مقالات وآراء

السياسي والمغنية مسرح واحد وجمهور مخدوع

ظِلَال القمــــــر

عبدالرحمن محمـــد فضــل

 

عندما يقيم السياسي السوداني هذا “الكائن العجيب الاستثنائي” ليلة خطابية، فإن الحدث لا يكون مجرد لقاء جماهيري عفوي، بل هو عرض مُعد بإحكام، ومسرحية تم توزيع أدوارها مسبقاً، فمع فريقه المنظم، يكلف السياسي مجموعة مختارة من أعضاء الحزب المعروفين بـ”أصحاب الحلاقيم الضخمة” بمهمة لا تقل عن كونها استراتيجية يتم توزيعهم بدقة في ساحة الخطاب حيث يقف واحد على يمين المنصة، وآخر على اليسار، وثالث في المؤخرة، ورابع في الوسط، وخامس في المقدمة هؤلاء لا يحضرون للاستماع، بل للصياح المنظم بين كل فقرة من الخطاب “الفارغ المضمون والمحتوي ” ذلك الذي قد لا يحمل مضموناً يُذكر ومجرد وعود كاذبة خادعة لكن الحيلة تنجح فبمجرد أن يبدأ هؤلاء بالصياح الحماسي، يندفع الجمهور الغافل للتفاعل، وتتشكل كتلة هتاف جماعي، أشبه ما تكون بكومبارس مجاني في مسرحية سياسية مخادعة حيث تكون النتيجة مشهد درامي زائف، يخدع المشاهد، ويمنح المتحدث وهماً بالقوة والتأييد والغريب أن هذه الخطة لم تبقى حصرية في عالم السياسة فقد استنسختها بعض المغنيات مع فرقهن الفنية، في حفلات الغناء الصاخبة الفرق هنا أن “أصحاب الحلاقيم الضخمة ” تم استبدالهم بحاملي ربطات النقود، فما إن تبدأ المغنية صاحبة الأصباغ في الغناء، حتى يبدأ الفريق برمي ربطات العملة على وجهها الأملس، بذكاء مدهش وفور ذلك، يندفع الجمهور “العادي ذلك المواطن البريء” من دون وعي أو تروٍ، ليقلّد المشهد كلٌّ يبحث عن ربطة من جيبه، يلقيها على المسرح، إكراماً ومجاملة، لا عن قناعة فنية، بل تقليداً لما فعله غيره، إنه ذات المسرح، وذات الجمهور، وإن اختلفت الزينة والموسيقى عن الميكروفونات والشعارات فالسياسي المحترف، والمغنية ذات الأصباغ، يستخدمان أدوات متشابهة في الإبهار والتضليل والخداع وجر العقول إلى التصفيق الأجوف من خلال شعرات “الوطنية” عزيزي المواطن الصالح ان الوطنية ليست هتافًا بل موقفٌ ومبدأ، كثيرون يظنون أن الوطنية هي مجرد هتاف في الشوارع أو صراخ في الميادين، لكن الحقيقة أعمق من ذلك بكثير الوطنية لا تُقاس بشدة الصوت، بل تُقاس بثبات الموقف، أن تكون وطنيًا يعني أن تقف مع الحق ولو كنت وحدك، وأن ترفع صوتك في وجه الظلم، أيًّا كان مصدره. أن ترفض الفساد، وتحارب السلوكيات السالبة التي تنخر جسد المجتمع، سواء جاءت من مسؤولٍ كبير أو من مواطنٍ عادي، الوطنية تعني أن تكون نصيرًا للعدل، مناصرًا للضعيف، مدافعًا عن قيم النزاهة والكرامة إنها التزام أخلاقي يتجاوز الشعارات الرنانة إلى الفعل الحقيقي والمواقف الشجاعة، فلتكن وطنيتك فعلًا يُرى، لا هتافًا يُنسى او زوبعة في فنجال، عزيزي” الانسان” إن الله الخالق المصور قد ميزك علي سائر المخلوقات بالعقل فلا تكن مجرد متفرج في مسرحية مُعدة سلفاً سواء كان بطلها سياسي يرتدي عباءة الوطنية، أو مغنية تختبئ خلف الأضواء ومساحيق التجميل، فالحذر مطلوب، والوعي أولى من الحماسة التي يشوبها كثير من العبط والبلاهة والسذاجة والجهل.

 

[email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..