غياب السلطة الرابعة في زمن الحوجة

مبارك همت
الصحافة أو كما تسمى السلطة الرابعة لتأثيرها على المجتمعات واستطاعتها بتشكيل الرأي العام لمصلحة المواطن والبلدان لا لمصلحة الافراد والحكومات. هذه السلطة الرابعة ادوارها عظيمة ، فالصحافة ليست فقط لتوصيل الأخبار والمعلومات إلى الجمهور، فالصحافة يمكنها كشف الحقائق ومساءلة السلطات والأفراد وتعزيز الشفافية، وللصحافة دور كبير ومحوري في المشاركة في التنمية المجتمعية ورتق النسيج الاجتماعي. وأهم أدوار الصحافة تكمن في الصحافة الاستقصائية والتي نفتقرها في بلادنا ، وكنا أحوج اليها في هذه الظروف التي تمر بها البلاد من حرب اوردت البلاد المهالك ، ششت الشمل وأثرت في النسيج الاجتماعي ، وذادت من خطابات الكراهية والعنصرية والقبلية ، وتنذر بخطر الانقسامات التي تصيب تماسك ووحدة البلاد .
الصحافة التي كنا احوج اليها في هذه الفترة التي استغلها الجشعين في النهب والسرقة ، في وقت انشغلت في الدولة بالحرب .. كنا ننتظر من هذه السلطة الرابعة كشف الفساد الذي استشرى بشهادة قيادات الدولة أنفسهم.
فاغلب الصحفين والاعلامين في بلادنا في الوقت الراهن يفتقرون لابسط ادوار الصحافة . نجد أن الصحافة لم تقم بدورها المطلوب كما كان ينبغى عليها ، كان عليها إجراء تحقيقات معمقة في قضايا مهمة تمس روح المواطن والوطن ،كان عليها أن تركز على كثير من القضايا المعقدة أو خفية، مثل الجرائم الخطيرة، الفساد، أو انتهاكات الشركات وانتهاكات الافراد والموظفين . هنا كنا ننتظر دور الصحافة الاستقصائية التي لا نجدها الا نادراً في بلادنا .لان الاستقصاء يستند على الحقائق ويتطلب مصداقية كالبحث العلمي ويحتاج للدقة والمنهجية، وتتطلب وقتاً وجهداً كبيرين في البحث والتحقق من المعلومات وهذا ما تتفتقده صحافتنا التي يعتمد اغلبها على الرأي !!.ويا ليته كان رأياً !!!
وفي هذا المنحى الخطير الذي تمر به البلاد دعنا ننظر لاداء أغلب الصحفين الذين يمثلون الصحافة السودانية ويعملون في الصحف السودانية أو من يمثلون الدور الاعلامي في الأجهزة المرئية السودانية، أو حتى الخبراء (المُخجِلين) الذين يتم استضافتهم في القنوات الفضائية كاعلامين وصحفين ويعكسون للعالم صورة مخلة للصحفي وللصحافة السودانية بما يقدمونه من طرح وافكار متناقضة تكشف جهلهم وعدم مصداقيتهم .
البلاد تحتاج لصحفين يمثلون روح السلطة الرابعة يقتحمون بيوت الافاعي دون خوف ، يقدمون الطرح الجريئ المتنوع دون رياء ، يقدمون مصلحة الوطن والمواطن ، يكشفون الحقائق الغائبة عن أعين العامة وهذا دورهم ومهنتهم !!! ولكن هل صحافتنا تقوم بهذا الدور ام انها صحافة تطبيل وتزيف للحقائق كما يرها معظم الذين يقرأون لهم ، فهي صحافة(مع وضد)، والكثيرون يرون أنها لا تمثل الحقيقة وبينها وبين الحقائق عدا مفرط ..
فالسواد الاعظم من الصحفين فقدوا المصداقية لميولهم السياسية وارائهم المتلونة وبغضهم الشخصي للشخوص فاصبحت معظم كتاباتهم مهاترات وانتقام وانتصار شخصي للذات لا للوطن . كثير من الصحفين اصبحوا يقدمون اراء متناقضة مما افقد مصداقيتهم للمتلقي، وعرت خوائهم الفكري ، وشككت في ميولهم للوطن ووطنيتهم . وكشفت أن الولاء للأشخاص أو كيانات اكبر واشد .. وبسبب عدم المصداقية لجأ الكثيرون لتلقي المعلومة من الناشطين الذي كثروا في الوسائط دون رغيب أو حسيب ..
فعلى الصحافة والاعلام في بلادنا مواكبة الواقع ، وأن لا يتحول معظم الصحفين لكتاب راي فقط ، لأن صحافة الرأي تعبر عن وجهة نظر الصحفي أو الكاتب ، وهنا يمكن أن تكون صائبة أو خاطئة، ولكن البلاد تحتاج لصحافة ولإعلام يركز في هذه الفترة العصيبة على الشأن العام للبلاد والمواطن بصورة خاصة ، صحافة تغوص في أعماق المعاناة للبحث عن المعلومات الدقيقة من أجل أن توجه المسؤولين والمجتمع لايجاد حلول للمشكلات..
فالحقيقة لم يجد المواطن الاهتمام الكافي من الصحفين، ولم يجد الاهتمام لقضاياه الملحة . ولم نجد دراسات استقصائية لأبعاد الحرب ، للخسائر التي نتجت وتنتُج بسبب الحرب، ولا حتى مؤشرات للخسائر التي يسببها استمرار الحرب ؛ لمن نجد صحافة تناقش وتستقصى عن مآلات التعلم والفجوة التي ستحدث لهذا الجيل المشرد ويعيش في المنافي الإجبارية ومعسكرات النزوح ، لم نجد صحافة تصدق القول في كثير من الأمور الاقتصادية التي تؤثر في حياة المواطن اليومية ، لم نجد صحافة تتحدث بصورة إستقصائية عن الاطباء المهندسين الاساتذة الذين تركوا البلاد مجبرين ووجدوا مصادر دخل خارج وطنهم والعجز الذي يمكن أن يسببه في حالة عدم عودتهم للديار ؟ لم نجد صحافة تركز بصورة فعالة في الدور الذي يمكن أن تلعبه الدولة لترغيبهم للعودة ؟.
لمن نجد صحفين لديهم اهتمام كبير لقضايا صحة المواطن المستشفيات وصحة الأدوية التى تباع بصورة غير صحية وتخزين سيئ وتباع للاستشفاء، وستكون سبباً لتدهور صحة المرضى اكثر مع مرور الوقت . فالجميع يعلم ان الادوية لديها طرق حفظ معلومة، ودرجات حارة معينة لحفظها حتى لا تفقد صلاحيتها ..
أين الاستقصاء عن التأثير السلبي للحرب اخلاقياً ونفسياً وكيف يعيش السودانين في البلاد التى نزحوا اليها ، وكيف يعيش النازحين في أرض المعسكرات .
هل الصحافة التي يريدها المواطن المغلوب على امره هي صحافة كيل السباب والاتهامات للافراد ؟
هل الصحافة والاعلام الذي ينتظره المواطن من اجل غسل وطمس الحقائق؟
أين الصحافة التي تكشف الفساد ؟
حينما يفقد الإعلام مصداقيته ستضيع هذه السلطة الرابعة التي تعبر عن الواقع والحقائق وستكون سببا في الإفساد لا سبباً في كشف الفساد ..
على الصحفين التركيز في قضايا المواطنين والوطن وترك المهاترات والانتقام الشخصي ..
فالوطن يبنى بالصدق والمصداقية لابالعاطفة والمحسوبية والمحاباة ..
والمواطن حصيف والحقائق تتكشف بمرور الوقت وستظل الكتابات شاهدة لك أو عليك فعليك الاختيار !