“السودان، تذكّرنا” أربعة شعراء يتحدون الرصاص بالكلمات
مخرجة تونسية تقدم وثيقة مؤثرة عن واقع السودانيين المهمش.

الفن أداة للمقاومة، وهذا ما تثبته التجربة الملموسة وما تؤكده الثورات والانتفاضات التي يكون الفن عادة في صدارتها، يعبر عن روحها التواقة إلى الحرية والتحرر وكسر القيود. ويؤكد هذه الرؤية الفيلم الوثائقي “السودان، تذًكرنا”، الذي يبرز كيف قاوم السودانيون الشباب الدكتاتورية والقمع والقتل بالشعر والفن.
فيلم “السودان، تذكرنا” (2024) من إخراج هند المدب يجسد روح الشباب السوداني خلال ثورة 2019، ويتمحور حول أربعة نشطاء، هم شجان ومها ومزمل وخطاب، يعبرون عن رغبتهم في الحرية من خلال الشعر والفن والشعارات. يبدأ كاحتفال مفعم بالأمل بعد الإطاحة بعمر البشير لتتحول المشاهد إلى رواية يأس، مع اشتداد العنف وتحول البلاد نحو الحرب الأهلية.
يبدأ الفيلم في عام 2023، بلقطات لشوارع الخرطوم المهجورة مصحوبة بمكالمة صوتية بين المؤدب وإحدى النساء اللواتي كانت تتابعهن منذ أربع سنوات. الوضع رهيب، وهذا واضح كثيرا. تقول المخرجة “من نافذتي، أرى مدينة ميتة”، بينما نسمع صوتا يشدو في محادثة لاحقة: كيف وصلت إلى هذا؟

مشاهد من الثورة
يعود الفيلم بالزمن والأحداث إلى عام 2019، إلى أحداث الاعتصام الحاشد بعد أشهر من الاحتجاجات ضد حكم البشير، الذي حكم البلاد بقبضة من حديد لمدة 30 عاما والذي انتهى بالتنحي. الأجواء بين المتظاهرين مفعمة بالأمل، خاصة بعد نجاح الخطوة الأولى في الإطاحة بالديكتاتور. ولكنه يتحول إلى الخوف واليأس في الليلة الأخيرة من شهر رمضان، حيث فرقت قوات الأمن الاعتصام بعنف، مما أسفر عن مقتل أكثر من 100 شخص فيما يعرف باسم “مذبحة الخرطوم.”
هذا الاعتصام والتعبئة التي سبقته وما أعقبته من أحداث تتابعها المخرجة هند المدب، ابنة الكاتب التونسي عبدالوهاب المدب، بكاميراتها من خلال عيون بعض الشباب السودانيين، وخاصة الشابات. على الرغم من أن هذه الاحتجاجات مستمرة، لكن توصّل تحالف من المتظاهرين إلى اتفاق مع الحكومة العسكرية.
بعد ثمانية عشر شهرا، عندما كان من المفترض أن ينتقل الحكم إلى المدنيين لمدة عام ونصف العام المقبلين، ألقى انقلاب عسكري من قبل الجنرال عبدالفتاح البرهان بالسودان في فترة أخرى من العنف والقمع المضطرب. الشابات والشباب الثائرون والثائرات، مها وشجان مع مزمل وخطاب وجميع الشباب الآخرين الذين تصورهم المؤدب بكاميرتها، نجدهم يقاتلون من أجل الحرية وحكومة عادلة، يرفضون التراجع ويواصلون التظاهر من أجل الحرية وهم يواجهون خطر الاضطهاد والاعتقال.
ينتهي الفيلم من حيث بدأ، في عام 2023، يدخل البرهان ونائبه حميدتي في صراع على السلطة يؤدي إلى حرب أهلية دامية في السودان.
في “السودان، تذكرنا” توثِّق المخرجة هند المدب نضالات الشعب السوداني ضد الحكم العسكري خلال الفترة بين سقوط نظام عمر البشير في 2019 واندلاع الحرب بين طرفي المكون العسكري (الجيش وقوات الدعم السريع) في 2023. ويوثق تجربة المخرجة مع الحراك الشعبي السوداني، حيث بدأت القصة في باريس وتواصلت في السودان بعد سقوط نظام البشير، مسلطًا الضوء على الأحلام والآمال التي رافقت الثورة السودانية.
في بداية الفيلم تسافر المخرجة هند المؤدب إلى الخرطوم، لتسجيل لحظة الابتهاج الذي أعقب الإطاحة بزعيم الإبادة الجماعية عمر البشير، ليضع حدا لما يقرب من ثلاثين عاما من الديكتاتورية في السودان. إنها لحظة عابرة تجسد فيها المدب الفرح والأمل قبل أن تنزلق البلاد في حرب أهلية.
في خضم أعمال العنف التي تلت ذلك، تعثر المخرجة على شرارة أمل في نشاط أربعة شبان سودانيين يستخدمون الشعر والاعتصامات والاحتجاج بالموسيقى والغناء والفن للمطالبة بالديمقراطية. يعد الفيلم بمثابة تصوير لشجاعتهم وفرحهم وإيمانهم الراسخ بوعدهم بمستقبل أفضل وأكثر إنصافا، فضلا عن تصوير ليس فقط للواقع السياسي للبلاد، ولكن أيضا لمواطنيها الثوار الشجعان.
من خلال هذا الفيلم الوثائقي المتمرد تكشف المخرجة التونسية عن الدوافع الديمقراطية للشباب. والفيلم إنتاج مشترك بين تونس، فرنسا وقطر وهو مدعوم من صندوق البحر الأحمر. وقد عرض في مهرجان البندقية السينمائي عام 2024. وحصل على جائزة نقابة نقاد السينما في مهرجان كاركاسون للأفلام السياسية وجائزة المرأة في الإعلام في “فيبادوك.”
منذ بدء الحرب في عام 2023، نزح أكثر من 12 مليون شخص، وقتل أو جرح الآلاف، وعانى نصف السكان من مجاعة شديدة. تقف المخرجة دائما إلى جانب الثورة، تراقب المقاومة وتصور أولئك الذين لا يقبلون الذل ويناضلون من أجل الحرية، بالقصائد والأغاني الحماسية التي يتم ترديدها، إنها بمثابة درع للرصاص، وبلسم للجروح، وبوصلة لأولئك الذين يتقدمون في الظلام.
في شوارع الخرطوم، يصبح الشعراء المجهولون جنرالات الروح، ويوجهون الحشد بالكلمات، ويقيمون الكلمة كمعيار، من بينهم، أيمن ماو، الشخصية المركزية في الفيلم، الذي يحرك الذاكرة الجماعية. أصبحت موسيقى الراب الخاصة به، المستعرة والمتجذرة بعمق في التقاليد السودانية، نشيداً لشاب يقف على قدميه. يشكل وجهه ونظرته وصوته صورة مؤثرة لفنان في ساحات النضال.
الفيلم يعطي أيضا صوتا لأولئك المهمشين من الشابات والشباب السودانيين، وكذلك الطلاب والفنانين والنشطاء الذين يسيطرون على الشارع الذي تحول إلى مسرح. يصبح الرصيف لوحة مسرح الثورة، ويجمع أجسادا كريمة. يتحدثون بصوت عال ويصرخون ويرقصون، لأنهم يعرفون أن صوتهم مهم، وأن صورتهم سياسية، وأن وجودهم هو بالفعل عمل مقاومة.
تحتضن كاميرا المدب هذا الهمّ والوجع بالكلمة والشعر. إنها لا تلتقط بل ترافق دون أن تهيمن. تسمح للواقع بفرض دراماتورجيا خاصة به. إنها تثق في ذكاء المشاهد للفهم والشعور والسخط. إنه فيلم وثائقي ولكنه قبل كل شيء عمل سينمائي متوهج مأهول يحول الواقع إلى مادة شعرية. إنه محاولة لالتقاط تلك اللحظة المعلقة عندما ينهض شعب، ليس بالسلاح، ولكن بالكلمات، بالرقص، بالضوء. “السودان، تذكرنا” ليس قصة بطولية، وليس قصة انتصار، إنه جرح مفتوح، ثورة مصادرة وحلم وقع الدوس عليه.
نشأت هند المدب بين فرنسا، المغرب وتونس، مما أكسبها رؤية فريدة بفضل تجربتها الثقافية المتعددة. تسعى في أفلامها الوثائقية إلى توثيق جميع أشكال المقاومة. في هذا الفيلم، تواصل المخرجة توثيق نضالات الشعوب وإبراز قصصهم وتحدياتهم، مما يجعل “السودان تذكرنا” شهادة حية على روح المقاومة والإصرار لدى الشباب السوداني.
شجان ومها ومزمل وخطاب، أربعة ناشطين سودانيين شباب في العشرينات من العمر، هؤلاء الشباب النشطاء سياسيا والمبدعين فنيا ليسوا سوى عدد قليل من جيل يناضل من أجل الحرية بكلماتهم وقصائدهم وهتافاتهم. مدعوما بالشجاعة والإرادة المطلقة والأمل الجماعي، خاطر هؤلاء الشباب السودانيون بكل شيء للإطاحة بالنظام العسكري في البلاد من خلال ثورة حماسية.
يمتد هذا الفيلم الوثائقي المؤثر للغاية على مدى السنوات من الثورة السودانية عام 2019 حتى اندلاع الحرب الأهلية الشديدة في عام 2023، يلتقط صورة جماعية للشباب السوداني، الذي يحلم بسودان ديمقراطي جديد. ويعد العمل شهادة على المقاومة والروح الثورية للسودان، وهو على حد تعبير مخرجته “جوقة سينمائية”. في الوقت الذي واجه فيه السودان عامين من الحرب العنيفة والمعادية للثورة والمجاعة وأجبر ملايين الأشخاص على المنفى، إلى جانب اللامبالاة من بقية العالم، فإن هذا الفيلم هو صورة لأمة وشعب سيستمر في المثابرة والإصرار على مستقبل مشرق وعادل. بعد ست سنوات من فيلمها الوثائقي السابق “باريس ستالينغراد” 2019، الذي رسم صورة لاجئة من دارفور وصلت للتو إلى فرنسا، تمد المخرجة في إيماءتها إلى نقل كلمة غير معروفة عن بلد يبحث عن الحرية.
شعب يناضل بالشعر

بينما يركز العالم على صراع مليء بجرائم الحرب في غزة، حيث يوجد ما يقرب من مليوني شخص محاصرين دون الكثير من حيث الغذاء والدواء، تتطور كارثة إنسانية ذات أبعاد أكبر بهدوء منذ أكثر من خمس سنوات. الصراع الذي للأسف لا يحظى باهتمام كبير في وسائل الإعلام الغربية، الحرب الأهلية السودانية التي اندلعت في عام 2023 بعد أربع سنوات سبقتها أربع سنوات كلفت أرواح ما يقدر بنحو 150 ألف شخص، وشردت أكثر من 8 ملايين آخرين، يأتي فيلم “السودان، تذكرنا ” فيلم بعنوان مناسب حول صراع تم تجاهله إلى حد كبير وظل شبه منسي وله كل السمات المميزة للإبادة الجماعية.
كما توضح المدب أن معظم الأشخاص الذين صورتهم فروا من الخرطوم والسودان خوفا على حياتهم. هذا يترك الفيلم يفتقد بطريقة ما إلى الفصل الأخير، على الرغم من أن هذا نتيجة للظروف وليس خطأ المخرجة، التي ابتكرت رواية شبه مباشرة لبلد في حالة اضطراب حيث الشباب، أولئك الذين يعتقد أنهم سهلون للغاية وليس لديهم أي مصلحة سياسية، يقفون في طليعة المقاومة مسلحين بالموسيقى والشعر بشكل مدهش. ولمسة من الفكاهة، كما تقول إحدى اللافتات عند حاجز الطريق، “آسف على التأخير في اقتلاع النظام.”
مثل بوب ديلان الحقيقي، وضع المتظاهرون الشباب إحباطاتهم وغضبهم ومخاوفهم في موسيقى الراب والقصائد والهتافات التي لا تتزعزع. الشعر هو الحياة في السودان، وما تزال كلمات أكبر المنشقين عن الماضي تحمل أجيالا من السودانيين غير الراضين. كتصوير لأصوات ثورة ضد نار القوى القمعية، وتاريخ لشباب عنيد صامدين في سعيهم من أجل حياة أفضل. لذا فإن الفيلم هو وثيقة قوية تبدأ وتنتهي بطرق شعرية مناسبة، ولكنها تتخذ نهجا صحفيا في توثيق النضال.
وتصور المدب الثورة السودانية ليس من وجهة نظر الجنرالات أو الدبلوماسيين، بل من خيام اعتصام الخرطوم، وكتابات الشباب، والآيات التي تردد بصوت عال في الشوارع. إنها تلتقط العلاقة الحميمة والزخم الجماعي واليوتوبيا الحضرية لشعب حاول لمدة 57 يوما بناء مدينة ديمقراطية أمام مقر الجيش.
يمنح الفيلم المرأة مكانا مركزيا – ليس كبيان نسوي قسري، ولكن بطبيعة الحال، كما كانت في المسيرات، على خشبة المسرح، في العيادات وغيرها. لا يزال البعض منهنّ يعيش في السودان، والبعض الآخر لجأ إلى المنفى. في بلد فرضت فيه الديكتاتورية الحجاب، وحظرت السراويل، وقامت بالجلد العلني، كانت النساء في الخطوط الأمامية منذ البداية. يطلق عليهن اسم “كانداكا”، تكريما للملكات السود في مملكة كوش القديمة اللواتي تحدين الإمبراطورية الرومانية.
المخرجة تسلط الضوء على البُعد النسوي للثورة، مع كون معظم قادتها من النساء الشابات اللاتي سعين لتحطيم قيود المجتمع الأبوي. كما ترصد المحادثات العفوية في المقاهي والمنازل والشوارع، مما يضيف بُعدا آخر للسرد. ويتحول الحوار بعد ذلك إلى خيط موضوعي أكبر يتناول حقوق النساء، وسوء الممارسات الدينية، ورؤيتهم للسودان الذي يأملون في العيش فيه. تُبرز الكاميرا أيضا خصوصية العاصمة، الخرطوم، كمكان ذو تاريخ غني كان مصدر إلهام لهؤلاء الثوار الشباب.
قوة الكلمات

تدرك على الفور أن الفيلم ليس تاريخاً، بل مرثية، على عكس التقارير الصحفية الباردة، يمنح هذا الفيلم الوثائقي الوقت، وقتا للثورة والكلام والإيقاع والصمت. تسمع شعارات أصبحت أسطورية: “دم الشهيد ليس له ثمن” أو “الرصاص لا يقتل – الصمت يقتل.” إنه تمجيد لقوة الكلمة ضد إطلاق النار.
إحدى معجزات الفيلم هي أنه يظهر أن الثورة لم تكن سياسية فحسب – بل كانت شاعرية. في الاحتجاجات، حلت المبارزات الشعرية أحيانا محل المناقشات. صرخ الشباب بأسماء شعرائهم كما يستشهد آخرون بالأبطال الوطنيين. تفكر في آيات أزهري محمد علي، أو محجوب شريف، أو شخصية عزة “الاسم الآخر للسودان”، التي أصبحت رمزا للوطن والمقاومة. كما توضح هند المدب، كيف يعمل الشعر السوداني كجوقة قديمة: إنه يتحدث باسم الناس، إلى الناس، من الناس. وليس من قبيل الصدفة، فالسودان المحروم منذ فترة طويلة من السينما والإذاعة الحرة ووسائل الإعلام المستقلة، زرع الأدب الشفاهي باعتباره وسيلة بقائه الرمزي الوحيد، في هذا البلد المكون من 117 لغة و56 مجموعة عرقية، تنتقل الكلمات أسرع من الرصاص.
منذ الدقائق الأولى من الفيلم نفهم أن الشعر في السودان تقليد سياسي وشعبي قوي. لطالما حل محل الصحافة الصامتة وكان بمثابة وسيلة للمقاومة. وفي تعليقها الصوتي التمهيدي، تلفت المخرجة الانتباه إلى أن السودان أرض الأدب، ومن هنا يأتي التقدير العميق للشعر الذي تعكسه عدستها. خلال الفيلم، يتم عرض الثوار الشباب وهم ينشدون الشعر لبعضهم البعض، ويكرمون أسلافهم من المثقفين والشعراء.
شِعرُهم يعكس واقعهم المعاصر ويستمد إلهامه من قادة الانتفاضات السابقة في الستينيات والثمانينيات كما يظهر كيف تم استخدام الشعر كأداة احتجاج في السودان لعقود، في إشارة إلى أعمال شعراء مثل محمد الحسن سليم، المعروف باسم “الحمصة”، ومحمد القدال. أحد نجوم الفيلم هو معاد شيخون، شاعر الثورة السودانية الذي غالبا ما ينظر إليه على أنه الصوت الشعري للنشطاء السودانيين.
يختتم الفيلم بتلاوة شعرية لشيخون، ويأتي ذلك بمثابة خط أمل في حاضر يشوبه واقع قاتم وعنيف، حيث أجبر بعض ألمع العقول السودانية على الفرار من البلاد بسبب الحرب، تقول المخرجة “أبدأ بالحرب وأنهي بقصيدة أمل لأنني أفكر بالفعل في المستقبل، أعتقد أن هذا الفيلم مخصص للجيل القادم، للاحتفاظ بذكرى شيء جميل، للشعب السوداني.”

وتقول إن “الدافع الكبير للفيلم كان تسليط الضوء على الأحداث الأخيرة في السودان، وهو صراع غالبا ما تم تهميشه من قبل وكالات الأنباء الدولية. ومع ذلك، فإنه يسعى أيضا إلى مواجهة كيفية تصوير العالم العربي في الغرب.” مضيفة “أكره الطريقة التي يمثلون بها العالم العربي وأفريقيا.” وتشدد قائلة “كل فيلم أقوم به هو قصة صداقة.”
عندما أطيح بالرئيس السوداني عمر البشير في عام 2019، كانت المخرجة قد أنهت للتو فيلم ”باريس ستالينغراد”، وهو فيلم وثائقي يلقي الضوء على تجارب اللاجئين في العاصمة الفرنسية. شجعها أصدقاؤها السودانيون على السفر إلى الخرطوم لمتابعة الثورة، وعرضوا مساعدتهم عليها. هبطت المؤدب في الخرطوم لتشهد المدينة في حالة من النشوة.
صور الفيلم الوثائقي، روح التفاؤل والأمل الذي اجتاح العاصمة فور عزل البشير. طالب الناس بتشكيل حكومة مواطن أثناء الهتاف وتلاوة الشعر والغناء في الشوارع. “وجدت نفسي في منتصف الاعتصام”، تروي المدب، بينما ترصد لقطات من الحشود المبهجة. تقول “انضممت إلى الاحتفالات. ربما لأن والدتي من المغرب والجزائر، وأبي من تونس، أعادتني اللغة الشعرية إلى جذوري.”
الفيلم الوثائقي مليء بالمقابلات التي تقدم فهما ملموسا لما كان يواجهه الشعب السوداني في ظل حكم البشير، والأمل الذي كان لديه في التغيير. ”لقد غيرت الثورة كل شيء”، تقول شاجان سليمان، إحدى الشخصيات التي قابلتها المدب، في الفيلم. وتضيف “أدركنا أن البلد ملك لنا. اكتشفنا ما هو الشعور الوطني. أدركنا أن لدينا حقوقا.”
منذ بداياتها، أعطت هند المدب صوتا للمهمشين والمضطهدين وأولئك الذين يصرخون في ضجيج اللامبالاة. مع “إلكترو شعبي” (2013)، كشفت عن المشهد الموسيقي السري في القاهرة، المشهد الذي ولد في أحياء الطبقة العاملة وتجاهلته النخب. في “صدام تونس” (2015)، تابعت مغني الراب التونسيين الذين يواجهون رقابة ما بعد الثورة، وأظهرت شبابا يناضلون من أجل حرية التعبير في بلد “حر” رسميا.
مع فيلم “سودان، نذكّرنا ” تدفع هذه اللفتة السياسية إلى أبعد من ذلك. إنها لا تصنع فيلما عن السودانيين: إنها تصور معهم. تعيش معهم. إنها تشارك ليالي الوقفة الاحتجاجية، ومخاطر القمع، والدموع المكبوتة. وتقدم نظرة إنسانية جذرية، داعمة، راسخة في الواقع ولكنها تميل نحو المدينة الفاضلة.
سينما هند المؤدب سلاح، ولكنه سلاح ناعم. سلاح لا ينفجر، ولكنه يصرخ بصوت أعلى من الآخرين، ولكن من يجعل ما تم كتمه مسموعا. إنها لا تحتاج إلى تعليقات صوتية أو تأثيرات درامية. تتحدث السينما الخاصة بها من الشارع، من الجلد، من الذاكرة. وهنا تكمن قوتها: لتذكيرنا بأن التاريخ لا يصنع فقط في القصور والبرلمانات، ولكن في هتافات الحشود، في مقاطع فيديو الهواة، مع رفع القبضات ضد حلول الظلام.
ولكي لا تموت هذه القصص، نحتاج إلى فنانين مثل هند المدب لجمعها وترتبيها، وهي التي جعلت السينما فضاء للمقاومة.
العرب




يا للروعة، هكذا يكون التنوير، شكرا للمخرجة التونسية هند على جهدها وتستحق منا كل الاحترام والتقدير، أن نجاح الثورات يقوم على ثلاث أسس جوهرية هي؛
١/حدوث الظلم
٢/حدوث الفساد
٣/وجود القائد
من المحزن والمبكي أن السرطان الاولان قد حدثا ولكن غاب الشرط الثالث لنجاح الثورة الا وهو غياب القائد، مع احترامنا للدكتور عبدالله حمدوك، فالرجل من حيث الأهلية الأكاديمية لاشك فيه على الإطلاق، ولكن غابت عنه صفة من صفات القيادة الا وهي الكاريزما والتي هي نادرة في جموع الشعب السوداني الا القليل من تمتع بها، أمثال إسماعيل الأزهري ومن بعده ظهر بها الشريف حسين الهندي الذي كان يحمل جوازات سبع دول من أجل إسقاط جعفر نميري، ثم خلفه الرفيق جون قرن، فثورتنا لو كان اسحن اختيار قائد ثوري ممن عاشوا في السودان وعركوا النضالات ضد النظام الإخواني، لكان نجحت الثورة، ولكن هذا هو قدر أهل السودان