يمشي بين الناس بسنوات عمره الطويلة التي لم تزده فكرًا ولم تصقله تجربة!

وخلاف ذلك، فكلاهما يُجيد حرفة التلوّن، ويملك مخزونًا وافرًا من العبث والخواء والفراغ، مع انتهازيةٍ مشتركة، وتعطّشٍ مَرَضيٍّ للسلطة، حدَّ التقديس: إذا رأى أحدُهما كوزًا أو جنرالًا، قال: هذا ربِّي!

وساتي هذا، لمن لم يعرفه قبل الثورة، فليعلَمْ أنه من أرائك المشروع الحضاري، ومن كهوف الدبلوماسية التي لا ترى في السياسة إلا ولاءً أعمى لمركز الحكم، أيًّا كان لونه. فهو كوزٌ عضويٌّ بالطبع والتكوين، لا بالتنظيم؛ كوزنةٌ فطرية، زلقة، ناعمة، بلزوجةٍ قديمة.

كان، حتى الأمس القريب، يحوم في فلك الكيزان، ويدندن في بلاط علي عثمان. ولولا نفحةٌ من عطر ديسمبر، ويدُ حمدوك التي امتدّت من بركة الثورة إلى قعر النسيان، لما تجرأ أحدٌ على تداوله في أي سياقٍ عام، دعْ عنك السياق السياسي أو الدبلوماسي.

ولو أن التاريخ ظلّ يسير كما أراد له أهل الإنقاذ، لكان الرجل يجلس اليوم على أريكةٍ مهترئةٍ في قناة “طيبة”، يردّد مع “حسن طرحة” معزوفة الكيزان الأبدية عن الفردوس المفقود: يبكي “العِز” الموؤود، ويسخر من “قحت”، ويذمّ لجنة إزالة التمكين، ويتحدّث عن الرغيفة ووزنها في عهد “القحاتة”!

لقد ظللتُ أردد أن هذه الحرب، التي خرّبت كلّ شيء، ليست كلّها شرًّا؛ فقد كشفت كلَّ شيء. جمعت هذه النكبة السودانية العظمى كلَّ البيض الفاسد في سلّةٍ واحدة: فيها كميل، ونور، وكيزانٌ معتّقون، ونشطاء خاملون، وساسةٌ مغوصون، ومنتحلو ثورات، ومتسلّقو مناصب، ومجانين، ومرتزقة، ومعتوهون، ومفسّرون بائسون لما لا يُفسَّر.

عُيِّن نور الدين ساتي أو لم يُعيَّن، فهو، مثل كميل إدريس، ليس من بيت الثورة، ولا يمتّ لها بصِلة:

*إنّه من بضاعتهم، وقد رُدّت إليهم*.

‫2 تعليقات

  1. لا يامنعم سليمان، لقد ظلمت نور الدين ساتي ظلم الحسن والحسين بتشبيههه بالعوقة الدمية المزوراتي المدعو كميل إدريس، ولا اظن ان اشاعة تعيينه وزيرًا للخارجية صحيحة ولا اظنه سيقبل ان يلوث نفسة في حكومة انقلابية افتراضية لاشرعية، وكلنا شهدنا موقفه القوي الرافض لانقلاب الموز ولو اراد المنصب وقتها لكان السجمان بن الحلمان اتى إليه ركضا!!!! شتان مابين هذا وذك.,

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..