أهمية الكتابة في تراكم الوعي وابقاء الفكرة حية وموثقة

عبد القادر محمد احمد
المحامي
أحد الأصدقاء، لا أدري أكان مشفقًا أم ساخرًا، قال لي:
شايفك شغال مقالات! يا زول ما تقوم نفسك ساكت، يعني داير تهدي الكيزان بالمنطق وكلام الوطنية؟ وهم أصلًا ما شغالين بالنظرية دي! ولا عايز تقنع الأحزاب التانية عشان يوحّدوا صفهم؟ يعني هم ما شايفين الحاصل في البلد؟!
فقلت له : طبيعي أن نتفاعل مع قضايا الوطن، وسلاحنا الوحيد القلم. صحيح أن كثيرين لا يقرأون إلا العناوين، وبعضهم يقرأون ويصمتون، وبعضهم يسخرون. ومع ذلك، يبقى واجبنا أن نكتب، أن ننادي، أن نقترح، والوعي يتراكم.
الكلمة المسؤولة، حتى لو قوبلت بالصمت أو الاستهزاء، قد تجد يومًا من يسمعها. لا رهان على من يسمع اليوم، المهم أن تبقى الفكرة حيّة وموثقة. الوطن يستحق أن نحاول قدر جهدنا، ولو بالكلمة. فقد تصبح يومًا مرجعًا للتاريخ، وشاهدًا لمن أراد أن يعرف من هم الذين أجرموا في حق هذا البلد الطيب.
ولأؤكد له أنني مثله، أعلم واقع حال القوى السياسية في بلدنا، حكيت له قصتين طريفتين حدثتا داخل المعتقل السياسي بسجن كوبر.
القصة الأولى : كانت في نهايات ديسمبر 1989م، حين قرر المعتقلون الاحتفال بعيد الاستقلال من داخل السجن. حدث خلاف حول شكل الاحتفال، فتم الاتفاق على تكوين لجنة تمثل الكيانات الموجودة بالمعتقل. حزب الأمة اختار السيد بشير عمر، الحزب الاتحادي اختار السيد فاروق أحمد آدم، الحزب الشيوعي اختار الراحل خالد الكد، والقانونيون اختاروني. للأسف لا أذكر بقية الأسماء.
في أول اجتماع، بادر خالد الكد باقتراح أن يكون شكل الاحتفال ذا طابع سياسي، وذلك بالإضراب عن الطعام، كنوع من الاحتجاج على اعتقالنا دون تهمة.
فاروق اعترض، وقال إن الإضراب عن الطعام يعتبر شروعًا في الانتحار، والانتحار محرَّم شرعًا.
قلت: حسب فهمي، المقصود ليس الإضراب عن الطعام حتى الموت حتى ندخل في جدل الحلال والحرام، لكن فقط إرسال رسالة احتجاج للسلطة.
بشير عمر استعرض وجهات النظر، وقال إن الموضوع يستحق الرجوع إلى الجهات التي اختارتنا للمزيد من التشاور. فتم رفع الاجتماع على أن نعاود بعد صلاة المغرب.
بعد الصلاة، ذهبت إلى مكان الاجتماع (غرفة القراءة) وانتظرت طويلًا. وأخيرًا، حضر خالد وهو يضحك بصوت عالٍ، وقال:
يا مولانا، والله إنت راجل طيب … إنت لسه مفتكر الاجتماع حيقوم؟! سألته: ليه؟
قال: أصلاً لو الاجتماعات بتقوم، نحن في السجن ليه؟!
حينها بدأت أستوعب عمق السؤال … سؤال لم يكن في انتظار إجابة.
قلت له: طيب، إنت جيت ليه؟
قال: أنا فقدتك في العنبر، قلت أجي أشوفك.
ثم أشار خارج الغرفة وقال :
شايف ديك غرفة السيد الصادق؟ مقفولة لكن منوّرة، أكيد بشير قاعد معاه بيتناقشوا، والقرار : حيكون ما في اجتماع.
وبرضو ديك غرفة السيد محمد عثمان، مقفولة ومنوّرة، أكيد فاروق قاعد معاه، بيتناقشوا، وبرضو ما في اجتماع.
جاء الجميع لصلاة العشاء، وبعدها عاد كل شخص إلى عنبره، دون أن يتحدث أحد عن الاجتماع.
ولمعالجة الأمر بعيدًا عن الخلافات، تمت لقاءات جانبية متعددة، وتم سحب الاقتراح، والاتفاق على أن يكون الاحتفال بإقامة مناشط رياضية، وتوزيع جوائز على الفائزين.
القصة الثانية : كانت في الأول من يناير 1990م، حيث تجمعنا في ميدان الراحل محمود محمد طه للاحتفال بعيد الاستقلال. في النشاط الخاص بكرة القدم، وكالعادة، كان التنافس بين فريق الراحل الصادق المهدي، وفريق الراحل خالد الكد. وكان السيد محمد عثمان يحرص على الحضور لتشجيع فريق الكد، وكان دائمًا يقول:
خالد دا “مسخوط” ، لكنه ولدنا، وبيرجع لينا، عشان كدا أنا بشجّعو!
خلال المباراة، وقع خلاف حول أداء الحكم، وتم اتهامه بعدم الحياد، فتوقفت المباراة، واتُّفق على أن أتولى مهمة التحكيم باعتباري مستقلًا.
كان السيد الصادق، رحمه الله، يلعب مهاجمًا، وكان سريع الحركة.
وفجأة، وقع خلاف حول كرة سددها نحو المرمى: هل كانت هدفًا أم لا؟
لم أكن متابعًا بالقدر الكافي لأحسم الموقف، فأسرعت نحو السيد محمد عثمان، الذي كان جالسًا خلف المرمى، وسألته:
يا مولانا، بالله قون ولا ما قون؟
فرفع يده ملوحا بها يمينًا وشمالًا، في إشارة تنفي الهدف، حسب ما فهمها الجميع، لكنه قال بصوت منخفض: والله قون، لكن أنا ما داير مشاكل مع خالد الكد!
بدون تردد أطلقت صافرة معلنا صحة الهدف!
نظر الجميع إليّ باستغراب، وصاح خالد الكد محتجا:
بالله دا إنت كمان؟! الجبناك قلنا زول مستقل، مولانا يقول ليك ما قون، تقوم تصفّر قون؟!
ضحك الجميع، وأمسكت عن تبرير موقفي، احترامًا لمولانا محمد عثمان.
لكنني لا أنكر أنني واصلت التحكيم وأنا أشعر بالحرج وعدم الرضا، وبدأت أربط بين هذا الموقف وما جرى بشأن الاجتماع، وأسأل نفسي:
هل فعلاً تُدار السياسة في بلدنا بذات الكيفية؟
رحم الله من رحل، وبارك في أعمار من بقى،
واحترامي وتحياتي لكل من اوردت اسمه.
والله يا مولانا أنت فعلا رجل طيب لكن المغصة السويتها لينا ما بننساها موش كان قعدت تحكي الذكريات ….أنت يا رجل الفرصة أتتك وضيعتها وذلك عندما كنت أحد المعارضين ( لقانون إزالة التمكين ) الذي خطه بيراعه ((زعيم المناضلين الوطنين محمود حسنين)) لذا كان أحرى احترامه وليس مهاجمته ويكفي أن ذكر إزالة التمكين جاء في ديباجة الوثيقة الدستورية كأولى أولويات ثورة ديسبمر المجيدة …. لكن ماحدث وجدناك أنت وأديب تحملون معول الهدم بدلاً من سد الثغرات ” إن وجدت ” وادعائك بأن الفلول من القضاة يستحقون معاملة خاصة لاستقلال القضاء وكلام فارغ من هذا القيبل ( هو القضاء كان مستقل عشان تحفظ هيبته ) والأدهى والأمر تصفيقك وتهليلك لحكم الكوز المجرم (أبو سبيحة ) بالغاء قرارات لجنة التمكين ( وكل هذا عبر مقالات محفوظة ) …لكن الشي الذي اقتنعت منه أنك رجل ( طيب ساكت ) عندما قلت بعد حكم أبو سبيحة ( ما في واحد تم فصله بقرار اللجنة يعشم في الرجوع ) في تناقض عجيب كيف تهلل للحكم وترفض نتيجته !؟ التي هي اعادة المفصولين ، وهو ما حدث بالفعل وباقي القصة الاليمة معروفة للجميع من استغلال القضاء في تصفية الخصوم واهدار الحريات واستغلاله بالغين وبما ينفي عنه صفة االاستقلال التي الصقتها به ذوراُ وبهتاناً وأنت سيد العرفين !؟ فالجزاء لابد أن يكون من جنس العمل والا عندك رأي آخر يامولانا …. ولك في تجربة تونس ورئيسها الهمام في التعامل مع حثالة الاسلاموين في القضاء و كيف تمت القدوة الحسنة ….أما أنتم أصحاب الغرض والتحنيس فهذه عقابتكم فلا يمكن أن نسمع لك بعد ذلك أي قصص تضيع بها وقتنا في الفرغة والمقدودة كما جاء على لسان الكوز الرمة الذي حاول أن يثنيك عن العودة للكتابة وليتك فعلت .
موضوع لطيف يا مولانا رغم مراوغة الطائفيين و عدم تصديهم للأمور بشجاعة مطلوبة .
دعني أقول لك ، لا تتوقف عن الكتابة أبدا ، فهي واجب مباشر و أبدي لكل صاحب رأي . و قبل أن تساهم الكتابة في تراكم الوعي و توثق لمن انحاز للخير و الحق و الجمال ، فأنها تواصل مع الذات أولا . فعندما تكتب ، فأنت تضع ذاتك أمامك لتتأملها و تسعى ، كل مرة تكتب فيها ، إلى ترقيتها إلى نسختها الفضلى .
Well said
تعليق جميل اضاف للمقال. واصل الكتابة ومراكمة الوعي السيد عبد القادر ولا تحفل بالمثبطين. لو قامت القيامة وفي يد احدكم فسيلة فليزرعها كما قال سيد المرسلين.