مقالات وآراء

فك الحصار ليس ضد وقف الحرب : قراءة إنسانية في دعاء نساء الفاشر

أماني عبدالرحمن بشير

 

إلى من يتهم دعاء نساء الفاشر بأنه ….. بروباغندا (Propaganda)

 

من المؤلم – والمريب – أن يتم التشكيك في دعاء نساء محاصرات، جائعات، مرعوبات، وكأن الدعاء صار تهمة أو “خدمة أجندة”.

 

الذين يختبئون خلف الشعارات السياسية لينكروا الجوع لا يختلفون كثيرًا عن الذين يتاجرون بالحرب لتحقيق مكاسبهم. أن تقول إن دعاء الأمهات لرفع الحصار “بروباغندا”، فهذه قسوة لا تختلف عن قسوة من يمنع عنهن الطعام والماء.

 

نعم، الحصار جاء بسبب الحرب. لكن متى كانت معاناة المدنيين قابلة للتأجيل حتى يُتفق سياسياً؟ من قال إن الجياع ينتظرون جدول التفاوض؟ الدعاء لرفع الحصار لا يلغي الدعاء لوقف الحرب، بل يسبقها في الضرورة. لأن الناس تموت الآن،

الإنسانية لا تُقاس بالاصطفاف، ولا بالتخوين. تُقاس بأن نكون مع الحق أينما وُجد، ومع الضحية أينما كانت في خضم الحرب التي التهمت الأخضر واليابس في السودان، وفي قلب مدينة الفاشر المحاصَرة، علت أصوات النساء بالدعاء إلى الله، بأن يُفك الحصار عنهن وعن أطفالهن. هذه الأصوات البسيطة، الخارجة من قلوب أُنهكت من الجوع والعطش والخوف، فجأة وجدت نفسها محل تشكيك وسخرية، ووصفت بأنها “بروباغندا” لصالح هذا الطرف أو ذاك.

 

إننا بحاجة إلى وقفة أخلاقية صادقة. عندما ترفع امرأة محاصرة يديها نحو السماء وتقول “يا الله، فك الحصار”، فهي لا تمارس السياسة، بل تتنفس ألمها. لا تسأل عن التحالفات العسكرية، ولا تعرف تفاصيل التفاوض، هي فقط ترى أبناءها جائعين، ودواءً مفقودًا، وحياة تذوي أمام عينيها.

 

أن يُقال إن الدعاء “يجب أن يكون لوقف الحرب لا لفك الحصار”، هو قلب لأولويات البؤس. لأن الإنسان حين يصرخ، لا يصرخ بالمطلوب المثالي، بل بما يُنقذه الآن، في هذه اللحظة. وقف الحرب هو مطلب عظيم، لا شك. لكنه هدف طويل الأمد، لا يشعر به الجائع بقدر ما يشعر بحاجة لقوت اليوم وجرعة ماء.

 

ثم إن الدعاء ليس خصمًا بعضه لبعض، ولا يلغي بعضه بعضًا. من قال إن من دعا لفك الحصار لا يدعو لوقف الحرب؟! من قال إن المعاناة تحتاج لتوجيه سياسي كي تُقبل؟!

 

المؤسف حقًا، هو أن يُحمَّل هذا الدعاء البسيط أكثر مما يحتمل، وأن يُستعمل لتصفية الحسابات السياسية، بدلًا من أن يكون جرس إنذار للضمير الإنساني.

 

وإن كنا نريد العدالة، فلنقل الحقيقة كاملة: من يعيق وقف الحرب، ويُراوغ في مسارات السلام، ويبيع المواقف مقابل مصالحه، ليس هؤلاء النساء، بل من هم في مواقع السلطة، والسلاح، والمال.

 

فلنكفّ عن جلد الضحايا، ولنتذكر أن الله يسمع دعاء المقهورين، سواء قالوا: “فك الحصار” أو قالوا : “أوقف الحرب”. ففي الحالتين، هم لا يريدون أكثر من الحياة .

[email protected]

تعليق واحد

  1. عندما ندعو الله من اجل شئ او على امر ما ، هل يستدعي الامر ان نفسر له او نشرح له ما نريد؟؟؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..